"لا نريد إلاّ قبراً في دنيتنا"، بهذه العبارة تبدأ خديجة (56 عاماً) روايتها عن مأساة العيش في بيوت القصدير، والبحث عن سقف يحميها مع أسرتها. وتقول مَن أقامت في الخوف والبرد شتاء والحر صيفاً لنحو 30 عاماً، "لم أعش حياة أسرية عادية ولو ليوم واحد، كبرت وزوجي ونحن نصارع، وسبب معاناتنا أناس انتخبناهم ووثقنا في أن يغيروا واقعنا".
تتوقف خديجة التي تعاني من مرض الربو عن الكلام. تتابع ابنتها منال (26 عاماً)، قائلةً إنّ "أكثر ما يؤلمني هو رؤية أمي تتخبّط باحثة عن هواء نظيف، نحن نعيش وسط حقل ملغم بالأمراض".
تضيف الابنة "درسنا في القانون أنّ المأوى من الحقوق والبديهيات، فيما في واقعنا أمنية وحلم صعبا المنال. وتسأل عن "ماهية الحياة خارج هذه الأسوار" وعن "شعور العيش في بيت حقيقي، عادي، آمن، إذ لم أعرف الحياة هذه". ولا تخفي أنها "حين كنات طفلة، "لطالما استحيتُ من مكان إقامتي، لكني اليوم فخورة بنفسي أنني تابعتُ دراستي على الرغم من هذا البؤس الذي أعيش فيه وأسرتي منذ ثلاثة عقود".
أزمة خانقة... وحرق أجساد
تُعتبر البيوت القصديرية، بالنسبة إلى من يقيم فيها، حلاً بديلاً من التشرد. ويلجأ إليها من لا يجد أمامه إلاّ "قبور الحياة". فقد تسبب الانفجار السكاني في المدن الكبيرة، خصوصاً العاصمة، بأزمة سكن خانقة تتخبّط فيها البلاد منذ عقود.
ويظهر الانفجار السكاني في الأحياء الشعبية، حيث تتشارك أسر عدّة الإقامة في منزل واحد، لتغدو تلك المنازل "علب السردين" كما تُسمى. أما أبرز الأزمات الناتجة من ذلك، فهي ظاهرة الطلاق بسبب إخفاق رب الأسرة في تأمين إقامة مستقلة في منزل خاص. وكشفت أرقام رسمية عن ارتفاع معدل الطلاق في الأعوام الخمسة الماضية، لتبلغ نحو 68 ألف حالة سنوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما انتشرت في البلاد خلال السنوات الماضية ظاهرة الانتحار بسبب الأزمة السكنية. وبين حين وآخر، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تداول أشرطة فيديو لآباء من مختلف مناطق البلاد اختاروا حرق أجسادهم بالبنزين بدل رؤية أبنائهم يعيشون في بيوت قصديرية أو تقضي على أي أمل بمستقبل أفضل.
ولا يتردّد الشباب في التعبير عن العزوف عن الزواج بسبب أزمة السكن التي يعانون منها، في ظل ارتفاع أسعار الشقق. ويقول الشاب حسين (35 سنة) "ما زلت أقطن مع أمي في بيت واحد ولديّ أربعة إخوة، أحدهم متزوج وأب لثلاثة أطفال، والسلطات وعدتنا بتمكيننا من حقنا في السكن، لكنها مجرد وعود كاذبة وملفنا لا يزال في قائمة الانتظار".
الرئيس وخبايا قطاع السكن
في السياق، يقول الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع محسن بن عاشور لـ"أندبندنت عربية" إن "كل الأزواج الجدد يريدون العيش المستقل كي تبقى العلاقات الأسرية حسنة، لكن أزمة السكن تجعل ذلك صعباً".
ويؤكد الباحث نوري إدريس أن الآلاف ينتظرون سكناً لائقاً في حين يستفيد آخرون لمرات عدّة وبصيغ منوّعة. ويعود عدم إيجاد حلّ لهذه الأزمة إلى ارتفاع الطلب على السكن بسبب النمو الديموغرافي، إضافةً إلى احتكار الدولة للقطاع منذ الاستقلال ورفضها إيجاد سوق للعقار، ممّا أنتج تأخراً يصعب تداركه مهما تسارعت وتيرة الإنجاز.
يضيف إدريس في تصريح لـ "أندبندنت عربية" أن "الدولة تأخرت لثلاثين سنة قبل أن تفكر في بناء سكن للجزائريين، في وقت أصبح الاستقلال في المسكن شرطاً أساسياً للزواج. لهذا، يقدم العازبون ملفات للاستفادة منه حتى لو لم يكونوا بحاجة إليه حالياً".
وسط هذا الواقع، يترقب الجزائريون تحرّك الرئيس الجديد عبد المجيد تبون على هذا الصعيد، لكونه "ابن القطاع" ويعلم خباياه، إذ شغل لمدة طويلة منصب وزير السكن في حكومات عدّة (2001-2002 ثم من 2012- 2017).