خلال حياتها المهنية الساطعة أنجزت المهندسة المعمارية العراقية زَها حديد نحو 950 مشروعا في 44 بلدا حول العالم، وجلست على عرش فنون المعمار عقودا إلى أن أضافت في 2004 جوهرة الوسط إلى تاجها عندما نالت جائزة "بريتزكر" Pritzker الدولية الأرفع على الإطلاق في مجال الهندسة المعمارية. وتعتبر هذه الجائزة "نوبل المعمار" وتمنح للمهندس صاحب المساهمة الأعلى في "رفع مستوى الحياة البشرية عبر فنون المعمار". ولم تكن حديد أول عربية تحصل على هذا الجائزة وحسب، بل أول امرأة في تاريخ الجائزة الذي بدأ قبل 41 عاما.
رقم قياسي
في وطنها الثاني بريطانيا أغدقت عليها الملكة في 2012 لقب Dame ("ديم" المعادل للقب "سير" أو الفارس)، وذلك بعد عامين من نيلها أعلى الجوائز المعمارية البريطانية وهي "ستيرلينغ" Sterling. وكانت هذه واحدة من أكثر من 100 جائزة أُسبغت عليها اعترافا بإبداعاتها والآفاق الجديدة التي طرقتها في مجال تخصصها. وكانت منذ العام 2000 تحصل على جائزة على الأقل كل سنة، وحدث أنها نالت 12 جائزة في عام واحد، وهذا كمّ من التكريم لم يبلغه أي معماري آخر في العالم رجلا كان أو امرأة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعض إنجازاتها
تشمل إنجازات حديد المعمارية معالم شهيرة في ألمانيا مثل مبنى "بي إم دبليو" الإداري ومحطة مطافئ فيترا، ومركز فاينو للعلوم. ولها أيضا منصة القفز الجليدي في اينسبروك، النمسا، ودار أوبرا غوانزو ومجمع غالاكسي سوهو في الصين، ومتحف ريفرسايد بغلاسغو، اسكتلندا، والمتحف القومي لفنون القرن الحادي والعشرين (ماكسي) في روما، ومتحف إيلي وإديث للفنون في جامعة ميشيغان، ومركز روزنتال للفن المعاصر في سنسيناتي، الولايات المتحدة، وجسر الشيخ زايد في أبوظبي ومقر شركة بيئة في الشارقة.
وشملت أعمالها التي أنجزتها في السنوات الأخيرة من عمرها استاد لندن للرياضات المائية (أولمبياد 2012)، ومركز حيدر علييف في أذربيجان، وبلازا دانغديمون بسيول، كوريا الجنوبية، ومكتبة جامعة فيينا، وجناح التجديد بجامعة هونغ كونغ، ومبنى إدارة الموانيء في انتويرب، بلجيكا.
كما صممت عددا آخر من المشاريع المعمارية الضخمة التي بدأ العمل فيها، لكن المنيّة لم تمهلها لرؤيتها مكتملة. ومن هذه محطة ساليرنو البحرية في ايطاليا، وبرج سكوربيون في ميامي، وناطحة السحاب 666 في مانهاتن، ومطار دازينغ الدولي في الصين، ومجمع سكاي بارك السكني في براتسلافا، سلوفينيا.
سيرة حياتها
ولدت زهاء محمد الحاج حسين حديد اللهيبي في بغداد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1950 لأسرة ميسورة الحال، إذ كان والدها، محمد حديد، أحد رجال الصناعة العراقية ومن قادة الحزب الوطني الديمقراطي العراقي والوزير الأسبق للمالية بين عامي 1958 – 1960. وكانت والدتها، وجيهة الصابونجي، فنانة تشكيلية من الموصل يعود إليها الفضل في زرع جماليات الرسم في نفس ابنتها. ولها شقيق أكبر هو هيثم وهو اقتصادي يقيم في لبنان، وشقيق أصغر هو فولاذ المتوفى قبلها في 2012، الذي درس القانون ثم الأعمال وأسس شركة للمحاسبة في بيروت، لكنه اعتبر المغرب وطنه الثاني إذ تزوج فيه من العائلة المالكة، كما كان كاتبا له مؤلفات في الشؤون السياسية العراقية والعربية.
تقلبت زها في مدارس بغداد حتى انتهائها من دراستها الثانوية، وحصلت على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت 1971 ثم بدأت تخصصها في الهندسة المعمارية في أقدم كليات بريطانيا العليا وهي "كلية رابطة المعماريين" في لندن وتخرجت فيها العام 1977. وحتى في ذلك الوقت قال عنها أستاذها المشرف ايليا زينغليس إنها أفضل الطلاب الذين تتلمذوا على يديه. وقال: "كنا نسميها مخترعة الـ89 درجة لقناعتها بأنه لا مكان للزاوية القائمة في المعمار".
بدأت حياتها العملية بعد تخرجها في مكتب المعمار المديني في روتردام، هولندا، ثم عادت محاضرة إلى كلية الرابطة المعمارية في لندن. وفي 1980 أنشأت بالعاصمة البريطانية شركتها الخاصة "مكتب زها حديد المعماري" الذي يعمل به أكثر من 350 مهندسا، وصارت أعلى المعماريين أجرا على مستوى العالم. وفي الوقت نفسه انتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في دول أوروبا والولايات المتحدة منها هارفارد وشيكاغو وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل.
ولم تقترن زها بأي زواج في حياتها التي وهبتها للارتقاء بفن المعمار.
توفيت في مثل هذا اليوم، 31 مارس (آذار) 2016، عن 65 عاما في مستشفى بميامي إثر إصابتها بأزمة قلبية وكانت تخضع لعلاج من الالتهاب الرئوي. وكانت ثروتها الشخصية وقت وفاتها تتراوح بين 85 مليون دولار تبعا لمصادر و215 مليون دولار تبعا لأخرى، بما فيها ممتلكاتها العقارية واستثمارتها في الأسهم وأعمالها في مجالات الأزياء والتجميل والعطور والمطاعم وفريق لكرة القدم.
بداية سومرية
برد في المصادر أن اهتمام حديد بالهندسة المعمارية بدأ عندما ذهبت وهي صبية مع أسرتها في رحلة لزيارة الآثار السومرية - أقدم حضارة عرفتها البشرية - في جنوب العراق. وتقول زهاء في لقاء صحافي: "اصطحبنا أبي لزيارة المدن السومرية، وقد ذهبنا بقارب مصنوع من حِزَم القصب. ظل جمال المناظر الطبيعية هناك من أطلال ومبان ورمال وماء وطيور وأناس محفورا في ذاكرتي منذ تلك اللحظة. أنا أحاول اكتشاف أو اختراع طراز معمارى وأشكال من التخطيط العمرانى يكون لها التأثير نفسه ولكن بصورة أكثر عصرية."
فنانة عارضة
أقامت حديد العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية تشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات. وقد بدأتها بمعرض كبير في الجمعية المعمارية بلندن العام 1983. كما أقامت مجموعة من المعارض الأخرى الكبيرة في متحف جوجنهايم بنيويورك في 1978، ومعرض "غا غاليري" بطوكيو في 1985، ومتحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988، وقسم الدراسات العليا للتصميم في جامعة هارفارد عام 1994، وصالة الانتظار في المحطة المركزية الكبرى بنيويورك عام 1995. كما شكلت أعمالها الفنية وتصاميمها المعمارية جزءا من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث بنيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت.
أسلوبها اللامنتمي
كانت تصميمات حديد المعمارية راديكالية، بمعنى إيغالها في الخروج على المألوف، إذ اتسمت بالانسيابية والاستدارة التي تأتت من قناعتها القديمة بأنه لا مكان للزاوية القائمة في المعمار. ويرد في سجلات سيرها أنها تأثرت بأعمال المعماري أوسكار نيمايير، وخاصة إحساسه بالمساحة وتعامله معها باعتبارها كيانا في مقام الملموس.
وقد ألهمتها أعمال هذا المعماري وشجعتها على ابتداع أسلوبها الخاص القائم على الانسيابية في كل الأشكال وتوظيف الفراغات بينها. وتميزت أعمالها بالتفكيكية أو التهديمية وظهور المبنى وكأنه يتحدى الجاذبية الأرضية لأنه عبارة عن أسقف وأقواس طائرة، مع التأكيد على ديناميكية التشكيل. ولذا فقد أُطلق على أعمالها اسم "التجريد الديناميكي" الذي يبدو وكأنه أسلوب مستقى من كوكب آخر وليس من عالمنا هذا.
قالوا عنها
* "زها حديد هي ملكة المنحنيات التي حررت الخطوط المعمارية من قيودها وقوالبها ووهبت لها بعد ذلك هوية جديدة تعبر بها عن نفسها كما حلا لها" – صحيفة "غارديان" البريطانية.
* "الدخول في مبنى من تصميم زها حديد كالدخول في قوقعة محّار" - نيويورك تايمز
* "لا شك في أن إنجازها المعماري جعل من عدم اليقين فنا قائما بذاته" – نيويورك تايمز (في مقالة أخرى عنها).
* "زها حديد تستحق هذه المكانة بسبب سيطرتها على المساحات حولها وإنجازاتها المعمارية الفريدة في سائر أنحاء الدنيا، وأيضا لسحر شخصيتها والغنائية النسائية التي تتميز يها أعمالها الفنية العديدة" – مجلة تايم تبرر اختيارها حديد إحدى شخصيات 2010 المائة الأكثر تأثيرا على مجريات العالم.
* "إبداعات حديد وتصاميمها تشبه سفن الفضاء التي تسبح متحررة من تأثير الجاذبية في مساحة خالية مترامية الأطراف، ليس فيها جزء عال أو منخفض، وليس لها واجهة أو ظهر" - الناقد المعماري أندرياس روبي.
* "زها حديد كوكب يدور في فلكه الخاص" ايليا زينغليس، استاذها في كلية رابطة المعماريين اللندنية.