يبدو أن السلوك الذي تنتهجه الميليشيات الموالية لإيران في التعاطي مع الحكومة العراقية بشأن وجود القوات الأميركية في البلاد، يتطابق مع سلوك الكثير من التنظيمات المتطرفة مثل"داعش"، في تقدم العنف على جميع الخيارات، ولا تتورع عن تهديد كل من يخالف توجهاتها بالتصفية.
آخر الأدلة التي تدعم هذا الاتجاه، التهديد الذي أصدرته كتائب "حزب الله"، إحدى أقوى الميليشيات الشيعية التي أسسها الحرس الثوري الإيراني في العراق، لكل من يتعامل مع القوات الأميركية في العراق، على الرغم من أن وجود هذه القوات، جاء بطلب رسمي من حكومة عراقية منتخبة، وهو قيد المراجعة.
تهديد صريح للشركات
وجهت كتائب "حزب الله"، التي ترأسها لسنوات أبو مهدي المهندس، قبل مقتله في غارة أميركية كانت تستهدف الجنرال البارز في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، على لسان من تصفه بـ "المتحدث الأمني"، أبو علي العسكري "تحذيراً نهائياً لا رجعة فيه"، لـ "أصحاب شركات النقل البري، والشركات الأمنية العراقية التي أبرمت عقود النقل والحماية مع قوات العدو الأميركي، أياً كانت عناوينها ودلالاتها، لوجستية أم دبلوماسية أم أمنية أم اقتصادية، أن يفسخوا عقودهم في مدة أقصاها 15 مارس (آذار) 2020، وبخلاف ذلك سيتحمل المتردد أو المعاند مسؤولية موقفه أمام الله والشعب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يبدو مهماً بالنسبة إلى كتائب "حزب الله"، ما إذا كانت الشركات حكومية أم غير حكومية، أو أنها أبرمت عقودها بموجب قوانين عراقية نافذة، وفق سياق عمل مؤسسات الدولة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عقوبات أو غرامات. وهذه الصيغة، ليست جديدة في تعامل المجاميع المسلحة مع الحكومات المتعاقبة على العراق منذ العام 2003، فسبق لتنظيمات عدة أن أصدرت تحذيرات مماثلة لقطاعات حكومية وغير حكومية، غير عابئة بموقف السلطات أو قدرتها على احتكار العنف.
تعليمات للقوات الأمنية
ولم تتوقف كتائب "حزب الله" عند حد تهديد شركات النقل والشركات الأمنية، بل خاطبت "الأخوة في الأجهزة الأمنية العراقية، في (وزارتي) الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب"، قائلة "حفاظاً على تاريخكم، ووفاء لدماء الشهداء، لا بد من الامتناع عن اللقاء بقواعد الاحتلال". وعلى الرغم من أن كتائب الحزب، لم تحدد عقوبة الضابط أو الجندي العراقي الذي يتواصل مع قاعدة عسكرية ربما تضم قوات أميركية، إلا أن المعروف أن العقوبة في مثل هذه الحالات هي التصفية الجسدية، نظراً إلى سجل هذه الجماعة.
ويبدو أن القوات العراقية الرسمية، ستواجه مخاطر جسيمة جراء هذه التهديدات، لأن القوات الأميركية ليست متمركزة في قاعدة واحدة، وهي فعلياً لا تملك قاعدة عسكرية مستقلة داخل الأراضي العراقي، بل تنتشر في عدد من القواعد التي تخضع كلياً لسلطة المؤسسة العسكرية العراقية.
قواعد عمل سياسية
لم يفت كتائب "حزب الله"، أن تصدر بضع تعليمات للساسة العراقيين، بشأن كيفية التعاطي مع الولايات المتحدة، إذ يقول العسكري "على الأخوة العاملين في المجال السياسي أن يمتنعوا عن التواصل مع قادة العدو الأميركي، وألا يكونوا جزءاً من مشروعهم التخريبي الذي يستهدف العراق شعباً وأرضاً ومقدسات".
وبالنسبة إلى كثيرين من الساسة، فإن هذا الحديث الصريح، هو مؤشر إلى ما يمكن أن تفعله هذه القوة، التي توصف بأنها مجموعة مدربة على القنص والاغتيال والاختطاف والتعذيب، وقد ذاع صيتها منذ اندلاع التظاهرات المناهضة للأحزاب الموالية لإيران في العراق مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما ورد أنها تورطت في عمليات دموية ضد النشطاء، تستهدف ضرب الحراك الشعبي.
وعلى الرغم من أن كتائب "حزب الله"، لديها مكتب سياسي في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، إلا أنها اعتادت أن تتعاطى مع الشأن السياسي العراقي انطلاقاً من المصالح الإيرانية، إذ لا يخفي قادتها أنهم مقلدون مؤمنون بالولي الفقيه في إيران علي خامنئي.
رسالة إلى الإعلاميين
واختتمت كتائب الحزب قائمة تهديداتها وتوجيهاتها وتعليماتها، بدعوة "الإعلاميين وأصحاب الرأي أن يدعموا هذا التوجه بكل ما يستطيعون، ليميز الله الخبيث من الطيب". ويدرك الإعلاميون في العراق أكثر من غيرهم ما يمكن أن تقوم به هذه المجموعة لردعهم، بعدما استخدم المهندس ذراعها الاستخبارية في ملاحقة جميع وسائل الإعلام التي غطت التظاهرات الأخيرة من وجهة نظر مغايرة لما تريده الحكومة.
رؤية الحرس الثوري
وتقول كتائب "حزب الله" إن حملتها الجديدة هذه، تأتي في سياق الدفاع عن "القيم والمقدسات من شر الاحتلال، وأذنابه في العراق والمنطقة"، ويرى مراقبون أن "سلسلة التهديدات الجديدة، لا تمثل الكتائب، بقدر تمثيلها لرؤية الحرس الثوري الإيراني، التي لا تعترف بوجود أي سلطة في العراق، وتفضل إدارة الأمور بطريقة المواجهة المباشرة".