لم يحجب تفشي فيروس "كورونا" على مستوى واسع في مختلف المناطق اللبنانية، وتكثيف الجهود الحكومية لاحتوائه، الاهتمام الرسمي عن مواكبة قرار الحكومة تعليق دفع استحقاق سندات الـ "يوروبوندز"، في ظل فترة السماح المتاحة أمامها لمدة أسبوع قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ اعتباراً من 17 مارس (آذار) الحالي.
ويتركز الجهد الحكومي على متابعة ما يمكن أن تصل إليه المفاوضات التي بدأها الاستشاري الدولي المكلف من الحكومة "Lazard" مع الدائنين الخارجيين، بينما سيقوم بمفاوضات مماثلة مع الدائنين المحليين أي المصارف، من خلال الاستشاري الدولي الذي تعاقدت معه "Houlihan Lokey" للغاية ذاتها، وذلك قبل انقضاء مهلة الأيام السبعة، تلافياً لإعلان التعثر غير المنظم والذي سيرتب على لبنان، في حال حصوله، تداعيات قانونية وقضائية واقتصادية ومالية ضخمة.
إقناع الدائنين
وبحسب المعلومات الضئيلة المتوافرة بفعل التكتم الشديد الذي يحوط المسار التفاوضي من جهة، وعدم وضوح الرؤية حيال الخيارات المتاحة من جهة أخرى، فإن لبنان يسعى إلى إقناع الدائنين بإعادة هيكلة دينه من خلال إعادة جدولة الآجال واقتطاع نسب معينة من أصل الدين، بعدما ترددت معلومات عن إمكانية دفع الفوائد المستحقة بهدف تخفيف وطأة الهيكلة على الدائنين، علماً أن اقتطاع نسبة من أصل الدين سيؤدي حكماً إلى خفض حجم الفوائد المستحقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت المصارف تقدمت باقتراحين رفضتهما الحكومة، يقضي الأول بتحرير مبلغ 800 مليون دولار من الاحتياطات المجمدة لدى المصرف المركزي من أجل سداد الاستحقاق في موعده، أي في التاسع من مارس، ولكن الحكومة رفضت هذا الاقتراح على قاعدة أنه يستنفد جزءاً من احتياطات المصرف المركزي بالنقد الأجنبي.
ومع انقضاء تاريخ الدفع، عادت المصارف إلى تقديم اقتراح باسترداد السندات من حامليها من الأجانب، إذ ستصبح ديناً داخلياً، يخفف من وطأة الضغط الخارجي بمسألة التخلف، ولكن هذا الاقتراح لم يلق بدوره أي تجاوب باعتبار أن التمويل لن يكون من خلال استقدام المصارف لأموال جديدة من الخارج، تضخّها في الداخل، بل من احتياطاتها لدى المركزي، وهذا ما ترفضه الحكومة على خلفية رفضها القاطع المس بالاحتياط الذي بلغ مستويات حرجة جداً بالكاد تكفي لتأمين استيراد المواد والسلع الأساسية حاجة البلاد حتى نهاية السنة.
الإجراءات الموجعة
وبموازاة المفاوضات الجارية على هذا المستوى، تكثف حكومة الرئيس حسان دياب اجتماعاتها من أجل التعجيل بإنجاز الخطة الاقتصادية الواردة تحت عنوان "معالجة الأزمة والتعافي"، وهي رباعية الأهداف، وترمي إلى هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي واستعادة تعافي الاقتصاد وتفعيل شبكات الأمان الاجتماعي. وكانت الحكومة شكلت خمس لجان استشارية، ومالية، ونقدية، واقتصادية، واجتماعية، عملت وفق اختصاصاتها على تقديم اقتراحاتها إلى لجنة مركزية، تعمل على جمعها وتوثيقها لإخراجها بصيغة موحدة ترفع إلى مجلس الوزراء لإقرارها بعد درسها وإدخال التعديلات وفق ما يراه المجلس ملائماً.
وكان رئيس الحكومة قدم عرضاً أمام الاجتماع المالي الذي عقد في قصر بعبدا الأسبوع الماضي، وحصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، وفيه استعراض للإجراءات الماكرو مالية التي تلحظ الدين العام واستراتيجية التمويل، وهيكلة القطاع المصرفي، وتحديد حاجات التمويل الخارجي، والهدف تحقيق الاستقرار على مستوى القطاعات الاقتصادية كافة.
إصلاح قطاع الكهرباء
وأورد العرض إجراءات أساسية في مجال إصلاح قطاع الكهرباء ضمن الخطة التي أقرها مجلس الوزراء، وإقرار نظام للتقاعد ووقف التسرب المالي في الإدارة العامة، وعلى المدى الطويل، العمل على إعادة الثقة في السياسة المالية، بهدف تفادي أي انزلاقات مالية محتملة في المستقبل تهدد الاستقرار الماكرو اقتصادي.
ويكشف أحد أعضاء اللجان، الذي رفض الكشف عن اسمه، لدواعي التكتم المطلوب من رئاسة الحكومة حيال العمل الجاري، أن اللجان لا تزال تحتاج إلى حوالى ثلاثة أسابيع لإنجاز عملها، بما يتيح استكمال كل بنود الخطة الاقتصادية، وإذ رفض الكشف عن الإجراءات التي تقترحها الخطة، كشف عن أنه لا يزال من المبكر الحديث عن هذه الإجراءات لأنه لم يتم الاتفاق عليها، مؤكداً أن الأولوية حتماً هي للوضعين المالي والنقدي، ولكن النقاش لا يزال جارياً حول المقاربات المطلوب اعتمادها في المرحلة التي وصفها بـ "الانتقالية"، كاشفاً أن الآراء لا تزال متباعدة ومتباينة حيال بعض المسائل والملفات التي لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدرس.
لكنه كشف عن أنه بعد التوافق على المقاربة، يأتي دور البحث في خيارات التمويل المتاحة، وهل التمويل المحلي متوافر أو كاف، وما ستكون حصة التمويل الخارجي المطلوب، وهل يمكن توفيره، وهل يكون عبر صندوق النقد الدولي أو لا؟ ولذلك يرى المصدر المذكور أنه قبل الانتهاء من حسم خيارات التمويل الداخلي والخارجي وحجمه وشروطه، يمكن عندها تبين مدى إمكانية الالتزام بالإجراءات المقترحة، ومعرفة تأثيرها في اللبنانيين.
تحرير سعر الصرف؟
لكن بعض المسلمات بدأ يتردد على لسان بعض المسؤولين في السلطة، ومنها أن تحرير سعر الصرف بات خياراً أكثر قبولاً من السابق، وقد تلجأ إليه الحكومة، في ما لو تمكنت من تأمين التمويل الكافي لتغطية الزيادات التي ستستجد على كتلة الأجور بفعل تدهور القدرة الشرائية، ومن المسلمات أيضاً عدم زيادة أسعار المحروقات، وعدم فرض أي زيادات ضريبية. ولكن، من أين ستؤمن الدولة الإيرادات المتدهورة لتغطية نفقاتها الملحة من رواتب، وأجور، وخدمة دين عام؟
هناك سلسلة من الإجراءات المالية التي تسلك طريقها إلى التنفيذ وتتصل بعمليات اقتطاع من الودائع "Haircut" لا يزال البحث جارياً في آلياتها، وهل تكون عبر اقتطاع نسبة من الودائع التي تفوق 500 ألف دولار أو مليون دولار، ووضع قيود على حركة الودائع التي تفوق 100 ألف دولار على امتداد ثلاث سنوات، أو تكون عبر مقايضة جزء من الودائع بأسهم لدى المصارف؟
خيارات موجعة
حتى الآن، لم تحسم الحكومة خياراتها "الموجعة"، ولكن الأكيد أنها ناجحة جداً في الترويج لسقوف عالية تخلق الذعر لدى المواطنين، تمهيداً لقبولهم بإجراءات أقل قساوة ووجعاً، ولكن لا يعني أنها ليست موجعة حقاً، خصوصاً أن كل الإجراءات ستتركز على كتلة الودائع المصرفية، كون اللجوء إلى الضرائب سيكون ضرباً من الجنون في اقتصاد منكمش ونموه سلبي!