توصل تقرير تاريخي صادر عن منظمة الصحة العالمية إلى أن كل بلدان العالم تفشل في حماية صحة الأطفال وبيئتهم ومستقبلهم.
هذه النتائج السيئة تكشف الستار عن عالم يزداد هشاشة حيث تقوم الصناعة الجامحة للتو بتخريب حياة الأجيال الشابة.
وقال التقرير، المستند إلى لجنة تضم أكثر من 40 من خبراء صحة الأطفال والمراهقين من جميع أنحاء العالم، إن كل طفل موجود على وجه الأرض أصبح الآن "تحت تهديد فوري من التدهور البيئي والتغير المناخي وممارسات التسويق الاستغلالية التي تدفع بالوجبات السريعة عالية التصنيع والمشروبات السكرية والكحول والتبغ أمام الأطفال."
وقالت هيلين كلارك، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والرئيسة المشاركة للجنة: "على الرغم من التحسن في صحة الأطفال والمراهقين على مدار العشرين عاماً الماضية، فقد توقف التقدم، وهو في طريقه للتراجع."
قام التقرير، الذي أعدته منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ولجنة لانسيت التابعة للتحالف العالمي للصحة والتلوث، بتصنيف 180 دولة على أساس الشروط التي توفرها للأطفال كي "يزدهروا ويبقوا على قيد الحياة."
تمكنت المملكة المتحدة بشق الأنفس أن تكون ضمن البلدان العشر الأولى في قائمة أفضل البلدان من حيث صحة الأطفال ورفاهيتهم بشكل عام، آتية خلف النرويج، التي احتلت المرتبة الأولى وكوريا الجنوبية وهولندا وفرنسا.
كانت المملكة المتحدة قبل السويد وألمانيا وسويسرا. وعلى الرغم من ثروة الولايات المتحدة، فقد كان أداؤها سيئاً في التصنيف العالمي، حيث احتلت المرتبة التاسعة والثلاثين بين أفضل البلدان للأطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال التقرير إنه على الرغم من أن البلدان الأكثر ثراءً تتمتع بشكل عام بنتائج أفضل في مجال صحة الأطفال ونموهم، فإنها على وجه الخصوص "التي تهدد مستقبل جميع الأطفال من خلال تلوث الكربون، وبالطبع تتسبب في التغير المناخي والكوارث البيئية الجامحة".
وعندما أخذ المؤلفون نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاعتبار، فإن التصنيف العالمي جاء مختلفاً تماماً. احتلت النرويج المرتبة 156، وجمهورية كوريا المرتبة 166 ، وهولندا 160. حيث يُنتج كل فرد في هذه البلدان 210 في المئة من ثاني أكسيد الكربون أكثر من الهدف الذي تسعى إلى الوصول إليه بحلول عام 2030. احتلت المملكة المتحدة المرتبة 136 في هذا التصنيف.
في حين كانت الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة العربية السعودية من بين أسوأ 10 دول من حيث الانبعاثات.
وقالت السيدة كلارك: "تشير التقديرات إلى أن حوالي 250 مليون طفل دون سن الخامسة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل معرضون لخطر عدم حصولهم على الإمكانات الخاصة بنموهم، بناءً على المعايير البديلة للتقزم والفقر. لكن الأمر المقلق أكثر هو أن كل طفل في جميع أنحاء العالم يواجه الآن تهديدات وجودية بسب التغير المناخي والضغوط التجارية".
وقال مؤلفو التقرير: "يجب على الحكومات أن تسخّر التحالفات عبر القطاعات للتغلب على الضغوط البيئية والتجارية لضمان حصول الأطفال على حقوقهم ومستحقاتهم الآن وعلى كوكب صالح للعيش في السنوات المقبلة".
يذكر أن المستويات المتزايدة لشركات التسويق التي تتوجه إلى الشباب تعد مصدر قلق خاص.
ويحذر التقرير من أن الدلائل تشير إلى أن الأطفال في بعض البلدان يشاهدون ما يصل إلى 30 ألف إعلان عبر التلفزيون فقط خلال عام واحد.
وقال المؤلفون إن التعرض لـ"التسويق الاستغلالي" للوجبات السريعة غير الصحية والمشروبات السكرية يرتبط ارتباطاً مباشراً بشراء الأطعمة والمشروبات غير الصحية، الأمر الذي أدى إلى تأجيج المشكلات الصحية بما في ذلك "الزيادة المفزعة في بدانة الأطفال."
وقد ارتفع عدد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من البدانة المفرطة في جميع أنحاء العالم من 11 مليون طفل في عام 1975 إلى 124 مليون في عام 2016 - بزيادة 11 ضعفاً، الأمر الذي يترافق بتكاليف فادحة على المستوى الفردي والمجتمعي.
ووصف الدكتور تيدروس أدهانوم غبريسيس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية التقرير بأنه "دعوة للتنبّه".
قائلاً: "يوضح هذا التقرير أن صناع القرار في العالم، في كثير من الأحيان، يخذلون أطفال وشباب اليوم: يخذلونهم في حماية صحتهم، ويخذلونهم في حماية حقوقهم ، ويخذلونهم في حماية كوكبهم. يجب أن يكون هذا التقرير دعوة لتنبيه الدول كي تستثمر في صحة الأطفال ونموهم، وضمان سماع أصواتهم، وحماية حقوقهم، وبناء مستقبل مناسب للأطفال."
ويدعو مؤلفو اللجنة المستقلة من أجل حماية الأطفال إلى حركة عالمية جديدة يقودها الأطفال وتصب في مصلحتهم. وتشمل التوصيات المحددة ما يلي:
1- وقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأقصى سرعة، لضمان أن يكون للأطفال مستقبل على هذا الكوكب.
2- وضع الأطفال والمراهقين في قلب جهودنا لتحقيق التنمية المستدامة.
3- أن تعمل السياسات الجديدة والاستثمار في جميع القطاعات من أجل صحة الطفل وحقوقه.
4- تضمين أصوات الأطفال في القرارات السياسية.
5- تشديد قبضة التنظيم الوطني على التسويق التجاري الضار، بدعم من بروتوكول اختياري جديد لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
وقال الدكتور ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجموعة مجلات ذا لانسيت: "الفرصة رائعة. الأدلة متوفرة. الأدوات في متناول اليد. من رؤساء الدول إلى الحكومات المحلية، ومن قادة الأمم المتحدة إلى الأطفال أنفسهم، تدعو هذه اللجنة إلى ولادة حقبة جديدة لصحة الأطفال والمراهقين. سيحتاج الأمر شجاعة والتزاماً كي يتحقق. إنه الاختبار الأعظم لجيلنا."
وقالت هنريتا فور، المديرة التنفيذية ليونيسيف: "من الأزمة المناخية إلى البدانة والتسويق التجاري الضار، يتعين على الأطفال في جميع أنحاء العالم أن يواجهوا تهديدات لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة أجيال فقط. لقد حان الوقت لإعادة النظر في صحة الطفل، وتقديم واحدة تضع الأطفال على رأس جدول أعمال التنمية لكل حكومة وتضع رفاهيتهم فوق كل الاعتبارات."
© The Independent