تتسارع حدّة المؤتمرات الدولية بشأن سوريا بدءاً من وارسو، مروراً بسوتشي، وصولاً إلى ميونخ، وفيما تعددت اتجاهاتها، تبقى عقدةُ الشأن السوري حبيسة الاتفاقات الخفية وغير المعلنة. وتبقى الأزمة حاضرةً على طاولة الاجتماعات من دون حلحلةٍ واضحةِ المعالم. يحاول القادة المعنيون الحفاظ على بريق المصافحات، وتحمل كلماتهم على هامش الاجتماعات في ظاهرها اتفاقاً على مكافحة الإرهاب ووحدة الأراضي السورية لكن لا جديد في جوهرها. ويدير هؤلاء القادة ظهورهم تاركين لمؤتمرات أستانا حلّ العقبات، في حين تلاحق أبصارهم وقائع الميدان العسكري.
الهواجس وحسم المعركة
نحو أستانا يشدُّ السوريون الرحال في إبريل (نيسان) المقبل، حيث تطمح المعارضة على مضض إلى كسب معركة الدستور الجديد تعويضاً عن خساراتها السياسية والعسكرية، في حين يُقلق الموالون للسلطة، تباطؤ الحسم العسكري في الشمال السوري ومعه إدلب، فيترقبون موعد الخروج الأميركي بفارغ الصبر، في حين تغرق دمشق في متاهات إعادة بناء المدن وترتيب البيت الداخلي مع حرصها على عدم خسارة المعركة السياسية الدولية المقبلة وعدم انتزاع أي مكسب سياسي منها، بعد تقدمها عسكرياً على الأرض.
أما مقررات مؤتمر سوتشي، فستصبح حبراً على ورق بالنسبة إلى تركيا إذا هُدد أمنها القومي من جهة حدودها الجنوبية على يد الأكراد. وتعلن تركيا تحركها العسكري الذي تستعدّ له منذ زمن، وهذا ما يشكّل أحد الهواجس السورية في ما يخص ضمان وحدة الأراضي، في حين تهيئ دمشق نفسها لكسب السباق نحو إدلب مع الشريك الروسي. أما الحليف الإيراني فلا يلتفت إلى ضربات وارسو التي تلقاها عشية مؤتمر سوتشي وهو إلى طاولة نظيريه الروسي والتركي، بعدما تلقى ضربةً موجعة في عقر داره، إثر عملية اغتيال استهدفت مقاتلين من الحرس الثوري، أقوى التشكيلات الإيرانية المسلحة.
على الضفة المقابلة، تماطل تركيا في تنفيذ الاتفاقات الضامنة لها، إلى حين سيطرة "جبهة النصرة" على كل مناطق إدلب. يقول سياسي سوري إن "سوريا لن تقبل بوجود بؤرة إرهابية، وموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير كان واضحاً بأنه لا يمكن أن يبقى هؤلاء في إدلب إلى ما لا نهاية، وحل هذا واضح حتى لو وصل الأمر إلى الحسم العسكري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأكراد والحماية من الخطر
من جهتهم، دعا الأكراد في سوريا الأوروبيين إلى عدم التخلي عنهم بعد الجهد الذي بذلوه للقضاء على تنظيم "داعش" المتطرف، بدعم لوجستي وعملياتي من قوى التحالف وأميركا. وباتوا اليوم يحاصرون المتطرفين في مساحة نصف كيلومتر مربع في قرية الباغوز السورية قرب الحدود العراقية، لكن بعد حسم هذه المعركة والانسحاب الأميركي الفعلي، يخشى الأكراد تهديدهم بتدخل عسكري تركي مباشر في شمال شرقي البلاد.
وتشدد القيادات الكردية على ضرورة إيجاد حل سريع بُعيد الانسحاب الأميركي ويرون أن المساهمة في تأسيس قوة دولية في شمال شرقي سوريا بمواجهة تركيا، تشكّل أحد أفضل السيناريوهات للحفاظ على الأرض. ودعا أحد قياديي الأكراد فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، إلى العمل على نشر قوة دولية في شمال سوريا فور انسحاب القوات الأميركية من هناك. واعتبر القيادي الكردي ألدار خليل في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أن "لتلك الدول التزامات سياسية وأخلاقية، إذا لم يفوا بها، فهم يتخلون عنا".
ترافق ذلك مع تحذير قيادي في "قوات حماية الشعب الكردي" من "قنبلة موقوتة" هي مسلحو "داعش" المحتجزون والبالغ عددهم 800، ومعهم 1500 طفل و700 زوجة، الذين يمكن أن يهربوا مع أي هجوم تركي على المنطقة الكردية شمال سوريا.
الأرض ملعب للصراعات
واستبعد محللون أتراك حدوث اشتباكات بين أنقرة والجيش السوري، معتبرين أن الحل في سوريا يستند الى الدستور الجديد، إضافة إلى ضمان حدود تركيا الجنوبية، بشكل يضمن عدم وجود مسلحين أكراد على تخومها، لكن موسكو علقت في هذا الشأن بأن انتشار الجيش السوري في كل مناطق البلاد يُعدّ ضماناً للجميع.
في المقابل، حذر سياسيون أتراك دمشق وحلفاءها من مغبة التحرك العسكري والاقتراب من إدلب. جاء ذلك على لسان مستشار الرئيس التركي للعلاقات الخارجية ياسين أقطاي، الذي صرح بأن أي هجوم عسكري على إدلب هو هجوم على تركيا، مؤكداً "لن نقف كالمتفرج لتكرار مجزرة حلب في إدلب".
وفيما تتأهب أميركا لسحب قواتها، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الذي حضر مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، أنه "غير كافٍ أن تؤمّن دول من التحالف الدولي ضد داعش المنطقة الآمنة التي يمتدّ طولها 440 كيلومتراً إلى الشرق من نهر الفرات".
وتدحرجت المشكلات العالقة من سوتشي لتستقبلها أستانا قريباً، حيث تتسع مقاعد المؤتمر لمشاركة دولتين عربيتين هما العراق ولبنان. وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لصحافيين أتراك على متن طائرة العودة من سوتشي، أن استمرار عملية أستانا بموازاة حوار جنيف برعاية الأمم المتحدة بالغ الأهمية، ولكن "لا تُعتبر أستانا بديلاً من جنيف".
وإلى حين وصول المفاوضين إلى أستانا، تبقى الكرة في ملعب روسيا وأميركا وكل اللاعبين الآخرين على الساحتين السورية والإقليمية، الذين يكتفون بمتابعة ما ستؤول إليه التطورات على أرض الشمال السوري بعد سقوط آخر معاقل "داعش".
وشهد منتجع سوتشي الروسي، أخيراً قمةً ثلاثية ضمت الرئيس التركي ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، في إطار مسار أستانة لحل الأزمة السورية سلمياً. وبحثت القمة ملفات عدة، أبرزها صياغة دستور سوري جديد، وعودة اللاجئين، والحفاظ على وقف النار في محافظة إدلب، إضافة إلى الانسحاب الأميركي المرتقب من شمال شرقي سوريا.