واجه المحتجون العراقيون منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، أشكالاً مختلفة من الأسلحة التي استُخدمت لقمعهم ومنعهم من التظاهر، إلاّ أنّ سلاحاً جديداً دخل على خط المواجهة، وهو بنادق الصيد، التي خلّفت عدداً كبيراً من المصابين، إضافةً إلى المقلاع والرصاص الحي.
وبينما عبّر ناشطون عن استيائهم من استخدام السلطة كل تلك الوسائل لفض الاعتصامات، أكدوا أنهم مستمرون حتى تحقيق كل مطالبهم.
"توقفوا عن اصطيادنا"
واستخدم الناشطون "تويتر" للتعبير عن احتجاجهم على استخدام بنادق الصيد لقمع الحراك بهاشتاغ حمل عنوان "توقفوا عن اصطيادنا"، ونشروا صوراً تظهر إصابات في أجساد المحتجين، منها خطيرة، نتيجة استعمال تلك البنادق.
ولعل أبرز ما تبرّر به السلطات العراقية قمعها المحتجين، هو ذريعة "خرق السلمية" التي لم تجد لها أصداء لا في أوساط المتظاهرين ولا المنظمات الدولية.
ويعلّل مراقبون "استخدام السلطات كل تلك الوسائل غير المشروعة في إطار حصر الاحتجاجات قبيل طرح تشكيلة علاوي الوزارية على مجلس النواب، لحماية التصويت من أي اعتراضات".
وتبدو المقاربة بين ما يجري الآن وما جرى في سياق التكليف منطقية، بحسب مراقبين، إذ يرون أن القوات الأمنية وبعض الجهات السياسية ستدفع أنصارها إلى حماية التصويت على التشكيلة الوزارية من أي اعتراضات عبر زيادة القمع في الساحات".
تعدد أشكال القمع
ووثّقت صور ومقاطع فيديو إطلاق القوات الأمنية الحجارة باستخدام المقلاع على المتظاهرين، وفيما تنفي السلطات الرسمية أن تكون قواتها استعملت بنادق الصيد، وثّقت الصور عدداً من الجرحى الذين أُصيبوا بتلك الخراطيش، فضلاً عن صور يقول ناشطون إنها لقوات أمنية تحمل هذه البنادق.
وكانت قيادة عمليات بغداد قد أصدرت بياناً قالت فيه إن "العشرات من أفراد الأمن أُصيبوا، الثلاثاء 18 فبراير (شباط) ببنادق صيد"، متهمة "مجموعات وسط التظاهرات باستخدامها".
وفيما أكدت أنها مستمرة بـ"التدابير الاستخبارية لملاحقة المعتدين واعتقالهم، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم"، اعتبر ناشطون أنها محاولة للتنصّل من مسؤولية الاعتداءات المتكررة على المحتجين.
إدانة دولية
وبعد استمرار استهداف المتظاهرين على مدى أسابيع في عدد من المحافظات، دانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، الاثنين 17 فبراير، استخدام بنادق الصيد ضد المحتجين السلميين في بغداد، ودعت الحكومة إلى ضمان سلامة المواطنين.
وقالت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" إن "تقارير موثّقة تلقتها عن استهداف المحتجين ببنادق الصيد والحجارة والزجاجات الحارقة مساء 14 و15 و16 فبراير، ما أدى إلى إصابة 50 شخصاً على الأقل".
وأضاف البيان أن "150 شخصاً على الأقل أُصيبوا في كربلاء في يناير بسبب استخدام أساليب مشابهة".
وختمت قائلة إن "النمط المستمر لاستخدام القوة المفرطة، مع وجود جماعات مسلحة ذات هوية غامضة وولاءات غير واضحة، هو مصدر قلق أمني خطير يجب معالجته بشكل عاجل وحاسم".
باقون حتى استعادة الوطن
في هذا الشأن، قال أحد الناشطين المصابين بخراطيش الصيد، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن "عناصر الأمن بدأت باستخدام بنادق الصيد منذ حوالى شهر، في محافظات عدّة من ضمنها بغداد، لكنها تفاقمت في الفترة الأخيرة".
وأضاف "أُصبتُ أثناء محاولتي إسعاف الجرحى في مناطق التماس مع القوات الأمنية، بعد إطلاقها الرصاص الحي وقنابل الغاز على المحتجين في ساحة الوثبة"، موضحاً أنّ "الإصابة في منطقة الظهر وأدت إلى تضرّر العضلات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن المخاوف من رفع دعاوى قضائية، لفت إلى أن "هناك مخاوف عدّة تمنعنا من الذهاب إلى الجهات الرسمية، فالقضاء قد يعتبرك مواطناً غير سلمي لوجودك في مناطق التماس. بالتالي، سيكون القانون ضدنا". وتابع "نحن سلميون ولم نتعرض للقوات الأمنية، لكن تلك القوات هي التي تحاول الاقتحام وتتسبّب بالقمع ثم تعود لتتّهم المحتجين بأنهم غير سلميين".
وبينما كشف عن تعرّضه لخمس إصابات منذ انطلاق التظاهرات، آخرها الإصابة ببنادق الصيد، أكد "لن يثنينا القناص ولا يمكن أن تعيدنا تلك الخراطيش، باقون حتى استعادة الوطن الذي خرجنا من أجله".
وعبّر عن شعوره بـ"الخذلان من موقف الأمم المتحدة التي كان يفترض أن تتدخل منذ انطلاق الاحتجاجات"، قائلاً "اتهامنا باستخدام تلك البنادق أمر مضحك، إذ توثّق الصور استخدام الجهات الحكومية لها".
"إصرار حكومي على العنف"
في السياق ذاته، أكد عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي، أنه "من خلال الرصد، لاحظنا في الأسابيع الأخيرة استخدام القوات الأمنية بنادق الصيد والكرات الحديدية".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "تلك الإطلاقات استُعملت أيضاً من قبل مجموعات تقف ضد تلك العناصر الأمنية، لكن الإصابات ضمن المتظاهرين أكبر"، مبيّناً أن "هذا الاستهداف منافٍ لمعايير حقوق الإنسان والآليات الدولية المعتمدة في التعامل مع أي تظاهرة سلمية".
وكشف عن حصول "حالات وفاة نتيجة استخدام تلك البنادق باستهداف المناطق العليا من الجسم على الرغم من كل المطالبات بالحد من ذلك"، لافتاً إلى أن "الجهات الحكومية مصرّة على اللجوء إلى أساليب مختلفة للعنف ضد المتظاهرين".
وتابع "هناك عدم اهتمام بحقوق الإنسان من قبل الجهات الرسمية التي تبرّر العنف بأنّه رد على عنف المحتجين، لكنّ الإحصاءات تفيد بأن عدد قتلى التظاهرات وصل إلى نحو 545، من بينهم 17 عنصراً أمنياً فقط".
وأشار إلى أن "الدليل على سلمية التظاهرات هو أن القوات الأمنية اعتقلت ما يقارب الثلاثة آلاف مواطن، أطلقت سراحهم وأبقت على 40 فقط، وهذه دلالة على السلمية"، لافتاً إلى "إقرار الحكومة بأنها ستتعامل مع ضحايا التظاهرات عن طريق مؤسسة الشهداء وقانون تعويض ضحايا الإرهاب".
جائزة "أفضل سلطة قمعية"
"هذه السلطة الرثة يجب أن تُخصّص لها جائزة كأفضل سلطة باستخدام الأساليب القمعية بعدما خرقت كل المواثيق الدولية وحتى الإنسانية بالتعامل مع المحتجين"، بحسب الناشط عمار الربيعي، الذي أوضح أن "هذه السلطة تبتكر يومياً وسائل جديدة للقمع الوحشي، متصورةً أن ذلك يمكّنها من إنهاء الاحتجاجات"، مستدركاً "لا تعي هذه الطبقة السياسية النتائج الكارثية لعودة المحتجين منكسرين من دون تحقيق أهدافهم".
أما الناشط ميمون الحسني، فرأى أن "السلطة استخدمت كل أساليب القمع الوحشية مع المحتجين منذ مطلع أكتوبر لغاية الآن، في محاولة لفض التظاهرات، مضيفاً "آخر ما توصّلوا إليه هو أسلحة الصيد وهي بدقة عالية وإصاباتها مؤذية جداً، فضلاً عن نوع آخر من الذخيرة يُسمى بالانفلاقي". وأوضح أنّ "معظم الإصابات كانت فوق العين وأدت إلى فقدان بصر أحد الشبان الثائرين".
وبينما عبّر عن استيائه من استخدام السلطة لكل "الوسائل الوحشية في التصدي للاحتجاجات"، قال "لم نعد نستبعد أن تلجأ السلطة إلى الأسلحة الكيماوية في ما لو تمكنت، من أجل فض الاعتصامات وإنهاء الانتفاضة".
وتابع "محاولات السلطة استعمال العنف والتسويف والمماطلة تزيدنا ثباتاً وعناداً ونشعر ألاّ مستقبل لنا في ظل سلطة كهذه".
إحصائية حرب
في السياق ذاته، قال الكاتب والناشط علي الميّاح إن "السلطة لم تدخر أي جهد لقتل المحتجين بدءًا من استخدام بنادق القنص، مروراً بقنابل الغاز الموجهة على الرؤوس، وصولاً إلى بنادق الصيد في الآونة الأخيرة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "السلطة تريد إنهاء الاحتجاج بأي وسيلة، لكنها تريد ذلك بأقل عدد من الفضائح، ويبدو أن بنادق الصيد مناسبة لهذا الغرض على الرغم من كل إدانات المنظمات الدولية".
وتابع "لم يكن هناك أي خرق للسلمية حين استخدمت بنادق القنص وباقي الوسائل القمعية التي قتلت الشباب".
وأشار إلى أن "السلطة بعدما أدركت أن أكثر الأطراف دعوة إلى التمسك بالسلمية هي ساحات الاحتجاج، تحاول سحبها إلى منطقة يُعاد فيها تعريف السلمية بحسب مقاساتها وبما يناسب حجم العنف المستخدم ضد المحتجين، فأصبح مثلاً العبور إلى الخضراء فعلاً غير سلمي على الرغم من أنها أرض عراقية يكفل الدستور ممارسة أي فعل احتجاجي على ترابها".
ولفت إلى أن "25 ألفاً بين قتيل وجريح عدد يقترب من كونه إحصاء حرب، ولا يمكن تصور أنه إحصاء لمجرد سوء تعامل الأجهزة الأمنية مع حركة احتجاج في دولة تدّعي أنها ديمقراطية"، مبيّناً أنّ "هذه الأرقام تؤشر بوضوح إلى أن هذا النظام تسلّطي بلا كوابح توقف أجهزته القمعية، وبسبب ذلك قد تستحيل عملية إصلاحه".
قوات "حزبية"
وقال الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي إن "كل سلاح يُستخدم ويلحق الأذى هو محرّم وفق القانون الدولي"، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن "استخدام القمع بهذا الأسلوب بذريعة أنه يلحق أذى محدوداً هو التفاف على القانون".
وتابع أن "إحدى الإشكاليات الرئيسة هي سماح القوات الأمنية بدخول قوات غير نظامية وعناصر متحزبة لقمع المحتجين، والتي تستخدم تلك الاساليب القمعية"، مشيراً إلى أنه "وفق المعطيات الحالية، فإنّ الأمم المتحدة تدرس خيار التدويل بعد مطالبات عدّة".
ولفت إلى أنّ "القوى السياسية تحاول حماية التصويت على حكومة علاوي من خلال القمع، وكتلتا الفتح وسائرون تحاولان الرهان على الوقت وزجّ أتباعهم لاختراق الساحات"، مبيّناً أن "كل المؤشرات تؤكد اعتراض الأمم المتحدة وأميركا. وأعتقد أنه إذا لم تمر هذه الحكومة وهذا مرجّح، فإنّ الخيار الآخر سيكون الذهاب صوب حكومة إنقاذ وطني بإشراف أممي".
تهيئة لإعلان الحكومة
أما الكاتب والصحافي حيدر البدري، فاعتبر أن استخدام بنادق الصيد "محاولة لإبعاد المتظاهرين عن ساحات الاحتجاج والتهيئة لإعلان الحكومة".
وأضاف "بالتزامن مع استخدام بنادق الصيد، تدور أحداث داخل الساحات هدفها إنهاء الاعتصام، مثل إحراق بعض الخيم ليلاً".
وتابع "هذه الأحداث خلقت الفجوة بين المحتجين وحكومة علاوي قبل التصويت عليها، وستبقى مرفوضة"، معبراً عن اعتقاده بأن "الاحتجاجات ستعود بشكل أكثر قوة قريباً".