لم تفلح النداءات التي أطلقتها جهات دولية، على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة وبعثته في ليبيا، الداعية طرفي النزاع في ليبيا إلى إيقاف العمليات العسكرية، التي اندلعت مجدداً بداية من الخميس الماضي 26 فبراير (شباط)، في أن تلقى آذاناً صاغية، وواصل الطرفان تجاوز الهدنة وتبادل إطلاق النار، في المحاور الجنوبية للعاصمة طرابلس.
طريق غريان بيد الجيش
وفي أهم تطورات المعارك العسكرية، أكدت غرفة عمليات الجيش في طرابلس سيطرة قوات تابعة لها، على الطريق الساحلية الرابطة بين العاصمة طرابلس ومدينة غريان، وأضافت "قوات الجيش تمكنت من إحراز تقدّم في منطقة العزيزية والسيطرة على (معسكر العكرمي) في منطقة الهيرة، جنوب العاصمة طرابلس". وتحمل السيطرة على هذه الطريق أهمية استراتيجية كبيرة من الناحية العسكرية، لأنها تعني قطع خطوط التواصل والإمداد تماماً بين المدينتين الهامتين في معركة المنطقة الغربية في ليبيا.
ويقول العقيد الليبي المتقاعد في قوات الصاعقة الليبية ونيس العمامي إن "هذه الخطوة التي نجح فيها الجيش بالسيطرة على هذه الطريق الممتدة مسافة 60 كيلومتراً باتجاه جنوب طرابلس، تضيّق الخناق أكثر على قوات حكومة الوفاق وتزيد من حصارها وعزلها عن بعضها بعضاً"، ويرى أن "هذه العملية الناجحة، تجعل استعادة الجيش غريان أمراً متوقعاً وأكثر سهولة من ذي قبل، بعد قطع الإمدادات الآتية من طرابلس عن المدينة تماماً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينت غرفة عمليات اجدابيا من جانبها، أن قواتها التابعة للجيش الليبي، "تتقدم في محور عين زارة بطرابلس" مشيرة إلى أن أنها "تمكنت من حرق ثلاث عربات مسلحة، وغنم عربة أخرى تابعة لقوات حكومة الوفاق"، معلنة بالأسماء "مقتل 12 فرداً من قوات الوفاق في محاور (العزيزية وعين زارة والرمله)، وأسر شخص سوري الجنسية بمحور عين زارة".
صد محاولة للتسلل
أكد الناطق باسم قوات حكومة الوفاق محمد قنونو من جهته، "تصدي قوات الوفاق لمحاولة تسلل قامت بها قوات الجيش تجاه معسكر اللواء الرابع في العزيزية"، وقال قنونو "قوات بركان الغضب، تمكنت من تدمير آليات عسكرية عدة للعدو، قرب معسكر اللواء الرابع، وأعادت السيطرة عليه بشكل كامل". وأفاد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالمنطقة الوسطى التابعة لحكومة الوفاق "ناصر القايد" بأن "قوات حكومة الوفاق تمكنت من صد محاولة تقدم للجيش في محوري الرملة والطويشة" مشيراً إلى أن "الاشتباكات ما زالت مستمرة بهذه المحاور".
واعترف آمر سلاح المدفعية بقوات حكومة الوفاق، العقيد فرج اخليل من جانبه بـ "مقتل خمسة عناصر من قوات حكومة الوفاق، جراء قصف موقع تمركزهم في محور الرملة جنوب طرابلس"، وقال "اخليل"، في منشور على حساباته الشخصي بمواقع التواصل "القتلى أربعة من مصراتة وواحد من منطقة كاباو".
القبض على قيادي في "داعش"
وبعيداً من طرابلس، أكد المتحدث باسم الغرفة الأمنية المشتركة في سبها جنوب غربي العاصمة، علي الطرشاني "القبض على قيادي بتنظيم داعش، كان يخطط لعمليات إرهابية في المنطقة "، وأضاف في تصريح صحافي "تم تنفيذ عملية نوعية استباقية، أسفرت عن القبض على الإرهابي السوداني عمر فاضل السعيد محمد الأمين المكنى بـ (أبي عبد الله)، وهو طبيب تنظيم داعش في ليبيا، بعد مداهمة مقر يختبئ فيه جنوب سبها"، مبيناً أنه "كان يعد مع آخرين لتنفيذ عمل ما في الجنوب"، وقال "هذا الإرهابي لديه أسرار كثيرة عن خلايا متطرفة في الجنوب وليبيا بعامة".
دعوات دولية للتهدئة
وعلى وقع هذه التطورات الميدانية، دان كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وسفارة الولايات المتحدة وألمانيا تجدد العمليات العسكرية في طرابلس، ودعت هذه الأطراف في بيانات منفصلة إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية، وحضت جميع الأطراف على تنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر أخيراً بخصوص مخرجات مؤتمر برلين.
نقذ لاذع لسلامة
سياسياً، واصلت قيادات سياسية من الطرفين هجومها الشديد ونقدها اللاذع لعمل المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، متهمة إياه بالتحيز وتعقيد المشهد، بالطريقة التي يقود بها المفاوضات لحل الأزمة الليبية، ولفت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي طارق الجروشي إلى أن "إصرار سلامة على المراوغة والمواربة وفشله بإيجاد صيغة توافقية سلمية للأزمة الأمنية الليبية، يخفي وراءه خيوطاً لمؤامرة دولية، ستكون أفظع وأشنع من مؤامرة الصخيرات، التي لم تجنِ إلا ضياعاً للوقت وزيادة معاناة الشعب الليبي"، وأضاف في تصريح نشر على موقع المجلس "لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي، تعلم أن الدول الراعية للإخوان، تضغط على السيد غسان سلامة وتحصره في زاوية ضيقة، لإرغامه على إعطاء سلطة أكبر ونفوذ أكثر للإخوان المسلمين في ليبيا"، وقال إن على المبعوث الأممي "إعادة النظر في قواعد الحوار وممثليه، إذا كان يريد توافقاً سياسياً واقعياً".
الوفاق تدعو لطرد سلامة
في المقابل، دعا الناطق باسم المجلس الرئاسي مهند يونس إلى "طرد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة"، وقال يونس في تغريدة على موقع تويتر "طرد المبعوث الأممي من ليبيا أصبح ضرورة لتحقيق الاستقرار في البلاد"، مشيراً إلى أن "سلامة أصبح يتعامل وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد وينفذ تعليمات "أسياده" المشبوهة، من دون أي اعتبار للليبيين".
واعتبر المستشار السياسي السابق في مجلس الدولة أشرف الشح من جهته، أن البعثة الأممية تهدف إلى تفتيت القاعدة السياسية المساندة لما وصفه بـ "عملية الدفاع عن طرابلس"، وأضاف الشح في مقابلة تلفزيونية أن "سلامة تبنى في خطته للمسارات الثلاثة شعارين، هما حل المليشيات وتقاسم الثروة، وهو ما يدعيه بحسب وجهة نظره (القائد العام للقوات المسلحة المشير حفتر) لتبرير ما وصفه بـ "الهجوم على العاصمة"، وتابع "المقترح الذي قدمه سلامة للجنة، بعد اطلاعنا عليه، تبين أنه استسلام، لأنه يتكلم على بقاء قوات حفتر في كل معسكرات طرابلس".
واعتبرت الصحافية الليبية هندية العشيبي أن "الاشتباكات المسلحة التي تشهدها طرابلس هذه الأيام عقب خرق الهدنة المقررة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" مبررة ذلك بـ "تمسك الطرفين بأهدافهما، بالإضافة لهشاشة الرعاية الأممية المقترحة لهذه الهدنة التي ساهمت في تطور النزاع وتشابكه، وعملت على إطالة الصراع في المنطقة الغربية"، لافتة في حديث إلى "اندبندنت عربية" إلى أن المبعوث الأممي لدى ليبيا سلامة "يلاحقه الفشل بسبب عدم وجود رؤية واضحة لديه للتعاطي مع الأزمة الليبية أو وضع حلول جذرية لها"، وقالت إن النقد الذي تعرض إليه سلامة أخيراً قد يؤدي "إلى تغييره بمبعوث آخر أو استقالته".