يستعدّ وزير الخزانة البريطاني المعيّن حديثاً، لاستخدام ميزانيته في زيادة الإنفاق كي يصل إلى مستوياتٍ أعلى من تلك التي بلغتها حكومة توني بلير "العمّالية" [في تسعينيات القرن العشرين]، وفق تقرير جديد أعدّه أحد مراكز الأبحاث. [منذ عقود، يميل حزب المحافظين إلى التقشف في الإنفاق الحكومي على عكس سياسات حزب العمال، لكن الصورة آخذة في التبدل].
ورأى محلّلون اقتصاديّون في مؤسّسة "ريزوليوشن فاونديشن" أن الإنفاق في وزارات الدولة ودوائرها الكائنة في منطقة "وايتهول"، يمكن أن يرتفع ليصل للمرة الأولى إلى حوالى تريليون جنيهاً استرلينياً (تريليون و300 مليار دولار أميركي) بين عامي 2023 و2024، مع إمكانية أن تصبح زيادة الضرائب ضرورية.
ورجّح معدّو التقرير أن يعمد وزير الخزانة الجديد ريشي سوناك إلى استخدام ميزانيته في 11 مارس (آذار) المقبل لزيادة الإنفاق إلى حدود أربعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ما يشكّل رقماً أعلى مما وصل إليه الإنفاق عهد رئيس الوزراء الأسبق توني بلير [من حزب العمال].
يأتي ذلك بعدما تبّين أن سوناك يخطّط لنقل أجزاءٍ من وزارة الخزانة إلى شمال إنجلترا، في محاولة لإظهار أن حزبه استمع إلى الناخبين "العماليّين" التقليديّين في منطقة "الجدار الأحمر" (مجموعة من الدوائر الانتخابية في "ميدلاندز" وشمال إنجلترا)، الذين انشقّوا عن "العمّال" وانضمّوا إلى حزب "المحافظين".
وبحسب صحيفة "صنداي تايمز"، يستعد مستشار الخزانة البريطانية الجديد لتخفيف القيود المالية الصارمة التي وضعها سلفه ساجد جاويد، تمهيداً لزيادة الإنفاق.
ووصفت مؤسّسة "ريزوليوشن فاونديشن" الزيادة المقرّرة في الإنفاق المالي التي تلامس الـ100 مليار جنيه استرليني (130 مليار دولار) وقد أضيفت إلى رأس المال، بأنها أسرع زيادة في الإنفاق اليومي على الإدارات منذ أوائل العقد الأول من القرن الجاري. وأشارت المؤسّسة نفسها إلى أن تلك الزيادة سترفع إجمالي الإنفاق الحكومي بأكثر من تريليون جنيه استرليني (تريليون و300 مليار دولار) في غضون أربع سنوات.
وكذلك أشار معدّو التقرير إلى أن معدل الاقتراض قد يتزايد في ميزانية الشهر المقبل، ويرتفع من 41 مليار جنيه سترليني (ثلاثة وخمسين مليار دولار) في 2018 و2019، إلى 64 مليار جنيه استرليني (قرابة 83 مليار دولار) في 2021 و2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، ربما يفشل الإنفاق الإضافي في محو تأثيرات عقد من التخفيضات [في الإنفاق الحكومي]، إذ يتطلّب الأمر صرف 24 مليار جنيهاً استرلينياً (31 مليار دولار) لمحو ما خلّفه نصف التخفيضات المالية في الإدارات غير المرتبطة بالصحّة.
وفي ذلك السياق، توقع جاك ليزلي الاقتصادي في مؤسّسة "ريزوليوشن فاونديشن" أن "تؤدّي خطط وزير الخزانة في الإنفاق الكبير من أجل "رفع مستوى" البلاد عبر مشاريع البنية التحتية، إلى قيام دولةٍ أضخم ممّا كانت عليه في الأوقات كلها، خصوصاً في عهد توني بلير. ويشكّل هذا تحوّلاً كبيراً في مفهوم الدولة عند حزب المحافظين الذي يشدد تقليدياً على تصغير حجم مؤسساتها وإنفاقها".
وأضاف الخبير الاقتصادي، "لكن الطرق وخطوط السكك الحديد الجديدة، ليست سوى جزء من الموضوع بالنسبة إلى حكومةٍ ترغب في طيّ صفحة عقدٍ من التقشّف. وإذا أراد وزير الخزانة زيادة الإنفاق على الخدمات العامّة اليومية بطريقة مسؤولة مالياً، فسيتعين عليه تغيير أولوية تقليدية اخرى لحزبه تتمثّل في تخفيض الضرائب، لأن الإنفاق المرتفع يتطلّب ضرائب أعلى".
وفي سياق متصل، رأى جون ماكدونيل وزير الخزانة في حكومة الظل، أن أشد "التوقّعات المضخّمة" بالنسبة لمحتويات الميزانية، قد يفشل في تعويض التخفيضات التي فرضها "المحافظون" خلال الأعوام العشرة الأخيرة".
وأضاف، "على الرغم من أن حزب المحافظين اتّبع أخيراً سياسة حزب العمّال المتمثّلة في الاقتراض من أجل الاستثمار في البنية الأساسية للبلاد، فسيفشل حجم الإنفاق في معالجة عقدٍ من تهاوي الإنفاق الحكومي على يد حزب المحافظين، ولن يتمكّن تالياً من التصّدي للتهديد الوجودي المتزايد والخطير الناشىء عن أزمة تغيّر المناخ".
وفي نفسٍ مُشابِه، توقّع وزير الخزانة في حكومة الظل أنه "بعدما رُفعت التوقّعات عالياً بصورة مبالغ فيها، سيُصاب الناس حتماً بخيبة أمل مريرة من فشل بوريس جونسون ومستشاره دومينيك كامينغز في إنجاز ما وعدوا به."
من المنتظر أن يستخدم سوناك ميزانيته الأولى للإعلان عن نقل حوالي 1500 وظيفة في الوزارة إلى "حرم اتّخاذ القرارات الاقتصادية". وكذلك ذكر مصدر في وزارة الخزانة إن "الوزير يريد وضع الخزانة في صلب جدول أعمال التحسينات، وينوي إعادة التفكير في طريقة اتّخاذ القرارات التي تؤثر على المملكة المتّحدة بأكملها".
وأضاف المصدر نفسه أن "الوزير سوناك يريد نقل محور القرار الاقتصادي بعيداً عن العاصمة إلى مناطقنا ودولنا، وسيتحقق ذلك التوجه عبر إنشاء مكان جديد لصنع القرار الاقتصادي في شمال إنجلترا". وختم بالإشارة إلى أن "ذلك الإنتقال يشكّل الخطوة المفتاح التي تساعد في نشر الفرص والازدهار للجميع، وكذلك تتيح لوزارة الخزانة الوصول إلى مجموعة أكثر تنوّعاً من المواهب، ما يجعلها أكثر تعبيراً عن البلاد برمّتها".
© The Independent