لم يتوقع النازحون السوريون في الشمال، ممّن تقطّعت بهم سبل العيش إبان تغريبتهم القسرية، ما آلت إليه أحوالهم، ليفاقم ذعرهم فيروس "كورونا" ذائع الصيت والمنتشر عالمياً، كما لو أنهم يعيشون تهديداً من قنبلة موقوتة.
وفي حين يخيّم الخوف من شبح كوفيد-19 وسرعة انتشاره بين الناس، على خيم مترامية الأطراف في ريف إدلب الشمالي، أو على طول الشريط الحدودي مع تركيا، أعلنت منظمة الصحة العالمية عدم تسجليها أي إصابة على الأراضي السورية.
ويعرب رئيس فريق المنظمة للوقاية من الأخطار المعدية عبد النصير أبو بكر عن قلقه من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد والمبلّغ عنه في كل من سوريا واليمن، متوقعاً انفجاراً في الحالات.
ويعزو المسؤول في المنظمة في تصريحات صحافية يوم 19 مارس (آذار) سبب قلقه إلى أنّ "الدول التي لا تسجّل حالات، هي ذات نظام مراقبة ضعيف"، وفقه.
في غضون ذلك، حذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" من انتشار الفيروس في شمال غربي سوريا، ومن أنّ المرض سينتشر بسرعة كبيرة، خصوصاً في المخيمات.
الحرب مع كورونا
يساور الناشطون في المجال الصحي في المخيمات، وجلّهم من نازحي ريف إدلب الجنوبي، القلق حيال وصول الوباء إلى المخيمات. فتلك فاجعة تترصّد قاطنيها.
ويعاني النازحون من فقدان الرعاية الصحية المناسبة، وسوء التغذية وفقدان المتطلبات الأولية من مياه نظيفة والحمامات والصرف الصحي، إضافةً إلى مشاكل في الجهاز التنفسي، تضاعف أخطار الإصابة.
يقول أحد المقيمين في مخيم في الريف الشمالي لإدلب إن التخوف مضاعف لديهم، كون المخيمات هناك مكتظة.
ويروي "أبو بديع" واقع الحال بكثير من الحسرة والألم، فالإجراءات الوقائية، وفقه، ليست في مستوى خطورة الجائحة، "ألا يكفي الشعب السوري كل ما عاناه، ليزيد الطين بلّة".
وفيما يطالب بإجراءات صحية وقائية أكثر فاعلية، يقول إنّ "كل خيمة تحتضن عائلة أو اثنتين، والخيم متقاربة ومكتظة، فأي مصاب سيعجّل انتقال العدوى إلى كثيرين".
ويعاني نحو 400 ألف نازح سوري ممّن فروا من المعارك في ديسمبر (كانون الأول) 2019 بين فصائل متشددة والسلطة المدعومة من روسيا، نقصاً في الحاجات الأولية، لا سيما الطبية والدوائية منها.
أن تشعل شمعة
مقابل ذلك، يلتقط النازحون قبساً من أملٍ بعد اعتيادهم حياة الحرب في السنين العجاف على هذه الأرض، إلاّ "كورونا" لم يَدعْ لهم فرصة ليلتقطوا أنفاسهم بعد هربهم من نيران حرب في مدن كسراقب ومعرة النعمان، لكن يحاولون بشتى الوسائل أخذ الحيطة والحذر على الرغم من ضعف الامكانات.
وإن بدت جلية كل التحذيرات الطبية للوقاية من الفيروس الفتاك، التي تحضّ على جوانب النظافة والحجر المنزلي الصحي وغيره، إلاّ أنه من الصعب تطبيقها لأسباب عدّة، منها تقارب الخيم من بعضها، ناهيك عن ندرة وسائل الوقاية من كمامات ومعقمات وإن وُجدت فأسعارها مرتفعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد محمد الشيخ، أحد الناشطين في مخيمات النزوح لـ"أندبندنت عربية"، أنّ "عدداً كبيراً من الفرق التطوعية والجمعيات الإغاثية تعمل وتحاول ألاّ تكتفي بالمشاهدة".
ويلفت إلى قدرة المتطوعين على تغطية مساحات واسعة وتوزيع مواد تنظيف ومعقمات، بينما المطلوب أكثر من ذلك في ظل تعليق المنظمات الإنسانية عملها.
يأتي ذلك بالتوازي مع إجراءات سعت إليها منظمات أهلية عملت على إنشاء مركزٍ للحجر الصحي في حال وصلت الجائحة وضربت أرجاء مخيمات النزوح.
الكمامة والمعقم
في غضون ذلك، ترتفع أسعار مستلزمات الوقاية من الوباء العالمي، نظراً إلى الطلب الكبير على المعقمات والكمامات في كل دول العالم، فكيف الحال في مخيمات تعاني أساساً من مأساة إنسانية، وسط تعليق عدد من المنظمات دعمها، وتحذيرات منظمة العمل الدولية من فقدان 25 مليون شخص وظائفهم بسبب "كورونا".
فالكمامة بات سعرها بين 500 إلى 700 ليرة سورية، أي ما يعادل نصف دولار، بينما المعقمات بدولار وأكثر، وتُباع لأناس لا يعملون ولا يملكون حتى قوت يومهم. من جانبها، تعمل جمعيات محلية لتوزيعها بشكل مجاني.
لا معلومات بشأن كيفية مواجهة هذه العدوى في حال تفشت، إلاّ أنّها ستهدد حياة الجميع هناك. وهناك جمعيات طبية وإنسانية دقت ناقوس الخطر وحذرت من إبادة جماعية، ومنها منظمة "مكافحة الجوع" الألمانية.
جاء ذلك على لسان مديرها الإقليمي في 18 مارس الحالي، الذي قال إنّ "قطاع الرعاية الصحية مثقل بمعالجة المصابين من أعمال العنف إبان المعارك".
وتلاحق النازحين في الشمال السوري المصائب والكوارث، بعدما تعرّضوا للقصف والتهجير، فلم يتسنَّ لهم التقاط أنفاسهم بعد، حتى جاءهم تهديد وباء كورونا في خيامهم من دون أي طائل من الوقوف في وجه فيروس، فتك بأكثر الدول المتقدمة علمياً.