Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحشاشين" يفوز بمعركة الـ "ترند" في أول أسبوع رمضاني

اتهامات الأخطاء التاريخية تلاحقه ولهجة الـ "تيك توك" تثير السخرية وصناعه يردون بأنه "خيال درامي حول شخصية فذة"

الاتهامات تلاحق مسلسل "الحشاشين" بسبب لهجة الحوار وأخطاء العمارة والمعلومات (الحساب الرسمي للشركة المنتجة على فيسبوك)

ملخص

حظي مسلسل "الحشاشين" باهتمام كبير منذ عرض أولى حلقاته في سباق رمضان، إذ ترجم إلى نقاشات وانتقادات وهجوم وكثير من الإعجاب.

بعد أكثر من عامين من الانتظار، عُرض أخيراً مسلسل "الحشاشين"، العمل الرمضاني التاريخي الأكثر إثارة للجدل حتى الآن مصرياً وعربياً.

وإن كان مسلسل "رسالة الإمام" الذي عُرض في رمضان الماضي قد أصبح حديث الجمهور بعد نحو أسبوع من عرضه، فإن الأمر استغرق ساعات عدة فقط مع "الحشاشين"، وبعد وقت قصير من انتهاء حلقته الأولى بدأت التدوينات التي صعدت بالمسلسل إلى قوائم الأكثر تداولاً، سواء إعجاباً أو هجوماً، لكن على رغم الشد والجذب إلا أن هناك اتفاق على أن العمل مبهر من ناحية الصورة و"التكنيك"، وعلى درجة عالية من الإتقان في التنفيذ، كما أن طاقم الممثلين يتمتعون بقبول كبير وغالبيتهم وُظفوا بصورة ملائمة، كما أن البذخ الإنتاجي لا يخطئه المشاهد، وهو أمر يليق بهذه النوعية من الأعمال التي تتناول حقبة زمنية سحيقة، والحقبة هنا متعلقة بشخصية حسن الصباح "1037 - 1124" الذي سكن جبال بلاد فارس وقضى معظم أيامه داخل حصنه في قلعة "آلموت" التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن مدينة طهران حالياً، وأسس طائفة لها أتباع يدينون له بالولاء الأعمى، ويرتكبون الفظائع الإرهابية تحت ستار عقائدي وكأنهم في مهمة مقدسة، وشكلوا خطورة كبيرة على الممالك المحيطة، فيما تضاربت التفسيرات حول تسمية فرقتهم المارقة بـ "الحشاشين" التي تمثل الطائفة الإسماعيلية النزارية.

إنها سطور من التاريخ تبدو غريبة على المشاهد المصري، ربما لم تمر أمامهم حتى بصورة عابرة في المناهج المتعلقة بمراحل التعليم الأساس، وبالتالي فالاهتمام بها وتقديمها في 30 حلقة أمر يبدو مربكاً، فهذا الزعيم الذي أسس جماعية خطرة قائمة على العنف وتنفيذ الأوامر الشرسة من دون جدال، عاش في مصر فقط ثلاثة أعوام، ومع ذلك أفردت مساحة درامية هائلة لتناول سيرته، في حين أنه لم يكن سلطاناً مملوكياً محبوباً في البلاد مثل طومان باي، على سبيل المثال، الذي عُرض عمل عن حياته عام 2019 بعنوان "ممالك النار" من بطولة خالد النبوي وقصة محمد سليمان عبدالمالك، ولا هو شخصية دينية لها تقدير شعبي كبير ومقام يتبارك به الناس مثل الإمام الشافعي الذي ربح سباق الـ "ترند" في رمضان الماضي، فهل التعليق على كل تفصيلة تخص مسلسل "الحشاشين" من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي تنم عن دقة المتابعة من المتخصصين؟ أم أن هناك فئة عريضة قررت القراءة للبحث عن حياة هذه الشخصية المحيرة؟ أم أن الأمر كله اهتمام زائد مصدره التربص بالعمل؟

روايات متباينة لسيرة جماعة غامضة

المسلسل الذي يفسر اسمه بعنوان فرعي إضافي هو "أباطيل وأبطال من وحي التاريخ"، يقوم ببطولته الرئيسية كريم عبدالعزيز ويكتبه عبدالرحيم كمال ويخرجه بيتر ميمي وتنتجه شركة "سينرجي"، جذب الأنظار منذ اللحظات الأولى لأسباب عدة من بينها الدعاية المكثفة المسبقة، وأيضاً لتميز تنفيذ مشاهده، ومنها مشهد العاصفة التي هاجمت مركب البطل بينما هو كان على يقين غامض بأن النجاة آتية، إلا أنه بعد مرور حلقات عدة ظهرت موجة من الاعتراضات توازي أيضاً تدوينات الإعجاب، وجاءت أبرز الآراء السلبية ما بين السخرية المريرة والاتهامات بالسطحية وتجاهل المصادر التاريخية ذات الثقل، بل والالتفاف على حقائق من أجل الفوز برسالة سياسية مباشرة، وفي المقابل فهناك اتهامات للمهاجمين بالتصيد ومحاولة التعامل مع الدراما على أنها حلقة توثيقية صماء، متجاهلين المجهود الكبير في إظهار الحكاية بتلك الصور اللافتة، في حين تم تداول تصريحات مقتضبة لمؤلف العمل الكاتب عبدالرحيم كمال المعني عادة بالتاريخ، أشار فيها إلى جاذبية فكرة سيرة حسن الصباح بالنسبة إلى أي مبدع، ولفت إلى أن مشروع سيرته له علاقة بشكل أو بآخر بالحاضر بصورة مؤثرة.

وفي لعبة الدراما تكون القصة هي البطل دائماً، ومتعة السرد وتتابع اللقطات واختيار الكادر وتناغمه مع الموسيقى وأداء الأبطال، وتقطيع المونتاج وحركة الكاميرا، مع الحوار الذي يتصاعد بالقصة ويجعلها أكثر تشويقاً، وفي الغالب نجح صناع "الحشاشين" في تلك الناحية، لكن لا تمر الأعمال التاريخية بتلك السهولة، فالبحث والتنقيب عن التفاصيل يستهلك عدداً من المتابعين، وبعض منهم يعيبون على صناع المسلسل لجوئهم إلى "الاستسهال" في البحث واعتماد معلومات غير دقيقة، ويتساءلون لماذا الإصرار على تقديم حقبة تاريخية بعينها إذا كان الصناع سيلجأون إلى الـ "فنتازيا" أكثر من الأسانيد التاريخية ذات الثقة؟ ولماذا تختار اللهجة المصرية العامية بدلاً من الفصحى مثلما هو معتاد في تلك النوعية من الأعمال منذ أعوام، وبينها على سبيل المثال مسلسل "الطارق" الذي أخرجه أحمد صقر عام 2004 وقام ببطولته الراحل ممدوح عبدالعليم في شخصية طارق بن زياد، عن سيناريو ليسري الجندي، وتلك بعض من المآخذ التي وجّهت لصناع "الحشاشين".

 


ما بين حسن البنا وحسن الصباح

 فإلى أي مدى يتفق أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة محمد عفيفي مع حال الهجوم التي تشبه التربص؟

يقول عفيفي إن "العمل يقدم للمتلقي في عصر الوسائط المتعددة، ومن الباكر الحكم على التجربة بالكامل نظراً إلى عرض عدد قليل من الحلقات"، مرجعاً سبب الهجوم الكبير على العمل من قبل بعضهم إلى أن "هناك من يبحث عن قضية ليصنع حالاً من الجدل فوجد ضالته في هذا العمل"، ويتابع "هناك اندفاع كبير في الحكم والهجوم بثقة مطلقة"، مشيراً إلى أنه كمؤلف يتريث كثيراً ويتردد قبل الإدلاء بدلوه.

وأضاف، "جماعة الحشاشين كانت سرية مثلها مثل جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فإن هناك كثيراً من المعلومات حولها غير مؤكدة وتناولتها روايات متباينة، كما أن كثيراً من فصول تاريخهم كُتب على يد أعدائهم لأنهم كانوا جماعة ضد كل الأنظمة السياسية والحكام، مما يربك السرديات حولهم ويصيبها بالغموض، ومن هنا يصعب التيقن في شأنهم حيال بعض الأمور".
وما قاله أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة عن قلة المعلومات اليقينية حول حياة تلك الطائفة السرية وتشابهها مع الغموض الذي يحيط بأجواء تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر عام 1928 كتنظيم سري، يحيل النقاش بصورة تلقائية إلى ما يتردد عبر موقع "إكس"، بأن العمل ما هو إلا إسقاط للتحذير مجدداً من خطورة تلك الجماعة المصنفة إرهابية في مصر بعد إسقاطها من الحكم قبل 11 عاماً، مع سرد تشابهات كثيرة بين حسن البنا وحسن الصباح، وأيضاً مبدأ السمع والطاعة الأعمى لزعيم الجماعة، وكذلك اللجوء إلى أي فعل مهما بلغت درجة عنفه من أجل إثبات الولاء، وكذلك تبرير الخروج عن القيم لمجرد الحفاظ على الكيان.

ألفاظ أهل "تيك توك" على لسان أبطال القرن الـ11

ومن أكثر النقاط التي أخذت مساحة من الأخذ والرد اختيار اللهجة العامية التي هناك من وجد أنها أبعدت الرصانة عن العمل، بخاصة وأن مسلسل "رسالة الإمام" العام الماضي حرص صناعه على أن يجعلوا الشخصيات الرئيسة تتحدث الفصحى، فيما كان عامة الشعب يتحدثون العامية المصرية، وعلى رغم ضعف التبرير حينها وهو التفرقة بين عامة الشعب والعلماء الأكثر ثقافة، ولكن في الأقل كان الإمام يتحدث بعربية فصيحة سليمة، وبالتالي يجد بعضهم أن العامية في "الحشاشين" تضر كثيراً بالعمل وتخرجه من الأجواء التاريخية، ليس فقط لأن هناك ما يشبه الانفصال بين الأجواء كصورة تحمل عبقاً قديماً وروحاً ضاربة في القدم وبين ما يتفوه به الأبطال، ولكن لأن اللهجة المختارة عامية مصرية معاصرة تشبه تماماً الكلمات الدارجة حالياً، فقد جاء على لسان أحد الأبطال جملة "بعد إذن الحب"، وهي جملة شعبية تتردد بصورة اعتيادية في فيديوهات منصات مثل "تيك توك" وغيره، وهو ما اعتبره مجموعة من النشطاء أمراً لا يليق بعمل مهم مثل هذا.

والعامية ليست مرفوضة بحد ذاتها ولكن يجب أن تعبر عن فكر العصر السائد، فمثلاً العامية في الأفلام المصرية القديمة خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي جاءت على لسان الأبطال ابنة زمنها، بمفردات مختلفة تماماً عن واقعنا المعاصر، وبالتالي فالأولى أن يتحدث رجال ونساء القرن الـ11 بألفاظ تخصهم وتشبه عالمهم، وهنا يقول المؤرخ محمد عفيفي "إن المسلسل يقدم لجمهور اليوم وليس لأناس عاشوا حقبة الحشاشين، وبالتالي فالأفضل أن يكون قالب الحديث ملائماً لمشاهديه الحاليين".

تبرير معضلة اللغة

ويستشهد بعضهم أيضاً بأن المخرج الراحل يوسف شاهين لجأ للعامية المصرية في "المهاجر" عام 1994 على رغم أن الأحداث تدور في عصر فرعوني، ولكن يوسف شاهين أيضاً لجأ إلى الفصحى البسيطة حين تناول قصة تاريخية محددة في "الناصر صلاح الدين" عام 1963، وحتى لو اتبع خيالاً درامياً في بعض الحكايات الهامشية لكنه ظل متمسكاً بإطار متفق عليه، كما أن اختياره للعامية في فيلم "المهاجر" كان طبيعياً لأنه من غير الممكن أن يتحدث الأبطال بالهيروغليفية على سبيل المثال، ولكن المؤكد أن اللهجة أو اللغة ليست أزمة كبرى، فقبل أشهر تألق خوكين فينيكس في شخصة نابليون بونابرت في الفيلم الذي أخرجه ريدلي سكوت بعنوان "نابليون" وكان العمل بالإنجليزية وليس الفرنسية، ومثلها مئات الأعمال التي كانت تتناول قصصاً تاريخية لأبطال متعددي اللغات، ففي معظم الأوقات كانت اللغة التي تكون عادة لغة بلد الإنتاج توحد، وفي أوقات أخرى يلجأ لأكثر من لغة، وهي الفكرة نفسها التي ساقها مخرج العمل بيتر ميمي، والذي سبق وحقق حضوراً قوياً بمسلسل "الاخيتار" بأجزاءه المختلفة، وذلك في تدوينة له رد خلالها على بعض الانتقادات، كما أشار أيضاً إلى أن العمل من وحي التاريخ وليس وثيقة تاريخية، مستشهداً بأعمال عالمية شطح صناعها بخيالهم وقدموا الشخصيات التاريخية على غير حقيقة المتداول عنها تماماً.

وكل هذا كان يمكن أن يمر إذا كان هناك حرص واضح على اختيار الإطار التاريخي السليم، ففي ما يتعلق باللهجة مثلاً كان يمكن أن تبدو حديثة أو معاصرة مقارنة بالحقبة التي تتناول، وبالتالي فاللغة هنا مرهونة بالجمهور إذ تُعتبر مجرد وسيط لإبراز العمل، ولكن حتى الآن يبدو الأمر غير مفهوم بصورة كاملة في ما يتعلق بـ"الحشاشين"، ففي بعض المواضع أيضاً ومن دون تبرير واضح تستخدم الفصحى بصورة مفاجئة، مثلاً حين ظهر الخليفة المستنصر بالله "ياسر علي ماهر" يتحدثها، في حين أن كل من حوله يتلفظ بالعامية.

من جهته يشرح الباحث في تاريخ مصر والمذاهب الإسلامية وصاحب كتاب "الدعوة الإسماعيلية في مصر" حسن حافظ سبب اعتراضه على الطريقة التي استخدمت بها اللهجة في "الحشاشين"، مشيراً إلى أنه "من العادي اختيارها باعتبار أن العامية المصرية هي الأكثر تفهماً على مستوى العالم العربي ككل وأكثر قرباً للجمهور"، ولكن المشكلة الحقيقية في رأيه هي "نوع العامية المستخدمة"، متفقاً مع الآراء التي تقول إنها كلمات ومصطلحات من بنات هذه الأيام، ومن غير الممكن أن تأتي على لسان شخص يعيش في القرن الـ11، واصفاً التركيبات اللغوية المستخدمة في الحوار بأنها أقرب لمفهوم "الشبحنة"، أي رجال العصابات في المناطق الشعبية. وتابع، "كان يمكن أن تكون العامية وسيلة جذب حقيقية إذا احترمت واستخدمت في إطار عصرها، كما أن القائمين على العمل وقعوا في تناقض صريح، فكيف يختارون العامية لأنها تصل لأكثر من شريحة وفئة من المشاهدين، ثم يستخدمون اللغة الفرنسية في مشاهد أخرى ويلجأون إلى ترجمة الحوار على الشاشة والاعتماد على ملاحقة المشاهد للكلام المكتوب، مع أنه من الممكن اللجوء إلى الغة العربية البسيطة، والجمهور سيفهم من ملابس الشخصيات ولغة الديكور طبيعة الأدوار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أخطاء تاريخية وسرديات ضعيفة

وقبل نحو ثلاثة أعوام منع عرض مسلسل "أحمس" من بطولة عمر يوسف، والذي يتناول قصة الملك المصري الذي عاش في الأسرة الـ 18 بمصر القديمة، بسبب ما قيل حينها عن أخطاء تاريخية غير مقبولة تتعلق بمظهر الشخصيات والملابس، وذلك قبل أيام من عرضه في الموسم الرمضاني حينها، كما جاءت تلك الاتهامات بناء على عرض "برومو" ترويجي للعمل، وهي المفارقة التي استوقفت كثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن يتناولون بالبحث والتمحيص تفاصيل حلقات مسلسل "الحشاشين"، ويتفق معهم الباحث التاريخي حسن حافظ الذي يقول إن "صنّاع العمل تمسكوا ببعض التفاصيل المشكوك فيها".

ويضيف، "الأساس الذي بني عليه المسلسل ينطلق من نقطة باطلة وهي صداقة نظام الملك، الوزير السلجوقي، وعمر الخيام وحسن الصباح، في حين أنه لا يوجد أي مصدر تاريخي موثوق أشار إلى تلك العلاقة، فكلها روايات أدبية كتبت في القرن الـ 20 وهي من خيال مؤلفيها، فيما الواقع التاريخي يقول إن هناك فارقاً عمرياً بين نظام الملك والصباح بنحو 14 عاماً، وما بين نظام الملك والخيام بنحو 30 عاماً، فهناك استحالة عمرية بوجود الصداقة القوية بين الأشخاص الثلاثة كما تصورها الأحداث، وبالتالي فمن الغريب ابتلاع صنّاع المسلسل لهذا الطعم، فكيف يبنى المسلسل على خط درامي هش مثل هذا، بل يمثل أكذوبة تاريخية كاملة؟". ويعتبر حافظ أن "هذا يدل على الاستسهال في التدقيق، والذي ظهر أيضاً في كتابة اسم بد الجمالي على أنه بدر الدين الجمالي، فبدا وكأن الصناع اعتمدوا على موقع ويكيبيديا كمرجعية"، مبدياً استغرابه من الاستعجال في المراجعة والتوثيق.

ويشدد حافظ على نقطة أخرى تتعلق بتنفيذ الديكورات ومواقع التصوير، واصفاً ما جرى فيها بأنها "أخطاء فادحة"، مضيفاً أنه "بالنسبة إلى العمارة فهي كارثة متكاملة، فالعمل مبني على تصورات لمدينة القاهرة في العصر المملوكي، في حين أن الأحداث تدور في القاهرة الفاطمية، أي قبيل وقت طويل من حكم المماليك، وقد ظهرت المآذن كلها على الطراز المملوكي، كما قدمت مدينة أصفهان وكأنها مدينة مبنية على طراز هندي، في حين أنها كانت تحت حكم السلاجقة آنذاك وكان لمبانيها طابع تركي مميز، كما استخدم جامع من العصر العثماني وكأنه في قلعة الجبل في إيران، فهذا يسمى عدم دقة وعدم أمانة في العمل التاريخي".

محاكمة الخيال الدرامي

لكن أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة الأكاديمي محمد عفيفي يعود لينبه إلى أن "هناك فارقاً بين كتاب التاريخ والعمل الدرامي"، مبدياً اندهاشه من اعتبار بعضهم أن المسلسل يجب أن يلتزم بحذافير السرد التاريخي، مضيفاً أنه "حينها يكون من الأفضل اللجوء إلى فكرة الفيلم الوثائقي وليس الدراما".

وتابع، "اللافت أنه حتى في كتب التاريخ نفسها فهناك جدل حول قصة الحشاشين وتضارب كبير وتفاصيل كثيرة مختلف عليها، وعموماً لا يجب أن تكون الدراما تاريخاً صرفاً، فمن حق صناع العمل وضع رؤيتهم مع الالتزام بأساسات الموضوع بالطبع".
لكن الباحث حسن حافظ يعتبر أنه "من الضروري إبراز الفروق بين الدراما والتوثيق التاريخي"، إلا أنه يشدد أيضاً على أنه "حينما نكون بصدد عمل مستوحى من أحداث تاريخية فعلى القائمين عليه احترام مصطلح الدراما التاريخية أو الاستيحاء من أحداث بعينها والاحتفاظ بالمسار الأساس للأفكار"، مشيراً إلى أنه "من غير المنطقي أن تظهر شخصية فرعونية مثلاً في عمل درامي تستقل سيارة حديثة، لأنها تفصيلة لا تمت لروح العصر بصلة، وبالتالي فاحترام الحقبة أمر لا غنى عنه، وأن يكون هناك حرص على أن يظهر التصوير الدرامي أقرب ما يكون لما جرى حقيقة، وعدم المساس بالوقائع التاريخية، وكذلك عدم طغيان الخيال على الأحداث المعروفة".

 


"الإرهابي صار متصوفاً"

والمتابع لأعمال المؤلف عبدالرحيم كمال تسهل عليه ملاحظة تميزه وتحقيقه نجاحاً وشعبية منذ بداية تجربته التليفزيونية قبل 15 عاماً، كما يُعتبر من أبرز من مست أعمالهم الجانب الصوفي والروحاني الذي ظهر بصورة صريحة مرات، وفي مرات أخرى كان غير مباشر، وذلك في كثير من مسلسلاته الشهيرة ومن بينها "الخواجة عبد القادر" و"ونوس القلوب" و"جزيرة غمام"، ولكن في ما يتعلق بمسلسل "الحشاشين" فالباحث في المذاهب الإسلامية حسن حافظ يرى أن "طغيان هذا الجانب أثر سلباً بصورة كبيرة، إذ خرجت شخصية البطل الذي قاد فرقة للإرهاب والاغتيال والقتل وكأنه شيخ صوفي، وهو في الواقع لم يكن كذلك أبداً، فقد كان داعية إسماعيلياً تربى على أفكار الطائفة الفلسفية العميقة، وفي حين لم يركز على تلك النقاط فقد بدا البطل وكأنه ساذج يؤمن بالخرافات والأشباح، إذ اختزلت شخصيته في تصورات سطحية".

وبعض من هذه المآخذ رد عليها المخرج بيتر ميمي في تدوينة له قائلاً إنه يعلم أن هناك بعض الأحداث غير المتزامنة مع زيارة حسن الصباح لمصر، مثل الشدة المستنصرية، ولكنه صنع دراما مستوحاة من التاريخ ولم يقصد توثيق الأحداث، كما رد على كون الصباح شخصية شريرة ومع ذلك يمجد قصة حياته في عمل مصري بأنه كان أيضاً شخصية فذة وليس شرطاً أن يكون خيّراً، مذكراً الجمهور بالأعمال التي تناولت سيرة هتلر على سبيل المثال، وواعداً الجمهور بأن تجيب الحلقات على مزيد من الأسئلة المتعلقة بإظهار البطل وكأنه شخص مبارك تجري المعجزات على يديه.

وعلى رغم الانتقادات المتواصلة إلا أن المستوى المتقدم للتنفيذ الدرامي لا يزال محل إعجاب من قبل كثير من المتابعين الذين يعبرون عن آراءهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هل الإبهار وحده كاف لصنع عمل تاريخي مكتمل الجوانب؟

الناقد الفني إيهاب التركي يرى أن "المسلسل يقدم أحداثاً تاريخية ملحمية بصورة مبهرة ومضمون سطحي، وحتى الآن لم يصنع الأجواء الدرامية بصورة جذابة، ولم يسهم الحوار باللهجة العامية والطريقة التي ظهرت خلال العمل في إضفاء الأجواء الملائمة للأحداث التاريخية"، مشدداً على أن "المشكلة ليست في استخدام العامية بل في الأسلوب المكتوبة به، وهو أسلوب يلائم الرؤية السطحية التي ظهرت بها شخصيات العمل وجعلت من أحداث التاريخ ساذجة".

من جهته وجد المؤرخ محمد عفيفي أن الإنتاج الضخم في "الحشاشين" ميزة كبرى، وتميز مستواه يعيد الدراما التاريخية المصرية للمنافسة مع نظيرتها الإيرانية والتركية، مشيداً بتكنيك الإخراج والتصوير ومعتبراً أن "بداية الحلقات جيدة حتى الآن".

وختم الباحث في التاريخ المصري حسن حافظ كلامه بالقول إنه يرى أن "العمل لم يعد له بصورة جيدة، كما بدا واضحاً أن صناعه ليسوا على دراية كافية بالطائفة الإسماعيلية النزارية"، مما أدى من وجهة نظره إلى "نوع من التخبط بسبب المبالغة في الخيال الدرامي الذي تحول إلى هزل صريح"، علة حد قوله.

وتواصلت "اندبندنت عربية" مع المؤلف عبدالرحيم كمال للرد ولكنه فضّل التعليق مع نهاية عرض حلقات العمل.

المزيد من فنون