ترك مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في هجوم أميركي بطائرة مسيرة في العراق مطلع يناير (كانون الثاني)، فراغاً على الساحة العراقية كان لا بدّ لطهران من تعبئته، فلجأت إلى ذراعها اليمنى في المنطقة، "حزب الله" اللبناني.
فبعد فترة وجيزة من مقتل سليماني، عقد "حزب الله" اجتماعات عاجلة مع قادة فصائل عراقية مسلحة لتوحيد صفوفها في مواجهة الفراغ الذي خلّفه مقتل مرشدهم، بحسب ما قال مصدران على دراية بتلك الاجتماعات لوكالة "رويترز".
وقال المصدران إن الاجتماعات استهدفت تنسيق الجهود السياسية للفصائل المسلحة العراقية، التي غالباً ما تسودها انقسامات، والتي فقدت في هجوم الثالث من يناير كلاً من سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، الذي تولى توحيد هذه الجماعات.
وعلى الرغم من عدم تقديم المصدرين تفاصيل تذكر، إلا أن مصدرين إضافيين في تحالف إقليمي موال لإيران أكّدا دور "حزب الله"، الذي تصنّفه الولايات المتحدة منظمةً إرهابيةً، في إرشاد هذه الجماعات العراقية.
وتحدّثت كل المصادر في هذا التقرير شريطة عدم الكشف عنها، نظراً إلى تناولها أنشطةً سياسيةً حساسةً نادراً ما تمّ تناولها في العلن. ولم يرد مسؤولون في حكومتي العراق وإيران على طلبات التعليق، ولم يرد أيضاً متحدّث باسم الجماعات المسلحة.
الحفاظ على النفوذ الإيراني في العراق
وسلطت الاجتماعات الضوء على الطريقة التي تحاول بها إيران والجماعات المتحالفة معها تعزيز سيطرتها في الشرق الأوسط. وتعدّ الفصائل المسلحة المدعومة من طهران مهمة جداً لجهود إيران للحفاظ على سيطرتها على العراق، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 5000 عسكري.
وشهد هذا البلد حرباً أهليةً استمرت سنوات منذ أن أطاحت القوات الأميركية بنظام صدام حسين، ويشهد حالياً احتجاجات متصاعدة مناهضة للحكومة وللجماعات المسلحة الموالية لإيران، والتي ساعدت هذه الأخيرة في إنشاء بعضها.
وقال أحد المصدرين العراقيين إن سليماني أوغل في الأزمة العراقية في الأشهر التي سبقت اغتياله وعقد اجتماعات مع الجماعات المسلحة في بغداد، في الوقت الذي سعت طهران إلى الدفاع عن حلفائها ومصالحها في صراعها على النفوذ مع الولايات المتحدة.
ويأتي تدخل "حزب الله" في العراق في إطار توسيع الدور الإيراني في المنطقة. إذ يشكّل الحزب الشيعي الذي أسّسه الحرس الثوري عام 1982 محور الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة منذ سنوات، وساعد سليماني في تدريب الجماعات المسلحة في كل من العراق وسوريا.
وقال مسؤول إقليمي موال لإيران إن توجيه "حزب الله" لجماعات العراق المسلحة سيستمر إلى أن تتولى القيادة الجديدة في فيلق القدس التعامل مع الأزمة السياسية في بغداد.
محمد الكوثراني يتولى المهمة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما لم يتسنَ لـ "رويترز" التأكد من عدد الاجتماعات التي عقدها "حزب الله" مع الجماعات العراقية أو مكان انعقادها، قال مصدر إنها عُقدت في بيروت وقال آخر إنها عقدت إمّا في لبنان أو في إيران. ويبقى أن مصدرين قالا إن الشيخ محمد الكوثراني، ممثل "حزب الله" في العراق والذي عمل عن قرب مع سليماني لسنوات في توجيه الجماعات المسلحة العراقية، استضاف الاجتماعات.
وقال المصدران إن الكوثراني حلّ محل سليماني، ووبّخ الجماعات المسلحة مثلما فعل الأخير في أحد اجتماعاته الأخيرة لتقاعسها عن التوصّل إلى خطة موحّدة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية ضدّ الحكومة والقوات شبه العسكرية التي تهيمن عليها. إذ على الرغم من قتلها مئات المحتجين، لم تتمكن الحكومة والجماعات المسلحة من احتواء الاحتجاجات. وأضاف المصدران أن الكوثراني حثّ على تشكيل جبهة موحدة في اختيار رئيس وزراء جديد للعراق، وبعد ذلك كلّف وزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي تشكيل الحكومة، في تطوّر رحبت به إيران والأحزاب الموالية لها.
الوصول إلى مكانة القائدين السابقين، وفقاً للمصدرين العراقيين وزعيم شيعي عراقي رفيع المستوى، يبقى صعباً لكوثراني. فعلى الرغم من النظر إليه حالياً كالشخصية الأنسب لتوجيه الفصائل المسلّحة العراقية إلى حين اختيار خليفة إيراني دائم، فإنه لا يحظى بأي حال بما كان يتمتّع به سليماني من النفوذ أو بريق الشخصية.
وقال الزعيم الشيعي "الكوثراني له صلات مع الفصائل المسلحة"، مشيراً إلى أنه ولد في النجف ويعيش في العراق منذ عقود ويتحدث باللهجة العراقية. أضاف "كان سليماني يثق به واعتاد الاعتماد عليه والاتصال به لمساعدته في الأزمات وفي الاجتماعات في بغداد".
وأشار أحد المصادر العراقية المقربة من الفصائل إلى أن الكوثراني التقى أيضاً الزعيم العراقي مقتدى الصدر لإقناعه بدعم علاوي.
وأوضحت مصادر عراقية قريبة من الفصائل المسلحة أن الكوثراني سيواجه تحديات خطيرة قد لا يتغلب عليها، وقال أحدها "يرى الكثير من قادة الفصائل أنفسهم أكبر كثيراً وأهم من أن يأخذوا الأوامر... في الوقت الحالي وبسبب ضغوط من إيران فإنهم يتعاونون معه، لكني أشكّ في أن يستمر هذا ويعرف الإيرانيون ذلك".
توجيه سياسي فحسب
وقال قائد عسكري موال لإيران إن تدخل "حزب الله" سيقتصر على التوجيه السياسي، لكنه لن يصل إلى حد توفير القوة البشرية والعتاد للرد على مقتل سليماني. أضاف "الفصائل العراقية هي التي سترد على الاغتيال في العراق، وقد جهزت لذلك بانتظار ساعة الصفر... وهي ليست بحاجة لتدخل حزب الله لأنها تمتلك القوة الفائضة بالعدد والكم والخبرات القتالية والقوة النارية".
ورأى مسؤول أميركي كبير في المنطقة وزعيم سياسي عراقي أنه من الصعب السيطرة على هذه الجماعات، بينما يُنظر إلى "حزب الله" على أنه أكثر انضباطاً. فقد نما دور هذا الأخير بشكل كبير خلال السنوات الماضية، جراء قتاله في سوريا دعماً لنظام بشار الأسد وتقديمه الدعم السياسي لميليشيات الحوثيين في اليمن المتحالفة مع إيران.
ورجّح المسؤول الأميركي، الذي طلب عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالحديث علناً، أن تعتمد طهران جزئياً على نفوذ الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، الذي يحظى باحترام عميق بين حلفاء إيران في المنطقة والذي يُشرف على جهود الكوثراني. وأضاف المسؤول "أعتقد أنه من الناحية الأيديولوجية والدينية، يُعتبر شخصية جذابة للعديد من الفصائل المسلحة الشيعية العراقية".
وكان نصر الله تعهّد بالانتقام من قاتلي سليماني في كلمتين مطولتين بثهما التلفزيون. كما أعلن أن إخراج القوات الأميركية نهائياً من المنطقة سيكون هدفاً لحزبه وحلفائه. وإذا ما نجحت الفصائل العراقية المسلحة بشقّ طريقها، كما تقول المصادر القريبة منها، فإن القوات الأميركية ستكون أوّل من يغادر المنطقة.