ينقسم السوريون المهجّرون إلى دول الجوار بين قرار عودتهم من عدمها بعد أن خفت أزيز الرصاص وأُسدل الستار على آخر المعارك في أكبر مدن الشمال السوري، حلب، وثاني أكبر المدن السورية، إبان بسط قوات النظام سيطرتها المطلقة على الأحياء الغربية والريف الغربي والجنوبي.
الطريق السريع
انكفاء المعارضة المسلحة نحو قرى "دارة عزة"، القريبة من مناطق تقع خارج سيطرة النظام وتُحكِم تركيا قبضتها عليها، بالتوازي مع فتح الطريق بين حلب ودمشق مكّن السلطة من استعادة مطار حلب المتوقف منذ اندلاع الحرب، إذ سيشهد يوم الأربعاء 19 فبراير (شباط) الحالي، على الرحلة الأولى له إلى العاصمة السورية مع حديث عن رحلة إلى القاهرة، بحسب ما أعلن وزير النقل السوري علي حمود.
ومع سيطرة النظام على الطريق الدولي بين العاصمة وحلب، إضافةً إلى القرى المطلّة والمشرفة عليها ومن بينها الريف الجنوبي لإدلب وإحكام سيطرته على عدد كبير من القرى تفوق الـ 30 "بسرعة البرق"، بات الحديث عن عودة اللاجئين السوريين في دول الجوار (لبنان والأردن وتركيا) مشجعاً.
وأفاد مصدر أهلي في مدينة حلب بأن "هذه القرى باتت آمنة بالكامل ويمكن للمهجرين داخل سوريا وخارجها، الموالين منهم، العودة إلى بيوتهم". وأضاف "تشهد المدينة احتفالات عمّت أحياءها الغربية، بخاصة بعد إطباق الجيش السوري على قرى مطلّة عليها، إذ تخلص الأهالي من استهدافهم بشكل يومي ومتقطع بوابل من نيران القذائف التي أودت بحياة آلاف المدنيين خلال الحرب".
في المقابل، ومع كل هذا التقدم المتسارع للسلطة في الشمال، يرى ناشطون معارضون ما يحدث على أنه خسارة فادحة لحقت بمشروعهم الثوري لإسقاط النظام الحاكم عبر انتفاضة شعبية بدأت شرارتها عام 2011 وامتدت لأكثر من تسع سنوات.
الهجرة القسرية
في غضون ذلك، تشهد معابر الدبوسية وجديدة يابوس الحدودية مع لبنان ومعبر نصيب المشترك مع الأردن عودة يومية لسوريين، إلاّ أنّه من المتوقع أن تزداد تلك الحركة بشكل كثيف بعد استقرار أكبر مدن الشمال السوري، إضافةً إلى قرى واسعة في الريف الغربي.
ويشوب التفاؤل بالعودة كثير من القلق، نظراً إلى وجود عددٍ كبيرٍ من البيوت المهدمة التي تحتاج إلى ملايين الليرات السورية لإعادة بنائها من جديد في ظل قلة المواد الأساسية لذلك وارتفاع أسعارها.
ولم يتوانَ مهجرون معارضون عن الامتناع عن العودة. وقال الناشط الحقوقي رضوان العلي، أحد العاملين في المجال الإغاثي في شمال سوريا، إن "ملايين السوريين الهاربين من المعارك يخشون العودة خوفاً من الاعتقال والسجن"، مرجّحاً عدم عودة نسبة كبيرة من اللاجئين إلى قرى إدلب وحلب بعدما استعاد النظام سيطرته عليها. وأضاف أن "نسبة كبيرة منهم لا تود الدخول في متاهات الاعتقال من دون محاكمات حقيقية، ولن يعود إلى وطنه إلاّ مَن يتأكد وبشكل قاطع وجازم أن صفحته بيضاء، أي لا مشاكل أمنية عليه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضمانات آمنة
ونبّه العلي إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي لدراسة أوضاع اللاجئين في دول الجوار والضغط لاتخاذ إجراءات والحصول على ضمانات من قوى النظام لتمكن السوريين من العودة، وإلاّ لن تجدي كل محاولات دفعهم إليها نفعاً.
في غضون ذلك، يعاني لبنان الذي استقبل أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الأحداث، ظروفاً صعبة نتيجة الزيادة السكانية الهائلة في بلد تعداده السكاني أربع ملايين نسمة، لكنه يشهد أخيراً حركة عودة تتزايد تدريجاً باتجاه سوريا، لمئات اللاجئين، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
أوروبا ودول اللجوء
ويعتبر متابعون لشؤون الهجرة أنه لدى الدول الأوروبية رغبة في الإبقاء على الوضع الحالي للنازحين، عبر تقديم الإغراءات السخية والدعم المالي إلى لبنان "لتحاشي موجة نزوح جديدة، في حال لم يعودوا إلى بلدهم".
وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار يفوق خمسة ملايين ونصف مليون شخص.