Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وهران الجزائرية... جاسوسية أوقعت مدينة الحضارات في الأسر 3 قرون

أسست عام 902 على يد البحارة الأندلسيين ومنذ ذلك الحين أصبحت موضع صراع بين الأمويين في إسبانيا والفاطميين في القيروان

تعتبر المدينة الساحلية وهران ميناءً مهماً ومفترق طرق تجارياً أساسياً للمنطقة بأكملها (les tribus arabes d'algérie)

 

ملخص

ما هو ثابت من خلال الكتب والعلماء الذين أتوا على ذكر المدينة مرورها بحقب تاريخية صنعت معالمها وملامحها وتضاريسها

نمط عمراني تزخر به مدينة وهران ثاني كبرى المدن الجزائرية يجمع بين النمط الفرنسي والإسباني والأندلسي، في فسيفساء تعكس عراقتها وجمالها الأخاذ، لتروي تاريخاً من الحضارات التي مرت من هناك، وكرست عادات وتقاليد لا غنى عنها بين السكان.

وفي ذكرى التحرير الثاني لوهران في الـ27 من فبراير (شباط) 1792، المدينة الساحلية الواقعة في الشمال الغربي على بعد 432 كيلومتراً من الجزائر العاصمة، يعود عبق الحضارات المتعاقبة الشاهدة على كنوز تاريخية ونقطة التقاء الطرق التجارية، فكل مكان فيها يقترن بقصص تمتزج بأساطير تتردد على ألسن الأهالي وكأنها حقيقة لا غبار عليها.

مدينة الأسد

ولعل هذا ما ذهبت إليه الكاتبة الجزائرية ربيعة موساوي في كتابها "وهران تاريخ وأساطير" الصادر عام 2016، حين قالت "مدينة نصفها حقيقة ونصفها خيال... نصفها عادات ونصفها معتقدات، نصفها تاريخ ونصفها تطور حضاري، مدينة لا تزال تردد على أذهان زوارها قصصاً وأساطير".

ويؤخذ اسم وهران من هذه الرمزية الأسطورية التي تأتي من الكلمة العربية "وهر" وتعني الأسد، حيث تتداول المصادر الشعبية أنه عام 900 تقريباً، كانت تعيش عديد من الأسود في المنطقة وآخر أسدين تم اصطيادهما كانا على الجبل قرب وهران، على رغم أن غالب المؤرخين لم يوردوا هذا التفسير، لكن ما هو مرجح أن يعود الاسم إلى أصله الأمازيغي، نسبة إلى وادي الهاران، وبحسب رواية أخرى فإن التسمية تعود لصائد أسود يدعى سيدي معقود المهاجي قام بترويض أسدين، ليصبح الأسدان رمزاً للمدينة، التي تم تنصيب تمثالين برونزيين كبيرين لهما أمام مقر البلدية.

غير أن ما هو ثابت من خلال الكتب والعلماء الذين أتوا على ذكر المدينة مرورها بحقب تاريخية صنعت معالمها وملامحها وتضاريسها، على غرار عالم الاجتماع ابن خلدون الذي قال عنها "وهران متفوقة على جميع المدن الأخرى بتجارتها وهي جنة التعساء، من يأتي فقيراً إلى أسوارها يذهب غنياً". أما ديانا ويلي، أستاذة التاريخ في جامعة بوسطن، فذهبت بعيداً حين توصلت إلى كون "وهران تمثل بداية لمفهوم العولمة، ففيها ما يكفي من شواهد اختلاط الحضارات منذ العهد الوسيط".

ميناء مهم

وما يؤكد الشواهد التاريخية الباقية لحد اليوم، معلم باب كانستيل الذي تم تشييده في عهد المرينيين عام 1734، إذ قام الإسبان إبان احتلالهم وهران، بتدعيم البوابة وتحصينها، في حين يؤرخ قصر الباي الواقع بحي سيدي الهواري العتيق للحقبة العثمانية وبقي شامخاً على مر التاريخ، ليهدي زائريه متعة النظر لروعة عمرانه، فلم تتمكن السنوات من محو جمالية تصميمه ليبقى محفوراً في ذاكرة السكان، فقد شيده محمد باي الكبير بن عثمان، في نهاية القرن الـ18 الميلادي متخذاً إياه مقراً لإدارة شؤون الرعية في غرب البلاد، وعرف بـ"بايلك الغرب".

وهكذا أسست وهران عام 902 على يد البحارة الأندلسيين، ومنذ ذلك الحين أصبحت موضع صراع بين الأمويين في إسبانيا والفاطميين في القيروان. وتم تدميرها أكثر من مرة ولكن كانت تولد من جديد من رمادها بإرادة سكانها الذين يواصلون تشكيل تحالفات أحياناً مع الفاطميين وأحياناً أخرى مع الأمويين. واستمرت حالة عدم الاستقرار حتى عام 1016، وهو العام الذي استولى فيه الأمويون على وهران حتى عام 1081، تاريخ ظهور الإمبراطورية المرابطية التي استمر حكمها حتى عام 1145، وفي هذا الوقت توفي آخر أمراء المرابطين.

وتعتبر المدينة الساحلية ميناءً مهماً ومفترق طرق تجارياً أساسياً للمنطقة بأكملها، وغالباً ما كانت العقدة المستعصية لجميع الصراعات التي تندلع. وبينما وقع الحصار المريني الأول لوهران عام 1296، حاول ملوك تلمسان الجزائرية المجاورة استعادة وهران عام 1368، تحت حكم أبو حمو موسى الثاني الزياني.

جواسيس

في ذلك الحين ظلت وهران تثير الرغبة داخل مملكة تلمسان، وقد أضعفتها هذه الصراعات التي لا نهاية لها، مما سهل غزو الإسبان للمنطقة عام 1509. هذه الأخيرة دخلت المرسى الكبير قبل أربعة أعوام لتمكث بها مدة ثلاثة قرون.

ففي الثاني من يناير (كانون الثاني) 1492 ميلادي سقطت آخر قلاع المسلمين في الأندلس، لتقع غرناطة في يد الملك الإسباني الكاثوليكي فرديناند وزوجته إيزابيلا، وبدعوى ملاحقة الموريسكيين والحد من هجماتهم، تم وضع سواحل المغرب العربي على خط المواجهة والغارات العسكرية، وفي تلك الأثناء، كان الغرب الجزائري محكوماً من طرف الزيانيين تحت مسمى الدولة الزيانية، والتي كانت تشهد هواناً في الحكم، ليستغل الملك فيرديناند ذلك مرسلاً أحد جواسيسه يدعى باديلا إلى عاصمة الدولة الزيانية بتلمسان من أجل جمع معلومات عن سواحل الجزائر بما فيها مدينة وهران، وبها مكث الجاسوس عاماً كاملاً يجوب فيها الغرب الجزائري متنكراً بزي تاجر، بعدها أعد تقريراً للملك فرديناند أعطى من خلاله الضوء الأخضر لبداية الحملة الإسبانية على وهران، لكن وفاة الملكة إيزابيلا عام 1504 أجلت خطة احتلال وهران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصر فرديناند على مواصلة حربه ضد المسلمين الفارين من الأندلس، وأمر جاسوساً إيطالياً يسمى جيرونيمو فبانيلي بالتوجه إلى وهران وإعداد خريطة للمدينة ومينائها المرسى الكبير، وهو ما نجح فيه ليغادر الأسطول الإسباني ميناء ملقا في الـ29 من أغسطس (آب) عام 1505 باتجاه المرسى الكبير.

في الـ11 من سبتمبر (أيلول) وصلت الحملة الإسبانية التي تتشكل من عشرات السفن وآلاف الجنود إلى المرسى الكبير، وبعد معارك شرسة استمرت طوال 50 يوماً، دخل الإسبان وقد ارتكبوا بحسب مؤرخين، مجازر دامية في حق سكانها. ويستحضر المؤرخ توفيق المدني ذاكرة سقوط وهران في كتاب "حرب 300 سنة"، فيوضح "أعمل الإسبان السيف في رقاب أهلها إلى الحد الذي سقطت معه دموع القائد الإسباني نفسه أمام هول المجازر التي لحقت بأهل المدينة المسلمين، الذين قتل منهم ما يزيد على 4 آلاف فرد، وأسر ما يزيد على 8 آلاف، سيقوا عبيداً إلى إسبانيا".

أول تحرير لوهران

وأيضاً مما جاء في تقييدات ابن المفتي في تاريخه الذي ألفه عام 1755 حول أشهر الجواسيس الذي اتكأ عليهم الاحتلال الإسباني، حين أتوا للأميرال العثماني الجزائري باشا علج علي (حكم الجزائر ثلاث سنوات من مارس "آذار" 1568 إلى أبريل "نيسان" 1571)، برجل من ناحية قلعة بني راشد اسمه بن عودة معروف بالتجسس، كان يرسله الإسبان من وهران إلى مدينة الجزائر ليأتيهم بالأخبار. ومعلوم أن باشا علج علي كان له 12 جاسوساً ببايلك الغرب يزودونه بأخبار الإسبان في وهران وجواسيسهم في المنطقة، وقد اجتمع جواسيس الباشا في أحد الأيام مع بن عودة في إحدى المدن فارتابوا بأمره. وبعد أن كسبوا ثقته أخبرهم باسمه، وأفضى إليهم بتعاونه مع الإسبان وكسبه الأموال من ذلك ليعرض عليهم الانضمام إليه فلما تحققوا من أمره ألقوا القبض عليه وأتو به إلى باشا، الذي اعترف له عقب التحقيق معه بجميع ما نسب إليه من أفعال، فأمر الباشا بإلقائه موثقاً في صندوق البناء وملء الصندوق بمواد الخرسانة لينهي حياته بعد ذلك.

وبعدها كان عام 1705 هو أول تحرير لوهران، حين جعلها باي بوشلاغم باي بايلك الغرب ضمن أيالة الجزائر في العهد العثماني مقراً له، لكن ذلك تم من دون عناد الإسبان الذين استعادوا حيازتها عام 1732، بفضل أسطول أكبر من الأول.

ويروي المؤرخ حنيفي هلايلي من جامعة سيدي بلعباس الجزائرية بناءً على دراسة تطرقت لوثائق منشورة بمكتبة مدريد تروي تفاصيل مشاريع الاحتلال الإسباني، بأن "الإسبان في احتلالهم الثاني لوهران غيروا استراتيجيتهم بالانفتاح على سكان المناطق الداخلية لربط علاقات تجارية وثقافية، وتفيد تقارير قادة عسكريين حول استعمال الجاسوسية والتعامل مع قبائل جزائرية كان قد أشار إليها الشرفي عبدالقادر، وما أسماهم بالمغاطيس الموالين للإسبان ومعروفين بوضع وشم على أيديهم لمعرفتهم، ويتمثل عملهم بخطف النساء والأطفال وبيعهم للإسبان لمقايضتهم بالأسرى الإسبان لدى الجزائريين".

وفي الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 1792 أيضاً، حاصر المدينة رجال محمد بن عثمان المعروف بمحمد الكبير، وكان الأخير على وشك الاستيلاء على المدينة، وخلال الليلة الأولى للحصار، دمر زلزال عنيف وهران، ونظراً إلى هول الكارثة ترك أمر دفن الإسبان لقتلاهم وعلاج جرحاهم، قبل أن يوقعوا على معاهدة الانسحاب وترك الحكم للبايات الذين تداولوا عليها حتى عام 1830.

هذا العام، وبعد الاستيلاء على الجزائر العاصمة من قبل قوات الاستعمار الفرنسي، نزل في المنطقة سرب بقيادة الكابتن دي بورمونت حيث لم يتمكنوا من الاستيلاء على المدينة حتى يناير 1831.

موجات هجرة

لكن أعيد تنظيم المدينة بين عامي 1841 و1847، من قبل الجنرال لاموريسيير ليتم تهجير السكان الأصليين وتتدفق موجات الهجرة الأوروبية إلى وهران، ومع انتشار وباء الكوليرا في الفترة من الـ11 من أكتوبر إلى الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1849، أودى بحياة 1817 شخصاً.

ولم تسلم المدينة في أوج الحرب العالمية الثانية في يوليو (تموز) 1940، من تعرض الأسطول الفرنسي التابع لحكومة فيشي، المتمركز في المرسى الكبير، للقصف من قبل الأسطول الإنجليزي، مما تسبب في مقتل 1000 جندي في صفوف الفرنسيين.

ومع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية ما بين عام 1954 و1962 يحكي مبنى البريد المركزي بوهران تاريخ النضال ضد الاحتلال الفرنسي، حين شهد أشهر عملية سطو لتمويل الثورة، التي لا تنسى أيضاً مسقط رأس عدد من الشخصيات المؤثرة التي ساعدت على كتابة التاريخ، ومن أبرزهم أحمد زبانة وهو أول جزائري يعدمه الاحتلال الفرنسي عام 1957.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات