رفض القضاة طلباً من أجل اعتراف القانون البريطاني بالزيجات الدينية فحطّموا آمال الناشطين الذين يقولون إن انتهاء الزيجات الشرعية يترك النساء في حالة من الإفلاس وغياب الدعم كلياً.
واعتبر الناشطون أن هذا الحكم المفصليّ الذي أصدرته محكمة الاستئناف يوم الجمعة الماضي، قد يتمخض عن "عواقب تمييزية بشكل كبير" بالنسبة للنساء اللواتي ينتمين إلى الأقليات ويدعم نظام زواج تقليدي بالٍ.
ونقضت محكمة الاستئناف قرار قاضٍ في محكمة الأسرة أجاز لسيّدة أن تتقدّم بطلب الحصول على نفقة من زوجها السابق مع أنهما لم يسجّلا زواجهما قانونياً. وكان المدّعي العام قد استأنف الحكم.
وكانت نسرين أخطر قد عقدت قرانها حسب الشريعة الإسلامية على محمد خان. واستمرّ زواجهما 18 عاماً ورزقا خلاله بأربعة أولاد. وأوضحت أخطر وهي محامية، 47 عاماً، أنها كانت ترغب بعقد زواج مدني في حينه مشيرةً إلى أنها اعتقدت الأمر مطروحاً لكن زوجها رفض الموضوع. وتزعم أنّ علاقتهما انتهت عندما أراد الزواج ثانيةً فانفصلا في العام 2016.
واعتبر السيد خان وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 47 عاماً أيضاً أنّه لا يدين بشيء لزوجته إذ ادّعى أن علاقتهما التي استمرت لمدة عقدين من الزمن تقريباً "لم تكن زواجاً".
لكن القاضي ويليامز من محكمة لندن العليا أصدر حكماً في يوليو (تموز) 2018 يحقّ بموجبه للسيدة أخطر أن تطالب بالنفقة. واعتبر فيه أنّ "الدليل الذي قدّمته الزوجة على ممارسة الزوج ضغوطاً عليها بقوله إنّ الإسلام يبيح تعدد الزيجات وإنها مسلمة سيئة لرفضها كلام الله يكشف عن إبتزاز عاطفي مزعج للغاية".
وأضاف القاضي أنه على الرغم من عدم إقامة أي مراسم زواج مدنية، فالمراسم الإسلامية "تضمّنت كل العلامات المميزة" للزواج إذ أُجريت في العلن، وشهد عليها شهود، وترأّسها إمامٌ، وقُطعت خلالها الوعود، كما اشتملت على التأكيد أن الزوجين أهلٌ للزواج. وأضاف أنهما " خاضا عملية" كان من المفترض أن تشمل مراسم مدنية، كما أن تلك العملية أخذت مصالح أولادهما بعين الإعتبار.
ولكن الحكم المكتوب الذي صدر عن محكمة الاستئناف يوم الجمعة الفائت تضمّن الخلاصة التي توصّل إليها ثلاثة قضاة بأنّ المصادقة قرار المحكمة العليا "سينتقص بشكل كبير من قيمة نظام تسجيل الزيجات الذي تستند إليه الكثير من الأمور في المجتمع المعاصر.. ليس صعباً على الأطراف الراغبة بالزواج قانونياً تحقيق رغبتها".
وقال رئيس المحكمة السير تيرانس إيثيرتون الذي نظر القضية مع قاضيين آخرين إن مراسم النكاح "لا تستوفي الشروط المطلوبة" في عقد الزواج. وأشار لدى قراءته قرار المحكمة "لم يتزوّج الطرفان "وفق شروط" القانون الانجليزي.. لم تجرِ المراسم في مبنى مسجّل. زِدْ على هذا، لم يجرِ إبلاغ كبير المسجّلين بالأمر، ولا أُصدرت وثيقة زواج، ولم يحضر المراسم أمين تسجيل أو أي شخص معتمد لدى الحكومة".
وأضاف رئيس المحكمة "علاوة على ذلك، فالطرفان علما بأنّ المراسم لا تحمل أية قيمة قانونية وأنّ عليهما القيام بمراسم أخرى تستوفي الشروط كي يعتبرا متزوجين بنظر القانون.. لا يمكن أن يعتمد الحكم ببطلان الزواج من عدمه، برأي المحكمة، على الأحداث المستقبلية مثل النية بعقد مراسم أخرى، أو بما إذا كان هناك أطفال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصدر المحاكم الدينية أحكاماً تفرض على المرأة البقاء مع شريكها حتى وإن كانت تعيسة معه، أو تمنعها من المطالبة بالمال أو العقارات بعد انفصالهما، حسبما يقول مقدّمو الخدمات المباشرة.
وأعرب تشارلز هايل، وهو من كبار المحامين المتمرّسين في القانون الأسري ترافع في الماضي عن سيدة أخرى طلبت الطلاق بعد زواج إسلامي، عن انتقادات للحكم الصادر يوم الجمعة. وقال إنّه قد يترك النساء اللواتي يكتفين بعقد زيجات دينية فقط من دون أي مال في حال انهيار علاقتهن بشركائهن.
وقال هايل لـ "اندبندنت " إن "الموضوع الرئيس هو استضعاف النساء ومعظمهن من المسلمات.. وسيواصل الرجال استغلال ضعف المسلمات، فيدّعون أنّهم ينوون عقد زواج مدني بعد المراسم الدينية من دون أن يفعلوا ذلك فعلياً لأنهم يعرفون أن حقوقهم محميّة خلافاً لحقوق زوجاتهم".
وأضاف المحامي "تؤمن آلاف النساء ومعظمهن من المسلمات أنّهن يعقدون زيجات قانونية في هذه البلاد كل سنة عندما يعقدن زيجة دينية فقط. والكثيرات منهنّ، وكلهن عادة مسلمات، لا يعلمن أنه بغضّ النظر عن حجم الحضور أو مدى إشهار الزواج، فهنّ في الواقع لسن متزوجات قانوناً بموجب القوانين المرعية في إنجلترا وويلز.. وهذا يعني أنّهن لا يتمتّعن بأي حقوق عند انتهاء ما يعتقدن أنه "زواجهن". لا حقّ لهنّ في أي أصول مسجّلة باسم الزوج وحده ولا أي حق بالنفقة حتى بعد 18 عاماً من الزواج، مثل حالة السيد أخطر".
وتدخّلت مجموعة "ساوثال بلاك سيسترز"، التي تدعم النساء السود ونساء الأقليات العرقيّة في القضية لإيمانها بأهميتها الكبيرة بالنسبة للمجتمع ككلّ. وقالت مديرة المنظمة براغنا باتيل "سيجبر الحكم الصادر اليوم النساء المسلمات وغيرهنّ على اللجوء إلى "المحاكم" الشرعية التي تتسببّ بالفعل بأذى كبير للنساء والأطفال، بحثاً عن حلول لمشاكلهنّ لأن النظام القضائي المدني لا يشملهنّ حالياً.. ما نراه الآن هو تلزيم العدالة في القضايا العائلية إلى أنظمة تحكيم دينية داخل المجتمعات المحلية لا تخضع لأي محاسبة وتتأثّر بالتوجّه الأصولي. ليست هذه مسألة اعتراف بالزيجات الدينية بل هي قضيّة ضمان الدولة مساواة الجميع أمام القانون".
يُذكر أن استطلاعاً للآراء أظهر عام 2017 أنّ ثلثي المسلمات المتزوجات في المملكة المتحدة تقريباً أجرينَ عقود نكاح من دون مراسم مدنيّة. وخلُصت مراجعة طلبت وزارة الداخلية البريطانية إجراءها حول تطبيق الشريعة الإٍسلامية، إلى أنّه على مسلمي المملكة المتحدة عقد زواج مدني بالإضافة إلى العقد الديني من أجل صون حقوق المرأة بموجب القانون.
وقال التقرير إن هذه الإجراءات ضروريّة من أجل التخفيف من "الممارسات التمييزية" في المجالس الشرعية. لكنه أضاف أنّ إلغاء هذه المجالس "غير ممكن" وأنّها "تلبّي حاجة في بعض المجتمعات المسلمة".
واعتبرت مريم نامازي، وهي من ناشطي مجموعة "وان لو فور أول" (قانون واحد للجميع) أنّ "قرار محكمة الاستئناف بمنع التعويضات المالية عن المسلمات من خلال اعتبار الزواج الشرعي زواجاً باطلاً، هو مهزلة عدليّة.. فالمحكمة، شأنها شأن الحكومة، غير منزعجة بتاتاً من إيلاء نساء الأقليات اهتماماً أقل من خلال جعلهن يمثلن أمام محاكم صوَريّة لا تراعي القانون وإلى أنظمة قضائية موازية قوامها دينيّ من أجل مراعاة المتطرّفين وإدارة أمور مجتمعات الأقليّات على حساب حقوق المرأة. والحكم الذي صدر اليوم سوف يعمّق التمييز ضد النساء في أوساط الأقليات".
وقالت غيتا ساهغال التي تعمل لصالح المجموعة نفسها إنّ الدراسة التي أجرتها المجموعة وجدت أنّ النقص في الزيجات المدنيّة في المجتمعات الإسلامية المحليّة يٌستغلّ من أجل توسيع رقعة نفوذ "المحاكم" الشرعية.
وأضافت " تعلق النساء في مأزق قانوني من دون أن يجدن سبيلاً للطلاق أو للزواج من جديد. نحن نؤمن بضرورة تسجيل كافة الزيجات لكننا لا نؤيّد هذا الحكم. فالحكومة التي فشلت في التصدّي للمجالس الشرعية، تهّدد الآن بإعادة النساء إليها عبر إغلاق هذا المنفذ".
وقال الناشطون لـ " اندبندنت" سابقاً إنّ البريطانيات يُجبرن على القبول بتعدّد الزيجات أو يحرمن من النفقة لأطفالهنّ بعد الانفصال بسبب غياب الحماية في الزيجات الدينيّة.
ساهمت وكالة "برس أسوسيشن" في هذا التقرير
© The Independent