نبّهت دراسة أميركية صدرت أخيراً إلى أن الضغط الهائل الناجم عن أزمة تغيّر المناخ، قد يسبّب حدوث ركودٍ اقتصادي "لم يسبق له مثيل من قبل".
ولاحظ البحث الذي أعدّته "جامعة كاليفورنيا" أن الزيادة في انتشار الطقس القاسي، إن لجهة جلب موجات حرّ قاتلة أو عواصف شديدة، أو لناحية التسبّب في حرائق غابات وفيضانات، لا يُجرى تفسيرها بشكل كافٍ في معظم الأسواق المالية، ما يزيد من احتمال حدوث تصحيح مفاجئ في هذه الأسواق عندما تنشأ مشكلات ذات طابع خطير.
ورأى بول غريفين، أستاذ المحاسبة في "كلية الدراسات العليا في الإدارة التابعة لجامعة كاليفورنيا ديفيس" أنه "إذا لم تقم السوق بعمل أفضل في مجال المحاسبة المتعلّقة بالمناخ، فقد نشهد ركوداً من النوع الذي لم نره من قبل."
وأشارت الدراسة إلى أن هناك مقداراً كبيراً من "المخاطر التي لا تُقدّر بثمن" في سوق الطاقة، الأمر الذي يشكّل فشلاً في مراعاة العوامل التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على القيمة المستقبلية للأعمال. ويُعزى السبب في ذلك في الولايات المتحدة إلى تعرّض عمليات تكرير النفط على ساحل الخليج الجنوبي المحاذي لخليج المكسيك، لخطر العواصف وارتفاع منسوب سطح البحر، فيما تتعرّض مصافي النفط الأخرى على الناحية الغربية للبلاد في شمال كاليفورنيا لفيضانات ساحلية.
وفيما أشارت الدراسة إلى أنه يمكن الحدّ من التعرّض لمثل هذه المخاطر من خلال الحصول على عقود تأمين مناسبة، لفتت أيضاّ إلى أنه مع تزايد المخاطر المختلفة الناجمة عن انهيار مناخي سريع، فإنه ليس من الواضح أن تكون لدى شركات التأمين قدرة على سدّ هذه الفجوة.
وأوضح البروفيسور غريفين أن "المخاطر غير المسعّرة في بوالص التأمين، كانت السبب الرئيسي في الركود الكبير الذي حصل في العالم خلال العامين 2007 و2008. وقال إن "شركات الطاقة تتحمّل الكثير من هذا الخطر الآن. وتحتاج السوق إلى تقييم أفضل للمخاطر، وإلى معالجة مخاطر الطقس الشديد على أسعار البورصة وأسواق الأوراق المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البحث الذي أجرته "جامعة كاليفورنيا" ربط بين درجات الحرارة العالية المفرطة، كتلك التي شهدتها الولايات المتّحدة والقارة الأوروبية في صيف العام 2019، ومجموعةٍ من الآثار الاقتصادية. وحذّر من أنه يمكن أن تكون موجات الحرارة هذه قاتلة، ففي استطاعتها تعطيل الزراعة كما يمكنها أن تلحق الضرر بصحة الإنسان وأن تعيق النمو الاقتصادي.
ويمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أن تعطّل أجزاء واسعة من البنية التحتية الحيوية للطاقة ما قد يؤدّي إلى إغلاقها. وهناك مثال سابق على ذلك في شمال ولاية كاليفورنيا، عندما أوقفت شركةPacific Gas & Electric إمدادات الطاقة خلال الحرائق، والخوف من الطقس الذي قد يتسبّب في نشوب حريق في منشآتها. وتُوجد البنية التحتية لشركات الطاقة غالباً في المناطق القاحلة، ما يزيد من خطر تعرّضها لأضرار كالتدمير الناجم عن حرائق الغابات في كاليفورنيا.
وأكّدت الدراسة أن أعمال توصيل المياه وطرقات النقل والخدمات، مهدّدة هي كذلك بالطقس القاسي الذي يمكن أن يؤثّر بعد ذلك على شركاتٍ وعائلات ومدن ومناطق بأكملها، ربما بشكل دائم في بعض الأحيان. ورأت أن جميع هذه العوامل ترهق الاقتصادات المحلية وتنعكس في ما بعد على نطاق اقتصادي أوسع.
ولاحظ البروفيسور غريفين أنه "على الرغم من هذه المخاطر الواضحة، فإن المستثمرين ومديري الأصول كانوا بطيئين بشكل واضح، في ربط المخاطر المادّية للمناخ بتقييمات السوق للشركات". وقال إن "فقدان الممتلكات هو ما يستحوذ على جميع العناوين، لكن كيف تتعامل الشركات؟ إن التهديدات لأعمال الشركات قد تعطّل النظام الاقتصادي برمّته."
وإضافةً إلى عدم اليقين في ما يتعلّق بمستوى التغطية الذي يمكن أن تقدّمه شركات التأمين، يرى أستاذ المحاسبة في "كلية الدراسات العليا في الإدارة التابعة لجامعة كاليفورنيا ديفيس"، أن "الدعاوى القضائية والعقوبات وحتى فقدان الأعمال التجارية في الممتلكات التي تتعرّض للتعطيل، ينبغي اعتبارها أيضاً مخاطر مرتبطة بتغيّر المناخ."
وأشار إلى أن "مخاطر المقاضاة في مجال المناخ التي تمّ تسعيرها فعلاً في إطار مخزونات الطاقة ستكون غير كافية". وأضاف أنه "فيما يمكن لنماذج المخاطر المناخية الخاصّة أن تساعد بعض الشركات والمؤسّسات على فهم أفضل للظروف المستقبلية التي قد تُعزى إلى تغيّر المناخ، إلا أن مخاطر الطقس القاسي لا تزال تمثّل مشكلةً كبيرة من وجهة نظر تقديرية."
وأوضح أخيراً أنه "بسبب تغيّر المناخ، فإن أنماط الماضي لم تعد دليلاً على المستقبل، سواء كان ذلك لمدة سنة أو خمس سنوات أو حتى عشرين سنة. ويمكن للمستثمرين أيضاً تطبيع تأثيرات الطقس القاسي مع مرور الوقت، ما يقلّل من أهميتها المستقبلية."
دراسة "جامعة كاليفورنيا" التي وُضع له عنوان: "تمويل الطاقة يجب أن يأخذ في الاعتبار مخاطر الطقس القاسي"، تمّ نشرها في المجلّة الإلكترونية Nature Energy.
© The Independent