هوى سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، أمام الدولار الأميركي الأربعاء، في ظل الاضطراب المُستمر بأسواق المال العالمية، ووصل الجنيه في مرحلة ما إلى 1.15 دولار، وهو أدنى مستوى لسعر صرفه منذ العام 1985، كما أنّ معدل الهبوط الذي بلغ نسبة 4 في المئة يعدُّ كبيراً في سوق العملات.
التفسير السريع لهبوط الإسترليني هو قوة الدولار الأميركي الذي يعد ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات واضطراب الأسواق الذي يشهده العالم نتيجة تفشي وباء فيروس كورونا، وبالفعل تراجع سعر صرف غالبية العملات الرئيسة في العالم مقابل الدولار الأميركي، حتى سعر الذهب، الذي يعد أيضاً ملاذاً آمناً، تراجع بشدة.
والسبب أنّه في أوقات الأزمات يلجأ المستثمرون إلى تعزيز السيولة، بمعنى التركيز على الأصول التي يمكن تحويلها بسرعة إلى نقد، وأكثر الأصول سيولة هو سندات الخزانة الأميركية، التي تجعل المستثمرين يقبلون على شراء الدولار لحيازتها.
لكن، معدل هبوط سعر صرف الإسترليني يعدُّ كبيراً فعلاً، ويتجاوز معدلات هبوط العملات الأخرى مقابل الدولار، كما أنه في منحى هبوط منذ بداية العام أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة، اليورو.
ومنذ مطلع العام حتى الآن هبط سعر صرف الإسترليني مقابل الدولار بنسبة 12 في المئة تقريباً، وأمام اليورو بأكثر من 9 في المئة.
أسباب مختلفة
ويعود ذلك في الأغلب إلى أنّ المستثمرين والمتعاملين في أسواق العملات عززوا مراكز كبيرة بالجنيه الإسترليني منذ نتائج الانتخابات العامة في ديسمبر (كانون الأول)، والتوقعات بأن الوضوح واليقين سيدفعان العملة البريطانية إلى ارتفاع سعرها، فيحقق هؤلاء أرباحاً كبيرة.
وحين تضطرب الأسواق ويلجأ المستثمرون إلى البحث عن السيولة يتخلّصون من تلك المراكز، وبما أنّ المستحوذ عليه من الجنيهات كان كبيراً فيكون البيع منه أكثر فيهوي السعر، وما يضاعف من الضغط على العملة البريطانية أنّ تلك التوقعات المتفائلة تراجعت مع ما يبدو من أنّ فترة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على اتفاق تجارة ربما تنتهي من دون اتفاق، وبالتالي يزيد احتمال بريكست من دون اتفاق، الذي سيؤثر سلباً في سعر صرف الإسترليني.
بريكست والعجز
والواضح أنه مع انشغال العالم بأزمة كورونا، وبالتالي تأجيل كثير من القضايا، لم تغيّر حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون موقفها من عدم تمديد الفترة الانتقالية التي تنتهي هذا العام.
وفي مؤتمره الصحافي اليومي حول أزمة كورونا تفادى جونسون، الأربعاء، الإجابة عن سؤال أحد الصحافيين حول ما إذا كان سيطلب تمديد الفترة الانتقالية لمفاوضات اتفاق بريكست مع أوروبا. فهذا عامل آخر يجعل المستثمرين يتخلّصون مما بحوزتهم من الإسترليني.
وتوجد بالطبع عوامل تتعلق بالاقتصاد البريطاني نفسه، الذي يعد سنداً لعملته الوطنية وقيمتها في سوق العملات، منها مثلاً العجز الكبير في الحساب الجاري لبريطانيا، أي الفارق بين ما تصدّره من سلع وخدمات وما تستورده منها، وكذلك العجز لدى القطاع الخاص البريطاني أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخشى كثيرون من أنّ حزمة التحفيز الاقتصادي التي أعلنها وزير الخزانة البريطاني بأكثر من 380 مليار دولار (330 مليار جنيه إسترليني) ستعني لجوء الحكومة إلى مزيد من الاقتراض، وهذا يعني أنها ستصدر مزيداً من سندات الدين السيادية.
مع أنّ المنطق أن سرعة استجابة بريطانيا بحزمة التحفيز الاقتصادي الكبيرة ستقلل التأثير السلبي لأزمة فيروس كورونا في اقتصادها، وبالتالي تكون التوقعات إيجابية، على الأقل أفضل مما هي لأوروبا مثلاً التي لم تتحرّك بعدُ لتحفيز اقتصادها.
لكن، في أوقات الاضطراب لا تتصرّف الأسواق بالمنطق والحكمة الاقتصادية التقليدية، لذا تجد معدل هبوط اليورو مثلاً أمام الدولار أقل بكثير من معدل هبوط الإسترليني وحتى الين الياباني.
ومع استمرار أزمة فيروس كورونا يصعب التكهن بأنّ سعر صرف الإسترليني يمكن أن يتعافى، إذ لا تزال مراكز الإسترليني لدى المستثمرين في سوق العملات كبيرة حتى بعد عمليات البيع، التي أدّت إلى انهيار سعر صرف العملة البريطانية الأربعاء.