Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأعياد في لبنان بعد الحرب... لهفة إلى فرح صعب

بعد إعلان وقف إطلاق النار تزينت الشوارع وارتدت حلّة العيد لتعكس حاجة واضحة إلى فرحة بعد المآسي والألم

في بيروت، وشوارع المدن اللبنانية الكبرى كما الصغيرة، وضعت زينة الأعياد وانطلقت الأنشطة الميلادية (ا ف ب)

ملخص

يظهر المشهد في لبنان خلال فترة الأعياد حركة واعدة في الأسواق والمطاعم والشوارع بعد الحرب. فهل من انتعاش اقتصادي فعلي بعد المآسي التي عاشها اللبنانيون؟

في فترة الحرب التي طالت أشهراً، بدا واضحاً للكل أن المواطن اللبناني لن ينعم بفترة أعياد كتلك التي تعيشها دول العالم.

الركود، والشوارع الفارغة، وأجواء اليأس وانعدام الاستقرار، كلّها كانت توحي بأن الحزن سيغلب، وأنها ستكون مرحلة مشابهة لبقية الأيام السوداء التي عاشها اللبنانيون سابقاً. حتى أن المغتربين الذين كانوا يترقبون فترة الأعياد للقدوم إلى البلاد والاستمتاع بها مع عائلاتهم، شعروا بأنهم سيحرمون منها، بخاصة أن شركات الطيران كلّها أوقفت رحلاتها، واقتصرت الرحلات من إلى لبنان على "طيران الشرق الأوسط".

لكن إعلان وقف إطلاق النار قبل نحو شهر قلب المقاييس، وسرعان ما حلّ مشهد مغاير تماماً في البلاد التي ما زالت تلملم آلام ودمار المرحلة السابقة. وإذا باللبنانيين يؤكدون مرة جديدة على قدرة فريدة على النهوض سريعاً مهما كانت التحديات.

في بيروت، وشوارع المدن اللبنانية الكبرى كما الصغيرة، وضعت زينة الأعياد وانطلقت الأنشطة الميلادية، والمعارض، وازدحمت الطرقات والأسواق، وعجّت المطاعم بروادها، وعرفت البلاد "عجقة الأعياد" التي افتقدها الكل كونها تعكس صحة البلاد. 

لكن يتساءل البعض حول ما إذا كان هذا المشهد يعكس فعلاً الواقع، ويدل على حركة اقتصادية ناشطة في الأسواق وفي البلاد في فترة الأعياد، كما يبدو في الظاهر، أو أنه حركة موقتة ومن دون "بركة".

حركة ناشطة في المطار

من اليوم الذي أُعلن فيه عن قرار وقف إطلاق النار، تبدل المشهد في لبنان، وكأن الحرب لم تكن. وسرعان ما سُجلت حركة واعدة في الأسواق التجارية وفي أنشطة الأعياد. أما شركات الطيران التي كانت قد أوقفت رحلاتها، فبدأ قسم منها بتسييرها بشكل تدريجي. وسُجّل ارتفاع ملحوظ في حركة القادمين إلى البلاد في الأسابيع الأخيرة، بعد أن كانت شبه معدومة في فترة الحرب.

لكن أسعار تذاكر السفر المرتفعة جداً شكلت عائقاً أمام كثيرين، وحالت دون عودتهم لتمضية فترة الأعياد في وطنهم مع عائلاتهم.

في هذا الإطار، يشير نقيب مكاتب السياحة والسفر جان عبود أن المشهد اختلف بالفعل بشكل تام بين فترة الحرب، وتلك التي تلت وقف إطلاق النار. ويقول "سُجّل ارتفاع بنسبة 80 أو 90 في المئة في حركة القادمين إلى لبنان، بالمقارنة مع الفترة السابقة التي لم تكن فيها حجوزات لقادمين. فقبل قرار وقف إطلاق النار، كانت شركة "طيران الشرق الأوسط" الوحيدة التي تسيّر رحلات من وإلى لبنان، وكان الطلب مرتفعاً على المغادرة. أما بعده، فعاودت ثماني أو تسع شركات طيران تسيير رحلاتها، لتشكل مع شركة طيران الشرق الأوسط قرابة 40 رحلة في اليوم".

ويكشف عبود لـ "اندبندنت عربية" أنه خلال هذه الرحلات، استقبل مطار بيروت نحو 5500 شخص من القادمين يومياً، خلال فترة 10 أيام أو 15 يوماً. لكن إذا ما تمت مقارنة هذه الحركة مع تلك التي سجلت العام الماضي، تبقى أدنى بنسبة 50 في المئة، ويبقى الفارق كبيراً.

ففي الفترة نفسها في العام الماضي، يوضح عبود أنه كان يُسجّل وصول 14 ألف شخص في اليوم إلى مطار بيروت. انطلاقاً من ذلك، لا ينكر أنه ثمة حركة ناشطة بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع المأساوي، لكن الأمور تبدلت إلى حد كبير بسبب ظروف الحرب. إذ أثرت في الحالة النفسية، وفي الوضع العام، وانعكست حكماً على حركة القادمين إلى لبنان، وبشكل خاص المغتربين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتابع عبود "كان المغترب يحضر سابقاً إلى لبنان بذهنية الإنفاق والترفيه، لكن بسبب رؤية الأهل والأصدقاء في ظروف الحرب والدمار، يأتي حالياً بذهنية مختلفة، وهدفه الوقوف إلى جانبهم في الظروف الصعبة التي يمرون بها. وليس متوقعاً أن تكون الحركة الاقتصادية كالسابق حين كان يبلغ معدل الإنفاق 6 مليارات دولار ونصف، فيما الوضع متدهور اليوم".

من جهة أخرى، أسهم ارتفاع الطلب على تذاكر السفر، خصوصاً في فترة الأعياد، في ارتفاع ملحوظ في أسعار تذاكر السفر، وهو أمر طبيعي لأن الأسعار يتحكم بها العرض والطلب. ويذكّر عبود بأنه ثمة كلفة تشغيلية للرحلات وقد أصبحت مرتفعة. وحتى في ظروف الحرب، كانت طائرة "طيران الشرق الأوسط" تقلع من بيروت بعدد كامل من المسافرين، وتعود فارغة، ولا بد للشركة من تغطية نفقات الكلفة التشغيلة. حتى أن شركات التأمين رفعت أسعارها بسبب ظروف انعدام الاستقرار في البلاد.

ويتوقع نقيب مكاتب السياحة والسفر أن تعيد شركات أخرى تسيير رحلاتها من وإلى بيروت تدريجاً في الفترة المقبلة. إلا أن قسماً من شركات الطيران يتحفظ عن ذلك، ويفضل ترقب الوضع الأمني وانتظار انقضاء المهلة الزمنية المحددة لوقف إطلاق النار، والتحقق من الاستقرار الأمني والسياسي قبل اتخاذ أي قرار بهذا الشأن.

كذلك فإن الشركات التي أوقفت رحلاتها على خط بيروت، نقلتها إلى خط آخر، ولا يمكنها أن تتخذ قرار التغيير سريعاً، وذلك بسبب عوامل لوجيستية.  فهذه المسألة تتطلب وقتاً. لكن، من المتوقع أن يعود الوضع والحركة بشكل طبيعي مع حلول موسم الربيع.

حجوزات محدودة بسبب الحرب

تنتظر الفنادق، التي تعد ضمن القطاعات السياحية المعنية مباشرة بفترة الأعياد، حركة القادمين إلى البلاد من مغتربين وغيرهم. إلا أن الظروف التي كانت سائدة في البلاد، لم تكن تدعو إلى التفاؤل، بخاصة أن الحركة في الفنادق تتطلب استقراراً طويل الأمد لتسجيل الارتفاع المطلوب في الحجوزات فيها. هذا ما يؤكده نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر مشيراً إلى أن الوضع في الفنادق لا يبدو إيجابياً لأسباب عدة منها التطورات في سوريا التي انعكست على لبنان. إذ كانت فنادق لبنان تعتمد على القادمين من سوريا الذين كانوا يحجزون فيها لتمضية ليلة أو اثنتين قبل السفر إلى بلاد أخرى في المنطقة، في هذه الفترة من السنة. ومن الأسباب التي أسهمت في ذلك أيضاً تأثر السوق العراقية بالوضع في سوريا، وعدم إمكان مرور الطيران العراقي فوق الأراضي السورية، بالتالي لم يأتِ سياح عراقيون إلى البلاد كما كان في السابق.

ويضيف الأشقر أن عدم إقامة حفلات كبرى في لبنان، وهي كانت تلعب دوراً جوهرياً في استقطاب السياح ورفع الحجوزات في الفنادق، بسبب ظروف الحرب التي دفعت نجوم الصف الأول إلى إقامة حفلات رأس السنة في الخارج، بعد توقيعهم على عقود مسبقة والتزامهم بها، أسهم أيضاً بتضرر القطاع.

وبالنسبة إلى المغتربين، يشير الأشقر إلى أنهم في فترة إقامتهم في لبنان، يمكثون بنسبة 99.9 في المئة منهم في منازلهم. وأكثر بعد، قدمت إلى لبنان نسبة 50 في المئة منهم فقط بسبب ظروف الحرب التي أخرت حجوزات تذاكر السفر التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني. هذا ما شكل عائقاً أمام كثيرين، ومنعهم من القدوم إلى البلاد لتمضية فترة الأعياد.

وفي سياق متصل، يتوقع الأشقر أن يُسجَل ارتفاع ملحوظ في نسبة الحجوزات في المطاعم والملاهي، لكن في مناطق معينة تحديداً، مثل العاصمة بيروت، وفي مناطق التزلج، بمناسبة عيد رأس السنة. إلا أنه يجزم بأن الخسائر الطويلة الأمد التي يتحملها قطاع الفنادق والقطاع السياحي عامة، لا يمكن أن تغطيها ثلاثة أيام ترتفع فيها نسبة الحجوزات.

"نحن لا نؤمن بالاستغلال في الأعياد وفي موسم معين لتعويض الخسائر، بل نعوّل على الاستقرار في البلاد وعلى انتخاب رئيس للجمهورية، كخطوات أساسية تترافق مع مصالحة مع الدول العربية والغرب حتى يستعيد القطاع عافيته" يقول الأشقر، مضيفاً "في السابق كان المواطنون من دول الخليج يأتون إلى لبنان ليمضوا عطلة 15 يوماً في فترة الأعياد وفي شهر فبراير(شباط). وكانت مناطق التزلج تعج بالرواد، وهذا ما نفتقده اليوم ولا بد من استعادته بفضل الاستقرار الأمني والسياسي لنستعيد ما كان عليه الوضع في عامي 2009 و2010 عندما تخطت نسبة التشغيل 78 في المئة.

حركة ناشطة ولكن!

لا تكتمل فرحة الأعياد من دون الهدايا وملابس العيد والموائد التي تجتمع حولها العائلات مهما كانت ظروفها. لذلك، سريعاً ازدحمت الأسواق التجارية بعد الإعلان عن وقف الحرب. كما بدا وكأن تلك الأسواق شهدت انتعاشاً واضحاً بعد فترة ركود دامت أسابيع. حتى أن المطاعم التي بدت شبه خالية من روادها خلال الحرب، عادت وتعافت بشكل ملحوظ. وزادت زحمة العيد تدريجاً في الأسبوعين الأخيرين لتبلغ أوجها في الأيام القليلة الأخيرة التي سبقت الأعياد. يوضح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس أن الآمال كانت تعقد على وقف الحرب قبل الموعد الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) لأن الدورة التجارية تحتاج إلى قرابة خمسة أو ستة أسابيع. فلو أنها توقفت في بداية الشهر المنصرم كان من الممكن أن يحصل التوريد من الخارج وتتجهز المحلات التجارية بشكل طبيعي من أجل الأعياد. كما أنه كانت هناك حاجة إلى تغير المزاج العام في البلاد.

في بداية شهر العيد، كانت أجواء الحرب لا تزال مسيطرة فيما يعود النازحون إلى منازلهم وتبدو ديناميكية الحرب مسيطرة. أما المرحلة التي سبقت العيد فلا تكفي لتشغيل دورة تجارية بشكل طبيعي.

في الوقت نفسه لا ينكر شماس أنه ابتداءً من الأسبوع الماضي، شهدت البلاد تحسناً واضحاً إلا أنه لم يكن كافياً لتعويض الخسائر المتراكمة من بداية الحرب في غزة ثم توسعت في لبنان. ويقول "كان القطاع التجاري أكبر الخاسرين بحسب البنك الدولي، ولغاية أكتوبر (تشرين الأول الماضي) بلغت خسائر القطاع التجاري ملياراً و700 مليون دولار أميركي. مما لا شك فيه أنه كانت هناك حاجة إلى وقت أطول قبل الأعياد لتعويض هذه الخسائر بالحد الأدنى".

خلال الحرب، بقيت القطاعات الأساسية كالغذاء والمشروب ناشطة على رغم الظروف. أما بقية القطاعات، كتلك التي تعوّل على الأعياد، فقد استفادت، بحسب شماس، إلى حد ما من مبيعات يوم "الجمعة الأسود" Black Friday. هذا، فيما انتعشت بقية القطاعات من إلكترونيات وألبسة وهدايا العيد والعطور، قبيل الأعياد بشكل خجول. لكن ينقل شماس إلى اللبنانيين ما يقول إنه نبأ سار متوقعاً انتعاشة لافتة يمكن قطف ثمارها في ربيع 2025. أما حالياً، فبدلاً من أن يكون موسم الأعياد مزدهراً كما كان من المفترض أن يحصل، سيشكل فترة انتقالية من الوضع السيئ الذي كان مسيطراً في عام 2024 والضعف في القطاع التجاري، إلى انتعاش مقبول وواعد في الأشهر الأولى من عام 2025.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات