تسعى الولايات المتحدة الأميركية في إبراز مفهوم الخطر الإيراني بعدما باتت لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قناعة راسخة بأن طهران هي الخطر الأساس في منطقة الشرق الأوسط، وبأنها الدولة الأولى الراعية للإرهاب طبقا لواشنطن.
بدا توسّع إيران في المنطقة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، يزعزع الوضع في هذه الدول، إضافة إلى الاستياء من تجارب عسكرية عن تجارب على صواريخ باليستية بعيدة المدى، والكشف عن عمليات إرهابية كان يخطّط لتنفيذها النظام الإيراني في فرنسا والدنمارك وهولندا تستهدف المعارضين الإيرانيين، كلها أسباب استند إليها رئيس الولايات المتحدة وفريقه لاتخاذ قرار بمواجهة إيران وأدواتها، مواجهة لن يكون لها طابع الحرب العسكرية المباشرة بين أميركا وإيران، بعد إعلان ترمب في خطابه السنوي الموجه إلى الأمة أن الولايات المتحدة الأميركية ستخرج من الحروب التي لا نهاية له.
يعمل الرئيس الأميركي على إشراك دول الشرق الأوسط في قرار المواجهة، ولكن أيضاً في تحمل مسؤوليتها، من هنا إطلاق مشروع التحالف الأمني للشرق الأوسط MEA Security Council على غرار التحالف الدولي الذي نشأ ضد "داعش" والذي ضمّ 60 دولة، وهو النموذج الذي يعمل على تشكيله ترمب لمواجهة التمدد الإيراني، وهو الذي سوّق له وزير الخارجية مايك بومبيو في جولته الشرق أوسطية، فكان مؤتمر وارسو جزءاً منه.
مواجهة إيران في لبنان كيف؟
وحده لبنان بقي خارج التحالف الدولي ضد إيران وقاطع مؤتمر وارسو على قاعدة النأي بالنفس الذي قررته حكومته، منذ اندلاع الثورة في سوريا، ولم يحترم من قبل حزب الله. حتى أن الإدارة الأميركية وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية"، لم تضغط على لبنان للمشاركة بالتحالف الدولي، حرصاً على الاستقرار فيه، وهو ما يبرّر عدم زيارة بومبيو بيروت في إطار جولته إلى المنطقة.
وتكشف المصادر الدبلوماسية نفسها أن القرار الأميركي الذي يدعو إلى الضغط على إيران وأدواتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، يقضي أيضاً بتجنيب لبنان أيّ ضربات عسكرية مماثلة للضربات الموضعية على مخازن أسلحة لـ "حزب الله" وللمجموعات الإيرانية في سوريا، لكن أيّ تحرك من قبل "حزب الله" على الحدود الجنوبية سيواجه في المقابل برد إسرائيلي، وستحصل إسرائيل على ضوء أخضر أميركي بضرب الحزب في الداخل اللبناني.
حزب الله والقرار السياسي اللبناني
تسعى الولايات المتحدة الأميركية جاهدة إلى ألاّ يكون لـ "حزب الله" المرتبط بإيران أيّ تأثير في القرار السياسي اللبناني، وهو ما يفسر كلام السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد من المقرّ الرسمي لرئاسة الحكومة بعد نيل الحكومة الثقة حيث قالت "لقد كنت صريحة مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري حول قلق الولايات المتحدة الأميركية في شأن الدور المتنامي في الحكومة لمنظمة لا تزال تحتفظ بميليشيا لا تخضع لسيطرتها"، وقبلها حذر وزير الخارجية الأميركي من مصر بأنهم لن يدعوا إيران تسيطر على لبنان.
تنازل حزب الله من وزارة الصحة لم يقنع واشنطن
يتصدّر لبنان لائحة المساعدات التي تقدّمها وزارة الدفاع الأميركية لمكافحة الإرهاب، مساعدات هي في معظمها أسلحة للقوى الشرعية اللبنانية، وهي خصّصت لهذا العام حوالي مئة وخمسة ملايين دولار أميركي للبنان، مقابل 44 مليون دولار لجيبوتي مثلاً، لكن في المقابل، تكشف مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتعاون مع أيّ وزارة في الحكومة اللبنانية لـ "حزب الله" تأثير فيها.
وكشفت المصادر نفسها أن أميركا لن تستمر بتقديم المساعدات لوزارة الصحة، وهي ستنسحب من المساعدات الدولية التي تصل إلى لبنان سنوياً عبر الأمم المتحدة في ملفّ النازحين، ولن تكون جزءاً منها، لكنها ستستكمل تقديم المساعدات عبر المنظمات غير الحكومية وللمستشفيات مباشرة، فالإدارة الأميركية لا تزال تعتبر بأن وزير الصحة الجديد مرتبط بـ "حزب الله"، وهي بالتالي لم يقنعها كلام الأمين العام للحزب نصر الله، إن وزير الصحة اللبناني جميل جبق صديق لكنه ليس حزبياً.
محاصرة "حزب الله" والتضييق عليه من خلال الضغط على الحكومة اللبنانية للحد من تأثير الحزب في قراراتها يترافق، ومنذ مدة، مع سلسلة قوانين أميركية تهدف إلى وقف مصادر التمويل الخارجية للحزب، ومن بينها أكثر من مشروع قرار تقدّم في الكونغرس الأميركي لمطالبة الدول الأوروبية بأن تحذو حذوَ أميركا في تصنيفها لـ "حزب الله".
بريطانيا...هكذا صنّفت حزب الله
من هنا يأتي القرار البريطاني الأخير بوضع "حزب الله" بجناحَيه العسكري والسياسي على لائحة المنظمات الإرهابية المحظورة في لندن، التزمت هولندا به منذ مدة، واليوم بريطانيا، وهي التي ابتدعت فكرة الفصل بين جناحَي الحزب استناداً إلى تجربتها مع المقاومة العسكرية الإيرلندية IRA ، فباتت أقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية في النظرة إلى "حزب الله" من فرنسا التي قال رئيسها تعليقاً على القرار البريطاني "لدينا علاقات مع الجناح السياسي لـ "حزب الله" الممثل بالحكومة اللبنانية ولا يمكن أي دولة أن تضع حزباً لبنانياً ممثلاً في الحكومة على لائحة الإرهاب".
هي إذاً تبدو حربا باردة تراهن واشنطن على انتصارها، بينما تراهن طهران على عامل الوقت بانتظار أوباما جديد قد يعيد الأمور إلى مرحلة التفاوض والاتفاق لا الحرب.