هبة زياد، طبيبة نصراوية لمع اسمها في وسائل الإعلام العبرية في إسرائيل عندما عُيّنت مديرة لوحدة "الأمراض التلوثية ومنع العدوى" في مستشفى بوريا في طبريا، كطبيبة شابة وعربية أيضاً، وهو منصب يعكس كبر نجاحها وتفوّقها. اليوم، إذ تعيش إسرائيل أزمة حقيقية نتيجة انتشار فيروس "كورونا"، لمع اسم الطبيبة العربية من جديد عندما تصدّرت صورتها الحملة التي بادرت إليها مجموعة من العرب واليهود لمساندة الأطباء ودعمهم في وقفتهم وتضحياتهم التي يقدمونها لمعالجة المرضى، تاركين عائلاتهم وبلداتهم، إلى جانب احتمال إصابتهم بهذا الفيروس.
وكُتب إلى جانب صورة الطبيبة زياد "شاركوا لنقول شكراً"، وتحت الصورة، كتُبت عبارة "د. هبة زياد أنقذت مريض كورونا رقم 16"، وليس من السهل مقابلة أطباء في هذه الفترة، إذ إنّ ضغط العمل الكبير، وهم يشكّلون عمود الأساس لمواجهة الوباء، وقد انقلبت حياتهم رأساً على عقب، فساعات عملهم من دون حدود، حتى عندما يعودون إلى بيوتهم يبقون على تواصل مع المستشفى لتقديم أقصى الجهود الممكنة في مختلف المجالات، لضمان شفاء مصابي "كورونا"، ومن جهة أخرى سلامة طاقم العاملين ومنعهم من التقاط الفيروس من أي شخص يواجهونه خلال العمل، سواء مريض أو مرافق له.
لا يخيفنا المرضى
وعندما سألناها عن تفاصيل شفائها لمريض "كورونا" رقم "16"، ابتسمت، وبصفة التواضع المتناهية التي تميّزها، حاولت تلافي الموضوع، لكنّ التفاصيل عن هذه الحالة مدرجة في حملة الشكر للأطباء التي نقلت عن الطبيبة زياد "لم يكن أمامنا الكثير من الوقت لاتخاذ القرار. المريض وصلنا بشكل مفاجئ وتدهورت صحته بسرعة. لم يكن الأمر سهلاً، خصوصاً أنه لا يتوفر الكثير من المواد والتعليمات حول كيفية مواجهة هذا الفيروس. ولأنّ المريض كان في حالة صعبة وجدنا من الضروري مباشرة علاجه وفق العلاج الموجود، إضافةً الى علاج خاص طلبناه من الخارج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مراحل العلاج التي حسمت الطبيبة زياد في تقديمها طويلة وغير سهلة وقد أدت الى شفاء المريض وإزالة أجهزة التنفس الاصطناعي عنه ليتجاوز مرحلة الخطر، وبالنسبة إليها، ما قُدّم لهذا المريض وغيره من عشرات المرضى هو أمر طبيعي وعادي.
لكن من غير الطبيعي أن يكون الطبيب معرّضاً طوال ساعات عمله لخطر إصابته بالوباء، وهنا تقول الطبيبة زياد في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "لا يخيفنا المرضى الذين يصلون إلى العلاج لأنّنا اتّخذنا الاحتياطات لعدم الإصابة. ما يخيفنا أن هذا الفيروس ينتقل بسرعة وممكن أن يحصل ذلك عبر مريض وصل إلى قسم آخر لأسباب صحية غير متعلّقة بالوباء وخلال علاجه يتبيّن أنه مصاب به أو أحد الطواقم تنتقل إليه العدوى من قريب له أو أي شخص التقاه، وهكذا من الحالات التي يمكنها نقل هذا الفيروس. أما المريض بحد ذاته، فالاحتياطات التي اتّخذناها في المستشفى ووحدة الأمراض التلوثية ومنع العدوى والإرشادات التي قُدمت للجميع كافية لمنع انتقال الفيروس من مريض كورونا إلى الطاقم المعالج".
تحضيرات لوضع أصعب
في هذه الاثناء، تشهد المستشفيات الإسرائيلية عمليات ترميم لعددٍ كبيرٍ من أقسامها، تحضيراً لاستيعاب وضع ينتشر فيه الفيروس بشكل واسع. فالقلق في إسرائيل متزايد حيث النقص الكبير في عدد الأسرة لاستيعاب آلاف المرضى في آن واحد، وعدم جهوزية المستشفيات من حيث المعدات الضرورية. ومع اتخاذ الحكومة الإسرائيلية، فجر الأربعاء 25 مارس (آذار)، قرارات في تصعيد الإغلاق ومنع السكان من مغادرة بيوتهم، في محاولة لمنع انتشار الوباء، تبيّن وجود نقص كبير في المعدات الطبية الأساسية والمهمة لمعالجة المرضى المصابين، بينها أجهزة التنفس، ليعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه سيتم شراء آلاف الأجهزة من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
وإلى حين وصول هذه الأجهزة، هناك خطر بعدم إمكانية إنقاذ حالات المصابين الذين يصلون إلى المستشفيات بحالات صعبة، خصوصاً كبار السن.
ففي مستشفى بوريا حيث تعمل الطبيبة هبة زياد، تجرى حالياً أعمال ترميم ليتسع لأكبر عدد من المصابين وتقول "هناك الآن قسم يستقبل 30 مريضاً مع إمكانية افتتاح قسم آخر يستوعب المزيد. كل المستشفيات تمرّ في مرحلة إعداد أقسام، فنحن مُقبلون على مرحلة غير سهلة وهناك حاجة للاستعداد الكامل ولا نبالغ إن قلنا نخوض حرباً بيولوجية غير سهلة".
وأحياناً كثيرة تضطر زياد للعمل 24 ساعة وإذا عملت ساعات أقل، فتبقى على تواصل مع المستشفى من بيتها، حيث تعود إلى أطفالها الثلاثة (توأم ثماني سنوات، وطفل ثلاث سنوات)، وكمديرة وحدة "الأمراض التلوثية ومنع العدوى"، المسؤولية عليها مضاعفة.
ومنذ حوالى أسبوعين، أغلقت المدارس أبوابها وكذلك الروضات، ومع تصعيد التعليمات، فإن التزام أطفالها البيت، ساعات طويلة، مسؤولية في غاية الصعوبة "الأطفال يشعرون بتغييرات كثيرة. يفهمون أن هناك كورونا ويجب الحفاظ على صحتنا، ولكن لا يمكنهم فهم كلّ شيء، ولا يمكنني أنا أيضاً تحمّل الوضع بشكل طبيعي عندما أترك ثلاثة أطفال في البيت وأتوجه إلى العمل، أبذل قصارى جهودي للمحافظة على صحتي، لكنني لا أعرف إذا صادفني في أي يوم وضع صعب، تصل خلاله أعداد كبيرة من المرضى، وأُضطّر للعمل ساعات طويلة".
الأطباء العرب
ووفق الوضعية الحالية لإسرائيل، فجميع الطلاب في بيوتهم وكذلك أهاليهم بسبب الإغلاق ومنع الخروج إلى العمل. لكن في كل بيت، كحالة الطبيبة هبة زياد، الوضع يختلف، الأبناء من دون مدارس في البيوت لكنّ الأم والأب اللّذين يعملان في المستشفيات مضطران للابتعاد عنهم، وليست صدفة حملة شكر الأطباء، وليست صدفة أيضاً شكر الطبيبة زياد، الأم، الطبيبة العربية، المتفوقة ومديرة وحدة، من أهم الوحدات في مستشفى بوريا.
وهي واحدة من آلاف الأطباء العرب الذين لعبوا دوراً كبيراً ومهماً مع وصول الوباء الى إسرائيل، بتفانيهم في العمل لإنقاذ المصابين ليضعوا بنيامين نتنياهو واليمين في وضع محرج بعد حملة التحريض الواسعة ضد فلسطينيي 48 وقيادتهم في الكنيست واتّهامهم بـ "الإرهابيين".
الرئيس السابق للموساد افرايم هليفي واحد من عشرات الإسرائيليين الذين لفتوا إلى الدور الكبير الذي لعبه الأطباء العرب وتطرّقوا إلى حملة اليمين، وفي مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، كتب هليفي "لو جلس الأطباء العرب في بيوتهم لانهار الجهاز الصحي بأكمله". وفي سياق تناوله سياسة العنصرية التي اتّبعها نتنياهو واليمين ضد العرب وتجاهل الدور الكبير الذي يؤديه الأطباء، قال "يجب أن يكون التجاهل الإسرائيلي درساً لصنع الاستقلالية بدلاً من التعلّق بأمنيات الدمج."
الطواقم الطبية... والعزل
ووفقاً للمعطيات الرسمية، يخضع 3,030 من أفراد الطاقم الطبي للعزل المنزلي، من بينهم 814 طبيباً وطبيبة و893 ممرضاً وممرضة، كما سُجلت إصابة 42 من أفراد الطواقم الطبية بالفيروس. ومن بين أعضاء الطواقم الطبية الذين يخضعون للحجر الصحي، فإنّ 660 منهم معزولون بعد احتكاكهم بمريض "كورونا" خلال العمل، فيما يطبّق 521 شخصاً شروط العزل نتيجة مخالطة زملاء لهم، شُخّصوا كمصابين.
وبحسب البيانات، فإنّ معظم أعضاء الطواقم الطبية الذين يخضعون للعزل (1567) يعملون في المستشفيات، ويعمل 780 منهم في صناديق المرضى العامة، و295 يعملون في الطواقم الصحية في القدس، إضافةً إلى 135 شخصاً من طواقم "نجمة داوود الحمراء"، و95 من العاملين في مستشفيات الصحة النفسية، و74 من العاملين في مستشفيات الشيخوخة، و25 من العاملين في مستشفيات إعادة التأهيل، و17 موظفاً من مقر وزارة الصحة و15 من مكاتب الصحة التابعة للوزارة.
مصالح شخصية
وتشهد إسرائيل تصدّعاً داخل المجتمع من جهة والمؤسستين السياسية والصحية من جهة أخرى في أعقاب تفشّي الوباء والارتفاع المتزايد في عدد الإصابات، في وقت يرفض نتنياهو فرض حجر كامل لأغراض شخصية، إذ يستغل الوباء لمصالحه الشخصية، بل اعتبر البعض أنه وضع إسرائيل رهينة بين يديه. في المقابل، ألزمت المحكمة رئيس الكنيست على انتخاب رئيس جديد له، وهذا سيقلب المعادلة، ما سينعكس بشكل مباشر على الوضع الحالي لإسرائيل في ظل "كورونا".