تتفاقم الانتقادات التي تتناول الحكومة الجزائرية برئاسة عبد العزيز جراد. ويتركز الهجوم الذي تشارك فيه أطرافٌ سياسية عدة على تعامل السلطة التنفيذية مع الانتشار السريع لوباء كورونا. وازدادت حراجة موقف جراد إثر دعوته المتظاهرين في الحراك الشعبي للعودة إلى منازلهم ولو مؤقتاً. فارتفعت الأصوات والانتقادات ضده، لا سيما من أحزاب في التيار الإسلامي اغتنمت "الفرصة" لتصفية الحسابات.
ويعتبر كثيرون من المنتقدين أن السلطات الجزائرية تأخرت في التعامل مع الانتشار السريع لكورونا، في ثلاث محافظات على الأقل (54 حالة مؤكدة وأربع وفيات حتى الاثنين). ومن تلك الإجراءات المتأخرة، تعليق الرحلات الجوية من أوروبا وإليها، ابتداءً من الثلاثاء 19 مارس (آذار) الحالي.
وبدا جراد في موقف محرج طيلة الأسبوعين الماضيين، إذ عجز عن توجيه نداء إلى نشطاء المسيرات الشعبية كل ثلاثاء وجمعة من أجل تعليق تحركاتهم مؤقتاً ضمن جملة من الإجراءات التي أعلنتها السلطات الجزائرية، الاثنين 16 مارس، حين جمدت كل التجمعات.
وقال جراد للإذاعة الجزائرية، الأحد 15 مارس، "لم أجد ما أقوله للحراكيين، دول العالم كلها تعاني من الوباء الخطير واتخذت جميع الإجراءات الوقائية اللازمة، أقول للحراكيين حذارِ ثم حذارِ من اختراق الحراك، وأنا على يقين أن الشعب الجزائري واع".
أضاف جراد "لسنا في صدد الاستخدام السياسي للحراك مثلما يفعل البعض... لكن حذارِ، الأمر يتعلق بصحتكم وحياتكم، لا أقول لكم لا تخرجوا في المسيرات، لكن وجب عليكم أخذ الاحتياطات عند الخروج، لتفادي المساس بصحتكم".
وواجه نشطاء في الحراك الشعبي نقداً إلى جراد، قبل إعلانه حظر الطيران الدولي نحو أوروبا، خصوصاً فرنسا، إذ دعوا الحكومة إلى "إقرار إجراءات صارمة في المطارات والمنافذ البحرية والبرية، قبل التوجه بخطاب التوعية للمسيرات".
وحذر جراد من أن الفيروس "إذا ما انتشر عبر الوطن... سنغدو في مرحلة أخرى... ننتظر من المواطنين وعياً جماعياً، نحن أمام حرب بيولوحية وصحية، وجب علينا الاتحاد والاتفاق للحفاظ على الصحة العامة، فالوضع لا يستدعي إعلان حال الطوارئ، ولكن وجب اتخاد الاحتياطات اللازمة، خصوصاً ونحن قريبون من أوروبا، التي تعتبر حالياً المركز العالمي للوباء".
ذرائع ونداء
يؤمن ناشطون في الحراك الشعبي أن الحكومة تبحث منذ شهور عن ذرائع لوقف الحراك، وترقبوا إجراءً مباشراً من الحكومة في هذا السياق.
وعلى الرغم من ذلك، بادر رموز في المسيرات الشعبية، بشكل مفاجئ، إلى إصدار بيان، وزّع عبر غالبية المنصات التي تتابع أخبار الحراك، يدعو إلى تعليق التظاهر.
وورد في نص النداء "منذ 22 فبراير (شباط) 2019 يستمر الجزائريون في التعبير في تظاهرات سلمية عن مطالب ديمقراطية ملحة، إن هذه الاستمرارية والمسار النضالي المفعم بروح الالتزام والزاخر بالمنجزات هو نتاج تمسك المناضلين بتحقيق ديمقراطية حقيقية يكون فيها الإنسان مركز التفكير والتدبير وتسود فيها القوانين وتحترم فيها المؤسسات".
تابع البيان إن "التطورات الراهنة ذات العلاقة بانتشار فيروس كورونا، فرضت إجراء تقييم موضوعي بادرت إليه نخبة من المختصين تأخذ فيه مصلحة الشعب وسلامة المتظاهرين والمناضلين الأولوية القصوى. ونظراً لعدم الثقة في نجاعة التدابير التي تتخذها السلطات العمومية إزاء حماية الصحة العامة للمواطن، ناهيك عن الوضع المقلق للمنظومة الصحية بسبب سوء التدبير، وانطلاقاً من أن المسؤولية الأخلاقية في هذا الظرف والوعي بدقة المرحلة، علينا الإقرار بوجود مخاطر متعاظمة تمس السلامة البدنية للجزائريين والصحة العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عليه "ندعو الطلبة والمناضلين من أجل الديمقراطية والحريات إلى تعليق ظرفي لتظاهرات الحراك الشعبي، وإبداء الاستعداد للمساهمة في أي مجهود مجتمعي تعاضدي لمواجهة أي تطورات تمس سلامة الصحة العامة، إن تعليق التجمعات والتظاهر السلمي لا يعفي من الاستمرار بأشكال سلمية أخرى وممكنة في رفع المطالب الديمقراطية والدفاع عن الناشطين الموقوفين الذين يتوجب إعادة تمتيعهم بحقهم في الحرية".
"كورونا" ورقة إسلاميين
متاعب حكومة جراد مع انتشار كورونا، لا سيما في محافظة البليدة (50 كلم جنوب العاصمة)، لم تكن نابعة من "قصر الإجراءات" فحسب، فقد توالت خطابات النقد من أحزاب إسلامية كانت "حليفة" إلى وقت قريب، وباتت تتحدى السلطة التنفيذية وتدعوها إلى رفع قرار حظر التظاهر مؤقتاً أو بتعليق كلي للرحلات بين الجزائر وأوروبا.
ودعا رئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، "الحكومة إلى غلق المجال الجوي، خصوصاً مع أوروبا على الأقل، لمدة أسبوعين، بعدما تحولت القارة الأوروبية إلى بؤرة الوباء الأولى وإعلان دول عدة فيها عدم قدرتها على محاصرة وباء كورونا".
ونصح بن قرينة السلطات الصحية إلى "رفع الاستعدادات والاحتياطات عبر المستشفيات الوطنية لمحاصرة هذه الحالة في أي مكان ظهرت وعدم الاقتصار على الاحتياطات المتخذة الآن، لأنها لا ترتقي إلى ما سجل من تصاعد الوباء في دول أخرى".
وحض رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري السلطات الجزائرية على اتخاذ "سياسات أكثر سرعة وفاعلية"، معتبراً أن "التأخر في المنع المؤقت للرحلات بكل أنواعها من الدول الأوربية وبقية الدول الموبوءة وإليها غير مفهوم، ويبدو أن المطارات هي أكثر المواقع الناقلة للوباء".
وعابت الحركة على الجزائر استقبال وزير الخارجية الفرنسي دون إيف لودريان، الخميس 12 مارس، ووضعته في سياق الشعور المتواصل بالدونية تجاه الضفة الشمالية للمتوسط.