كم تبدو هذه المصادفة غريبة حقاً: أن يرد اسم "كورونا فايروس" قبل ثلاث سنوات وتحديداً في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 في كتاب من سلسلة الشرائط المصورة (أو القصص المصورة) الشهيرة عالمياً التي تحمل عنوان "أستريكس" (Asterix)، وأن يجسد هذا الوباء شخصٌ مقنع يخوض معركته في إيطاليا أيضاً ضد الفارسين المعروفين اللذين ينتميان إلى بلاد الغال الأوروبية القديمة: البطل أستريكس ورفيقه أوبليكس ذو الروح الساخرة والذي اكتشف ما يُسمى المشروب السحري الذي يساعدهما دوماً في معاركهما ضد الرومان. البطل الشرير المتخفي وراء قناع، يُدعى حرفياً "كورونا فايروس"، والمواجهة هي عبارة عن سباق حاسم يشرف عليه القيصر الروماني، بين الثنائي الغالي والفارس المقنع في إيطاليا.
كان اسم "كورونا فايروس" عادياً وغير لافت عندما أطلقه الكاتب جان إيف فيري والرسام ديديه كونراد على البطل المقنع قبل ثلاث سنوات، ولم ينتبه له قراء الكتاب الذي حمل عنوان "أستريكس وسباق العربة" (عدد 19 أكتوبر 2017) وهم يعدون بالملايين في اللغات العالمية كافة التي تُترجم إليها السلسلة. أما الآن، فبدت هذه التسمية المستغربة مصادفة كبيرة لا سيما أن إيطاليا تُعدُّ أحد البلدان التي يفتك فيها هذا الوباء. وعندما انتبه بعض القراء في اللغات الأجنبية إلى الاسم، سرعان ما نشروا الخبر المفاجئ على وسائل التواصل الاجتماعي، فتلقّفته صحف فرنسية وأجنبية عدّة لتثير قضية هذا "التنبؤ" أو الاستشراف أو التوقع الذي لم يكن منتظراً. وأعادت هذه المواقع والصحف نشر مقتطفات من الشريط المرسوم مبرزةً اسم "كورونا فايروس" الذي يهتف به الجمهور المتخيل الذي يتابع السباق بحسب القصة. وعاد بعضهم إلى هذا العدد من السلسلة ليستعيدوا قصة هذا السباق المحموم الذي يخوضه الثنائي أستريكس وأوبليكس اللذان ينتميان وفق الفكرة الرئيسة في الشرائط المرسومة، إلى بلاد الغال التي تواجه حكم روما المحتلة قبل خمسين سنة من المسيحية.
وهنا يبدو أن "كورونا فايروس" ينتمي إلى الاحتلال الروماني وعلى رأسه القيصر، وقد استخدمه هذا الاحتلال في شخص فارس مقنع ليواجه به الفارسين اللذين يدافعان عن بلادهما ضد العدو. هذا التأويل السياسي قد يوافق الإشاعات الشعبية التي رافقت انتشار وباء الكورونا ومفاد بعضها بأن أميركا هي التي أوجدت هذا الوباء لتحارب به الصين، بينما قال بعضها الآخر إنّ الصين هي التي كانت تعمل على إيجاد هذا الوباء لمحاربة أميركا به، فانقلب عليها.
ولئن كانت العربية هي إحدى اللغات العالمية التي تُرجمت إليها سلسلة "أستريكس" تحت عنوان "أستريكس بطل الأبطال"، فهذه الشرائط المصورة لم تلقَ رواجاً كبيراً، بل ظلت محصورة داخل دائرة صغيرة، على خلاف رواجها في أوروبا وسائر أقطار العالم ولا سيما الصين، وقد أدمن – ويدمن- عليها قراء من الأجيال والأعمار والمشارب والمواقع الثقافية كافة. طلاب مدارس وجامعات، أساتذة وأكاديميون، موظفون وعمال... والمفاجئ أن كتّاباً كباراً ومفكرين وفنانين وعلماء يقرأونها أو هم اعتادوا قراءتها في فترات منذ انطلاقها عام 1959 في أوج التحولات الثقافية التي شهدها العالم في حقول عدّة. وقد كتب عن هذه السلسلة أو ما يُسمى ثقافة "أستريكس" نقاد كبار من أمثال أومبرتو ايكو ورولان بارت وسواهما. وفي أحيان لا تفسر الحماسة التي يبديها القراء حيال هذا النوع من الكتب التي تجمع بين السرد والرسم، والتي تفتح المخيلة على مصراعيها وتخوض مغامرات تتخطى أحياناً في طرافتها حكايات دون كيشوت. واللافت أنّ الأحداث والحكايات والطرائف تدور في مرحلة النصر الكبير الذي حقّقته روما قبل خمسين عاماً من المسيحية، وتشمل مناطق عدّة من العالم القديم مثل فينيقيا ومصر (كليوباترا) والبلاد الغوطية وعالم البحر والقراصنة. وتتميز قصص أستريكس بالحركة والنقلات السريعة واللمحات الطريفة الساخرة وتنبع الفكاهة في القصص من اللعب بالألفاظ والمفردات والجمل.
هذه السلسلة أسّسها الكاتب الفرنسي رينه غوسيني والرسام الفرنسي ألبير أودرزو عام 1959 وبعد وفاة غوسيني عام 1977، واصل أودرزو العمل وحده إلى أن تعاون مع الكاتب جان إيف فيري والرسام ديديه كونراد.
أدى نجاح السلسلة إلى تحويل كتب عدّة منها إلى عالم السينما (ثمانية أفلام من الرسوم المتحركة، وثلاثة أفلام عادية). واقُتبس من عالمها عدد من الألعاب ضمت شخصياتها الرئيسة، وأقيم بالقرب من باريس، متنزه باسم بارك أستريكس. وحتى الآن، بلغت مبيعات كتب السلسلة في أنحاء العالم 350 مليون نسخة، ممّا جعلها من الأكثر مبيعاً في العالم. لكنها تفتقر إلى مثل هذا النجاح في الولايات المتحدة واليابان التي لم يتفاعل القراء فيهما مع هذه السلسلة، علماً أن اليابان عريقة في هذا الفن الذي يُسمّى "مانغا".