بعد سنتين من إصدار الجزائر مرسومين خاصين بمناطق "بحرية اقتصادية خالصة" مع كل من إسبانيا وإيطاليا على التوالي، عبّر البلدان الأوروبيان عن رفضهما فحوى المرسومين اللذين يحملان توقيع الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة. وبينما رفضت السفارة الإيطالية "الجهر" بهذا الخلاف علناً أمام وسائل الإعلام، شرعت الحكومة الإسبانية في الترويج له قبل زيارة متوقعة لوزيرة خارجيتها إلى الجزائر.
وأعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليز لايا أن "مدريد غير متفقة مع الجزائر بشأن ترسيم الحدود البحرية للبلدين في البحر الأبيض المتوسط". ونقلت إذاعة "كادينا سر" الإسبانية عن لايا أنها ستزور الجزائر الأربعاء المقبل لبحث هذا الخلاف.
وتابعت الوزيرة الإسبانية أن "هذا الترسيم الجديد يشمل أيضاً جزيرة كابريرا الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب جزيرة مايوركا. ومنذ تسلم حكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز مهامها في يونيو (حزيران) 2018، ردت على هذا الادعاء، لأنه حتى الآن مجرد ادعاء جزائري".
وأضافت "وفقاً لقانون البحار الدولي، حين تتداخل مياهك الإقليمية مع مياه جارك، فإن هذا الأمر يجب أن يحل بالمفاوضات، ويتضح بالممارسة أن هكذا مفاوضات تدوم طويلاً جداً جداً". وأوضحت "ما قمنا به هو أننا أعربنا عن رفضنا إجبار الطرف الآخر على البدء بمفاوضات. وهذه المفاوضات لم تبدأ منذ عام 2018".
مرسوما بوتفليقة
المرسوم الرئاسي الصادر في الجريدة الرسمية الجزائرية بتاريخ 21 مارس (آذار) 2018، الذي يحدد إحداثيات هذا التوسع البحري باتجاه إيطاليا، وهو نفسه الذي صدر في أبريل (نيسان) من العام نفسه بشأن إسبانيا، مع تغيير في الإحداثيات، يشير إلى "تأسيس منطقة اقتصادية خالصة في عرض السواحل الجزائرية، ويتم تعيين الحدود الخارجية لهذه المنطقة انطلاقاً من تحديد الأساس الصادر في مرسوم سابق عام 1984 من طريق الإحداثيات الواردة في المنظومة الجيوديسية العالمية".
لكن الملفت في المرسومين أنهما يبقيان المجال لتعديلهما "ثنائياً" ضمن مواد تشير إلى إمكان أن "تكون الحدود الخارجية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، عند الاقتضاء، محل تعديل في إطار اتفاقات ثنائية مع الدول التي تكون سواحلها متلاصقة أو متقابلة مع السواحل الجزائرية". ويشير المرسومان إلى "أن الجمهورية الجزائرية تمارس حقوقها السيادية الخالصة طبقاً لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، لاسيما الجزء الخامس منها".
تساؤلات في الجزائر
يقول الصحافي حسان حويشة، المتابع لملف العلاقات الجزائرية مع بلدان الضفة الشمالية للمتوسط لـ "اندبندنت عربية"، "أعتقد أن تساؤلات كثيرة تطرح حول توقيت إثارة هذا الملف في هذا الظرف بالذات من طرف روما ومدريد، على الرغم من أن حيثيات القضية تعود إلى ربيع 2018".
ويشرح حويشة دواعي هذا التساؤل، فيقول "أولاً، الجزائر وقعت مرسومين في مارس وأبريل 2018، اللذين حددا معالم جديدة للحدود البحرية الجزائرية في إطار ما يعرف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، التي وصلت إلى مشارف سردينيا الإيطالية وجزر الباليار الإسبانية". أما ثانياً، "فهذا الملف بقي طي الكتمان على الرغم من بعض التحركات المحتشمة من طرف روما، التي قدمت شكوى إلى الطرف الجزائري وأخرى إلى الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني)".
ويضيف حويشة "ثالثاً، التساؤل الأبرز هو لماذا بقي هذا الملف وعلى الرغم من حساسيته وما يتميز به من أهمية إستراتيجية، طي الكتمان وبعيداً من تداول وسائل الإعلام في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، علماً أنه هو من وقع المرسوم الذي حدد المعالم الجديدة لهذه الحدود البحرية". أما "رابعاً، فالآن وقد أعلن عن زيارات مرتقبة لدبلوماسيين من إيطاليا وإسبانيا إلى الجزائر، أعتقد أن مسار مفاوضات سينطلق بشأن هذا الملف. وأرى أنه من المستبعد أن تتراجع الجزائر، باعتبارها تملك واجهة بحرية وحيدة، وهذه المنطقة هي مقابلة للشريط الساحلي الجزائري".
ضغط على الجزائر؟
بينما حاولت "اندبندنت عربية" الحصول على موقف رسمي من الطرف الجزائري وتلقت الرفض من وزارة الخارجية إلى غاية "طرح السلطات الإسبانية هذا الملف رسمياً، إن وجد أصلاً"، قال الناشط الجزائري مصطفى الصغير، الذي يرأس جمعية محلية تعنى بالجالية الجزائرية في مورسيا الإسبانية لـ "اندبندنت عربية"، إن "هذا الملف انطلق من العدم وفق اعتقادي. إذ أثارته برلمانية إسبانية عن منطقة مايوركا تمثل اليمين الإسباني".
ويضيف الصغير "من المستحيل أن تمتد الإحداثيات الجزائرية إلى جزيرة كابريرا، وهي جزيرة من بضعة أمتار مربعة حولتها السلطات الإسبانية إلى محمية يزورها السياح بعدما كانت سابقاً سجناً معزولاً".
ويروي الناشط الجزائري "كابريرا تقع بعد المياه الإقليمية الجزائرية وفي عمق المياه الإقليمية الإسبانية. أعتقد أن وزارة الخارجية في إسبانيا تحاول استغلال هذه الورقة على أمل تحصيل مزاياً اقتصادية مع السلطة الجزائرية الجديدة".
ويتابع "قبل فترة أثارت البرلمانية الإسبانية ما سمته تحول كابريرا إلى شبه جزيرة جزائرية في إشارة إلى وصول عدد كبير من المهاجرين السريين إليها عبر قوارب بحرية. لكن حتى هؤلاء المهاجرين يقصدونها خطأ، اعتقاداً منهم أنها جزيرة مايوركا".
ومن الشائع أن عدداً كبيراً من المهاجرين غير الشرعيين، الذين تنطلق قواربهم من مناطق الوسط (دلس في محافظة بومرداس أو تيبازة)، تكون وجهتهم في العادة جزر الباليار الإسبانية لقربها من الساحل الجزائري، لذلك يمكن تصنيف هذا "التصعيد" الإسباني ضمن سياسات تتخذها مدريد في العادة مع الجارة الجنوبية لفرض رقابة أكبر على الشريط الساحلي الذي يمتد على مسافة 1600 كيلومتر من الشرق إلى الغرب.