بات البحث عن المصدر الموثوق لمعرفة أخبار فيروس كورونا المستجد أمراً ملحاً، في ظلّ "تفشّي" الأخبار الزائفة، حتى صار يمكننا القول إن كل خبر كاذب حتى تبثت صحته.
لكن الأخبار الزائفة كشفت ثغرات إضافية في الأداء الإعلامي لكثير من المؤسسات التي وجدت نفسها من جهة تسعى للحفاظ على سير عملها، ومواكبة الوضع الراهن الذي قلب جميع الآليات المتّبعة، سواء أكان في الصحافة المكتوبة أو المرئية، من جهة ثانية.
حالة الضغط هذه دفعت بكثير من وسائل الإعلام إلى فسح المجال على منابرها لكل شخص يعمل في القطاع الصحي للإدلاء بدلوه، من دون لحظ الاختصاصات أحياناً كثيرة.
على سبيل المثال لا الحصر، يتنقل أحد أطباء المسالك البولية ممن يعيشون في شمال إيطاليا بين شاشات الفضائية متحدثاً ومحذراً، من دون أن يعرف الجمهور حتى أنه ليس مختصاً في مجال كورونا وأعضاء الجسم المتضررة منه.
تنسحب مسألة استضافة "غير مختصين" على بقية القطاعات. بلغ الحد ببعض الإعلام اللبناني استضافة "ناشطين" لا يتعدون الثامنة عشرة من العمر لتقديم رؤية للحكومة إزاء كيفية متابعة العام الدراسي!
لسنا في موقع قمع حرية الرأي، لكن المسؤولية في أزمات تاريخية كالتي نشهدها حالياً تقتضي دقةً إضافية وحرصاً على عدم إثارة الهلع العام ومساعدة الحكومات على السيطرة لاحتواء الفيروس، لا استغلال كورونا لتصفية حسابات أخرى، مهما كانت محقّة.
في الإطار نفسه، يسجّل لموقع "تويتر" توثيق حسابات لخبراء كوفيد19 بهدف مكافحة الأخبار الزائفة ومساعدة الجمهور على الحصول على معلومات صادقة.
ويتعاون "تويتر" مع منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الرسمية الأميركية ومعاهد ومنظمات عالمية لتحديد الحسابات التي يمكن الركون إليها في متابعة أخبار الفيروس.
واللافت أن وسائل إعلام عالمية قد سارعت إلى نشر لائحتها الخاصة بالخبراء والأشخاص الذين تعتقد أنهم يستحقون المتابعة، كما فعلت "فورس" و"فورتشن"، من دون أن تشرح المعايير التي اعتمدتها في اختيار هذه الشخصيات.
وعلى الرغم من جهود الشركات العملاقة العابرة للحدود، كـ"تويتر" و"غوغل" و"فيسبوك"، في تطوير خطط وإجراءات لمواكبة كوفيد19، لكن ثغرات كبيرة لا تزال تظهر على هذه المنصات.
فعلى سبيل المثال، يُدرج "تويتر" حساب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صدارة الحسابات عند بحثك عن كوفيد19.
ويعود سبب هذا الأمر إلى أن الرئيس الأميركي قد حظي بتفاعل واسع مع تغريداته، بغض النظر عن نسبة تأييدها أو معارضتها.
وتنطبق الحال نفسها على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي زادت شعبيته بعد إعلان إصابته بكورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن خارج الطبقة السياسية العالمية، يمكن اعتبار العالم الأميركي أنطوني فاوتشي على رأس قائمة الشخصيات المثيرة لاهتمام الجمهور العالمي حين يرتبط الأمر بالحديث عن الفيروس. ويعود ذلك إلى منصبه ضمن المجموعة الأميركية الرسمية المكلفة من البيت الأبيض بمتابعة أزمة كورونا. كما أن التاريخ المهني والأكاديمي لفاوتشي يضفي مقداراً أكبر من الصدقية، بغض النظر عن أنه يمثل الإدارة الأميركية الحالية التي تواجه انتقادات حادة من الديمقراطيين.
وإلى فاوتشي، تحظى الدبلوماسية والفيزيائية الأميركية ديبورا بيركس بمتابعة واسعة أميركياً وعالمياً، نظراً لارتباطها بالمجموعة الأميركية المكلفة متابعة كورونا، فضلاً عن أدوارها السابقة في مكافحة الأوبئة خارج الأراضي الأميركية كمبعوثة من واشنطن.
ديدييه راوول، "الطبيب المتمرد" على النظام، تحول بسرعة قياسية إلى نجم عالمي، على الرغم من الملاحظات العلمية على تجاربه وإعلانه نجاح اختباره في معالجة كورونا. ظاهرة راوول تعكس إلى حد كبير حجم الأزمة والقلق العالميين، إذ صار الناس يتداولون اسم الطبيب الفرنسي من دون معرفة تاريخه المثير للجدل ولا انتظار آراء أخرى "محايدة" تدعم مواقفه.
في العالم العربي، يبدو المشهد أكثر تعقيداً بفعل خصوصية كل دولة، حيث يتسع هامش "الخبراء" الذين يظهرون على الشاشة وفي وسائل الإعلام أو يضيق بحسب قوة السلطة المركزية، وقدرتها على تقديم خطة كاملة في مواجهة الوباء.
غير أن فئة واسعة من الأطباء المقيمين في الدول العربية أو ممن يعيشون في الخارج باتوا نجوم منصات التواصل، بفعل حجم تداول مقابلاتهم ومواقفهم نصوصاً وتسجيلات ومقاطع فيديو، من دون أن يكون جميع هؤلاء بالضرورة مختصين بالفعل في المجالات المرتبطة بالفيروس، لكن "عطش" الجمهور وحاجته إلى المعلومات هو العامل الحاكم في الترويج لهذه الفئة.
شروط جديدة إذاً فرضها كورونا على عالم الشهرة. والحقُ يُقال إن الأمر لا ينطبق على قطاع الإعلام فحسب، بل ينسحب على القطاعات كلها، إذ صار نجاح وانتشار أي مبادرة مرتبطاً بمدى محاكاتها لكورونا وتداعياته.