تتأمل سارة ذو الأربع سنوات شعر دميتها الأسود الطويل وهي تقفز من الفرح والذهول، فهي لم تحظَ فقط بدمية جديدة في عيد ميلادها، بل أيضاً بلعبة تشبهها إلى حد بعيد وإنما على شكل دمية. فكرة الدمى "حسب الطلب" هذه، الفريدة والغريبة، هي من ابتكار الشابين الفلسطينيين رامز حنانيا (32 سنة) وعدي الهريمي (25 سنة) من بلدة بيت جالا جنوب الضفة الغربية، اللذين تمكّنا من تحويل شعر الغنم الذي يُلقى بالعادة في القمامة، إلى دمى، وذلك بعد غسله وتعقيمه وتلوينه.
دمى تشبه أصحابها
حنانيا قال "بالصدفة البحتة وعن طريق الإنترنت، شاهدنا فيديوهات قصيرة لأشخاص يصنعون الدمى من شعر الغنم المُهمل وذُهلنا من النتيجة، ولأنّ التجربة عن بعد سهلة، قررتُ استيراد الإبرة والشعر وبقية المواد الخام عبر الإنترنت لنرى إن كان باستطاعتنا فعلها أو لا. فعدي يعشق الرسم وأنا أحب التمثيل. وبالفعل، بدأنا بتشكيل شعر الغنم ونجحنا بصنع أرنب جميل، وها نحن منذ عام 2015 وحتى اليوم نعشق صناعة الدمى من شعر الغنم الطبيعي فقط، فبعد شراء الشعر الذي سبق وعولج ليصبح جاهزاً للاستخدام نصنع الدمية، بعد رسمها بطريقة أولية تقريبية، لوضع الأسلاك الحديدية المرنة عليها لإمكانية طيها، وبعدها تُحشى بالصوف حسب اللون، مع وضع التفاصيل الدقيقة واللازمة للشكل الأولي، وصولاً إلى الشكل النهائي. وفي العادة، تأخذ عملية صنع المجسمات والتماثيل، حسب الحجم والشكل، يوماً واحداً أو يومين، وهو ما ينعكس على سعر وتكاليف الإنتاج".
رسالة بيئية
"لا نسعى أبداً إلى الربح المادي بقدر ما نهتم بنشر رسالة صحية وبيئية تراثية في المجتمع الفلسطيني، خصوصاً للأطفال وذلك بالابتعاد عن شراء الدمى البلاستيكية الرخيصة التي تسبب الأمراض بحسب الدراسات العالمية، فيما تتجه الدول المتحضرة اليوم إلى التخفيف من استخدام البلاستيك، لما له من أضرار جسيمة على الطبيعة والحيوانات والبيئة بشكل عام، ونحن نسير على النهج ذاته. ومن جهة أخرى، نعيد إحياء الموروث الثقافي الشعبي الفلسطيني بالدمى المصنعة يدوياً، التي قلّ جداً المهتمون بها، وأصبحوا يميلون إلى الدمى والألعاب الجاهزة التي لا تحمل أي قيمة. وعلى الرغم من أننا نواجه مشكلة في تسويق هذه المنتجات في السوق المحلية لصعوبة تأمين الصوف المناسب لهذه الحرفة الفنية، وباعتبارها منتجات جديدة وحديثة على السوق الفلسطينية، فنحن مستمرون في نشر الفكرة والهدف منها خلق وتطويرالوعي البيئي في المجتمع الفلسطيني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاهتمام صفر!
ويؤكد حنانيا والهريمي أن لا أحد مطلقاً يهتم بحرفتهما ومشغولاتهما من شعر الغنم، إذ إنّ عشرة في المئة من منتجاتهما تذهب إلى السوق المحلية الفلسطينية، بينما تُباع البقية للأجانب والسياح خلال فترة الأعياد والمناسبات الدينية، ومنها ما يُسوّق عبر الإنترنت. وكغيرهما من الحرفيين الفلسطينيين، فإن مستقبل حرفتهما مجهول وضائع لا محالة. فمع قلة الاهتمام الرسمي والمحلي بالحرف اليدوية الشعبية والتراثية، ودعم الأفكار الريادية الشابة التي تعيد إحياءها، سيضطر الشباب لترك مشاريعهم وأفكارهم بسبب غياب التقدير. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن فلسطين عام 2018 استوردت من الألعاب والدمى وأصناف التسلية والرياضة بمبلغ يقارب الـ 15 مليون دولار، معظمها من الصين الشعبية وإسرائيل.
مؤسسة المعمل للفن المعاصر في مدينة القدس، فتحت الباب أمام المبدعين من الشباب لعرض مشغولاتهم الحرفية اليدوية المبتكرة في المعارض الفنية الخاصة بها والمنظمة على مدار العام، دعماً لتمسك الشباب بالحرف التقليدية. وبحسب حنانيا والهريمي، فالمعمل هو المؤسسة الفلسطينية الوحيدة التي اهتمت بما ينجزانه.
مليون رأس غنم
وعادةً ما يُلقى صوف الغنم وشعره في النفايات، خصوصاً في شهر أبريل (نيسان) من كل عام، حين يبدأ المزارعون والرعاة بجز صوف أغنامهم بشكل عشوائي، ما يترك كميات كبيرة من الصوف، قد يحرقونها أو تُلقى على جوانب الشوراع وفي حاويات القمامة من دون أي اهتمام بقيمتها المهدورة. وبحسب المركز الفلسطيني للاتصال والسياسات التنموية، هناك حوالى مليون رأس من الغنم في فلسطين.
وفي هذا الشأن، قال مدير التعليم والتوعية البيئية في سلطة جودة البيئة أيمن أبو ظاهر لـ "اندبندنت عربية"، "هناك قلة وعي بأهمية الاستفادة من صوف الغنم، الذي يُهدَر سنوياً في الضفة الغربية، مع العلم أنه أحد الحلول للحد من التصحر وتلوث المياه الجوفية. فالصوف يُعتبر من المواد الغنية بالنيتروجين والمعادن، ويمكن استخدامه كسماد طبيعي للنباتات، ما سيكسب الأرض خصوبة ممتازة، ولو استفاد مزارعونا أو مصانعنا من الصوف كأسمدة طبيعية عضوية، لقلّ اسيترادهم للأسمدة المصنّعة سنوياً، التي تكلّف مئات آلاف الدولارات. وهناك مناطق فلسطينية محدودة جداً تستفيد من صوف الغنم وتعمل على إعادة تدويره في صناعة المنسوجات والسجاد على سبيل المثال، وما نحتاج إليه فعلاً وبشكل جدي، هو تطوير الصناعات التقليدية التي تهتم وتقدر قيمة الصوف، ودعم الأفكار التي تركز على إعادة التدوير وحماية البيئة".
ويكمل أبو ظاهر "الرؤية الفلسطينية الرسمية لدينا انطلقت منذ عام 2017، عبر أجندة السياسات الوطنية التي تضم 70 سياسة، من ضمنها حوالى 24 سياسة بيئية مباشرة لا سيما في التنمية والاستدامة، التي تعتمد على أهمية تدوير وإعادة تصنيع النفايات تحت شعار "المخلفات كمورد". وسنعمل قدر المستطاع على ترتيب ورشات عمل وتنظيم محاضرات وندوات تركز على أهمية إعادة التدوير من الطبيعة كتحويل صوف الغنم لأكثر من منتج مفيد".