لم تقتصر الخلافات بين الفلسطينيين على القضايا السياسية فحسب، بل شملت القضايا القانونية، والشرعية منها على وجه التحديد. فبدأت المشكلات القانونية مباشرة بعد سيطرة حركة "حماس" على سدّة الحكم في قطاع غزّة، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وتولت إدارة المجلس التشريعي وباشرت سنّ قوانين.
وقتها، عقد المجلس التشريعي بكتلة برلمانية واحدة، وهي "التغيير والإصلاح" التابعة لحركة "حماس"، بعدما قاطعت الكتل الأخرى جلسات المجلس التشريعي، بقرارٍ من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ما أجبر نواب "حماس" على سنّ القوانين وتعديلها من دون موافقة عباس عليها.
الوضع في الضفة الغربية لا يختلف كثيراً. إذ أُغلقت بوابات المجلس التشريعي، ولم تُعقد فيه أيّ جلسة برلمانية منذ الانقسام الفلسطيني، وأصبحت القوانين تؤخذ بقرارٍ من الرئيس عبّاس، وذلك استناداً إلى القانون الفلسطيني الذي يخوّل الرئيس بذلك في أوقات الطوارئ ولفترة محدودة.
عدم تصديق عقود الزواج
وعلى اعتبار أنّ حكومة "حماس" غير شرعية، بعدما أقالها الرئيس عبّاس عام2007، فإنّ جميع القرارات القانونية والأوراق الرسمية الصادرة عنها تعتبر باطلة، ولا تتعامل معها دول العالم، ويتوجّب تصديق المعاملات بشكلٍ رسمي من المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية.
ومن بين القضايا التي تستوجب مصادقة الحكومة عليها، موضوع الزواج والطلاق، خصوصاً للأشخاص الذين ينوون السفر خارج قطاع غزّة. فأقرّت حكومة سلام فيّاض عام 2007، قراراً لتسهيل ذلك، بتصديق نقابة المحامين على الأوراق واعتمادها لدى السلطة الفلسطينية، وبالتالي تكون جميع المعاملات التابعة للمحاكم الشرعية قانونية.
لكن أخيراً، أصدر قاضي قضاة فلسطين قراراً إدارياً ينصّ على عدم اعتماد تصديقات نقابة المحامين على جميع السندات والعقود الصادرة من المحاكم الشرعية في غزة، التي تقع ضمن اختصاصها قضايا الزواج والطلاق والميراث، وكلّ مخرجات القضاء الشرعي.
سجالات سياسية
يعلّق رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حسن الجوجو بأنّ هذا القرار باطل ولا يُعترف به البتة، وأنّ القضاء الشرعي يتبع للسلطة القضائية، وهو مستقل لا يقبل التبعية والوصاية، وأنّ هذه القرارات تمثل تعقيدات للمواطنين.
وبيّن الجوجو أنّ عدم المصادقة على مخرجات المحاكم الشرعية يأتي من باب السجالات السياسية، والتضييق على المواطنين في غزّة، بذريعة تنظيم الإجراءات والمعاملات، موضحاً أنّ الوضع في غزة لا يتحمل مزيداً من المشكلات، وأنّه في حال أُلغيَ العمل بعقود الزواج الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء يترتب على ذلك أمر جلل وخطير وأمور غير شرعية.
تداخل قانوني
يتكوّن النظام القانوني في فلسطين من القضاء النظامي، الذي يختص بأحوال القانون، وفق الدستور، وما يصدر عن المجلس التشريعي. أما القضاء الشرعيّ فيتعلّق بالزواج والطلاق والميراث وفق أصول الدين الإسلامي، وأخيراً القضاء العسكري الذي ينظر في القضايا الأمنية.
إلا أنّ هناك تداخلاً كبيراً بين الأنظمة القانونية، التي تتبع بشكلٍ أساسي للسلطة القضائية، والتي بدورها تتداخل مع السلطات الأخرى (التشريعية والتنفيذية). ورصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أنّ المحاكم العسكرية في غزّة عُرض عليها أشخاص مدنيون، ما يعد مخالفة كبيرة للقوانين.
أرقام صادمة
والزواج في غزّة يكون بالطريقة الشرعيّة التي أقرّتها الديانة الإسلامية، ولا يوجد زواج مدنيّ في الأراضي الفلسطينية، ما يعني أنّ جميع قضايا الزواج تقع ضمن اختصاص المحاكم الشرعية، التي يسري عليها قرار قاضي قضاة فلسطين، بإيقاف مصادقة معاملاتها في غزّة.
وتبين لـ "اندبندنت عربية" أنّه عام 2018، تمّ تسجيل حوالى 15 ألف حالة زواج، مقابل أكثر من 3 آلاف حالة طلاق. وفي مجموع حالات الزواج، منذ تولي "حماس" سدّة الحكم، فإنّه تمّ تسجيل 195 ألف عقد زواج، فيما بلغت حالات الطلاق 32 ألف حالة.
ما يعني أنّ جميع معاملات الزواج والطلاق مهدّدة بأنّ تكون غير قانونية ولاغية، في حال لم يتمّ التراجع عن قرار قاضي القضاة، ولا يقتصر ذلك على قضايا الأحوال الاجتماعية، بل يشمل قضايا الميراث وقضايا النفقة ورعاية الأبناء وكلّ تفاصيل اختصاص المحاكم الشرعية أيضاً.
قوانين بالجملة
يقول رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمّار دويك إنّ ذلك يأتي نتيجة سوء الأوضاع القانونية في فلسطين. ففي قطاع غزّة يسنّ ويعدل المجلس التشريعي قوانين، من دون إجماع من الكتل البرلمانية ومن دون موافقة الرئيس عبّاس.
ويوضح دويك أنّ القوانين في غزّة تعمل على تعميق الانقسام، وهي غير قانونية وغير دستورية، وغير مكتملة الميثاق، ولا بد أنّ يصادق عليها المجلس التشريعي في أوّل جلسة يعقدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير دويك إلى أنّ حوالى 60 قانوناً جديداً صدرت عن المجلس التشريعي في قطاع غزّة، لكن معلومات لـ "اندبندنت عربية" تشير إلى أنّ 140 قانوناً أصدره المجلس التشريعي منذ تولي "حماس" سدّة الحكم، ولم تتمّ المصادقة عليها.
ومن الجدير بالذكر أنّ المحكمة الدستورية العليا، والتي أنشأها الرئيس عبّاس، اتخذت في ديسمبر (كانون الأوّل) الماضي، قراراً يقضي بحلّ المجلس التشريعي، الذي كان معطّلاً قبل حلّه في الضفة الغربية منذ عام 2007، ويعمل بكتلة برلمانية واحدة تابعة لـ "حماس" في غزّة.
وعن الأوضاع القانونية في الضفة الغربية، يقول دويك إنّ الرئاسة والحكومة الفلسطينية توسّعتا خلال الفترة الماضية في إصدار قرارات بمرسوم رئاسي، وهناك قوانين لم تعرض على جهة رسمية، ولم يتم التطرق إليها بتاتاً، وغير منشورة في مجلة الوقائع الرسمية، وفق نصوص القانون الفلسطيني. ويبين أنّ عدداً من القوانين الرئاسية التي صدرت جاءت لاعتبارات شخصية.
ورصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (أعلى منظمة حقوقية في فلسطين) أنّ الرئيس عبّاس اتخذ ما يزيد على 240 قراراً بقانون منذ بداية الانقسام، منها 41 قراراً عام 2018 من دون مشاورات، أيّ بمعدل قرار في كل تسعة أيّام.