جاء فيروس كورونا ليقضي على آمال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أي تعافٍ متوقع خلال العام الحالي، و"ليزيد الطين بلة" مع فرض المزيد من الضغوط على اقتصاد تركيا الهش الذي يعاني بالفعل منذ عدة سنوات، ومع تأكد إصابة 23934 شخصاً بالفيروس حتى أمس السبت، ووصول إجمالي عدد حالات الوفاة إلى 501 حالة، حسبما كتب وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجة، على صفحته بموقع "تويتر".
سياسة تعتيم
وقامت الحكومة التركية بالفترات الأولى لظهور المرض، باتباع سياسة التعتيم الإعلامي الشديدة مخافة انهيار السياحة وقطاعات الخدمات من جهة، ولإظهارها بالمسيطرة على الموقف وأنها اتخذت إجراءات صارمة من جهة أخرى، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن مع ظهور أول إصابة على أراضيها في 11 مارس (آذار) وبعدها تزايدت أعداد الإصابات والوفيات بتضاعف سريع.
وفي محاولات متوالية، تحاول الحكومة التركية أن تبرر فشلها بإلقاء اللوم على دول أخرى، فمثلاً تبرر بداية تفشي الفيروس في عدم إبلاغ السعودية، بأي إصابة بفيروس كورونا بين المعتمرين الأتراك، حسب تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
ويشكل كورونا تحدياً حقيقياً على زعامة أردوغان في ظل قراراته المتباطئة تجاه التعامل مع الأزمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية، ويفترض عليه أن يجد الحلول بنفسه وسيكون أمام مأزق حقيقي حال استمرار الفيروس مدة طويلة في ظل ضعف إمكانات الاقتصاد التركي.
في المقابل، طمأن أردوغان الأتراك في كلمة متلفزة مساء الجمعة الماضي ألقاها من قصر هوبر بولاية إسطنبول، دعا فيها المواطنين إلى التزام البيوت وعدم الخروج إلّا للضرورة القصوى.
وأكد أن "تركيا تواصل مكافحة فيروس كورونا بكل حزم وإصرار. وفي الوقت الذي يعاني فيه العديد من الدول المتقدمة في العالم من هذا الوباء، تتمكن من الصمود بشكل قوي بشأن الاستعدادات والمستلزمات والتدخل في الوقت المناسب والإجراءات التي اتخذتها"، موضحا أن "الدولة أدارت الأزمة بنجاح قبل ظهور أول حالة في بلدنا باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة".
وقارن الرئيس التركي، في كلمته، بين عدد المصابين حول العالم بالنظر إلى بلاده، قائلا "لو قارنا الوضع في تركيا مع العالم لوجدنا أننا في وضع أفضل بكثير".
وعدّد أردوغان التدابير الاحترازية، موضحا "أننا أضفنا تدابير جديدة إلى تلك التي كنا قد اتخذناها في السابق، وهي منع دخول وخروج السيارات من 30 ولاية كبرى، إضافة إلى ولاية زونغولداك، باستثناء بعض الحالات. وذلك سيكون في البداية لمدة 15 يوماً".
وأكد الرئيس التركي أن دولته "فرضت حظر التجول على من تقلّ أعمارهم عن 20 عاماً، إضافة لمن هم فوق الخامسة والستين، الذي فُرض سابقاً، مع التزام من يضطرون إلى الخروج من منازلهم وضع الكمامات في أماكن الازدحام، لا سيما الأسواق والمحال التجارية".
وشدد على "مواصلة العمل بشكل جاد من أجل تقليص الحركة في مختلف أنحاء تركيا. وعلى المواطنين عدم التجمع بالأماكن المفتوحة بما فيها الشوارع. وعلى الجميع أن يترك مسافة مع الآخرين لمسافة لا تقل عن 3 خطوات. وسيتم فرض عقوبات على كل من يخالف القوانين ولا يتبع التعليمات".
واختتم الرئيس التركي كلمته بأن "إعادة الحياة إلى طبيعتها في بلدنا هو أمر بأيدينا جميعاً، فكلما اتبعنا القواعد والتزمنا التعليمات، تحكمنا أسرع في مسار تفشي الوباء والقضاء على خطره. وفي حال عكس ذلك فلن يكون هناك مفر من الوصول لمستوى دول نتابعها اليوم بكل حزن وأسف".
انهيار الليرة
وصلت الليرة التركية لأدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار الأميركي بتداولات الجمعة، بعد أن تراجعت إلى 6.7311 ليرة لكل دولار، بانخفاض نسبته 1.75 في المئة على أساس يومي.
وتسجل الليرة التركية تراجعات شهرية أمام الدولار منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وكانت أكبر خلال فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2020 بنسبة 4.35 في المئة و 5.9 في المئة على التوالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما ارتفع معدل التضخم في تركيا 11.86 في المئة خلال مارس الماضي، فيما زاد على أساس شهري 0.57 في المئة على أساس شهري، حسب بيانات معهد الإحصاءات التركي.
وارتفعت تكاليف الغذاء في تركيا إلى 10.1 في المئة خلال الشهر الماضي من 10.6 في المئة المسجلة في فبراير السابق له، كما زادت أسعار المشروبات الكحولية والتبغ بأكبر زيادة سنوية 40.2 في المئة، وزادت السلع والخدمات المتنوعة 17.2 في المئة والإسكان 15.3 بالمئة خلال مارس الماضي.
ورغم انخفاض أسعار النفط العالمية، الأمر الذي ينعكس على انخفاض أسعار الوقود المحلية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها الشعوب حول العالم بسبب كورونا، إلا أن أنقرة قامت بزيادة أسعار البنزين 0.2 ليرة اعتباراً من مطلع أبريل (نيسان) الحالي، في وقت تقدم في الدول حول العالم حوافز للمواطنين وخفض لأسعار الوقود في الأسعار العالمية المتدنية.
حزمة مالية ضعيفة تعكس أزمة السيولة
ويبدو أن أضرار كورونا على الاقتصاد التركي أبعد بكثير من أن تعالجها حزمة أردوغان المالية بقيمة 15 مليار دولار، ثم دعمتها بحزمة إجراءات إضافية بقيمة 1.1 مليار دولار لدعم العمال من ذوي الأجور الأدنى.
إلا أن تركيا قد تحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ في ظل التداعيات الكارثية، فهذا مبلغ هزيل مقارنة بالحزمة التي رصدتها الولايات المتحدة الأميركية بقيمة 2.2 تريليون دولار، وكلا الدولتين ضمن مجموعة العشرين.
وسجل الناتج المحلي الإجمالي في تركيا نمواً 0.9 في المئة خلال 2019، وهي أدنى وتيرة ارتفاع سنوي في عقد، ومقابل ارتفاع 2.8 في المئة خلال 2018، إلا النمو الاقتصادي أبدى تعافيا خلال الربع الأخير من 2019 6 في المئة، ولكن جائحة كورونا جاءت لتقضي على طموحات النظام التركي باستكمال الانتعاش خلال 2020.
وتتصاعد مخاوف من احتمال تدهور الوضع بشكل كبير خلال الفترة المقبلة مع استمرار تفشي المرض وتأثر كل القطاعات الاقتصادية لا سيما قطاع السياحة الذي يشكل مصدر دخل رئيس للاقتصاد التركي ومنبع لآلاف الوظائف، ما ينذر بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو، وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل البالغة 13.7 في المئة العام الماضي، في حين لم تزد على 11 في المئة في 2018.
وتشير التقارير والإحصاءات في تركيا إلى وجود نحو 30 مليون مواطن لديهم ديون بطاقات ائتمانية، الأمر نفسه أيضاً بالنسبة للتجار الذين تسجل مديونياتهم معدلات مرتفعة، في ظل تدهور أعمالهم يوماً بعد يوم.
ويكمن القلق بشكل أساسي في حقيقة أن الاقتصاد التركي كان قبل تفشي الوباء يحقق نمواً طفيفاً منذ أزمة الليرة عام 2018.
وحتى 19 مارس لم يرَ وزير المالية التركي براءت البيرق، "أي مخاطر على الاقتصاد"، معرباً عن أمله حينها في الوصول إلى نسبة نمو تبلغ خمسة في المئة للعام الحالي.
تركيا تمارس القرصنة على شحنة طبية متجه لإسبانيا
وأظهر النظام التركي وجهه الحقيقي بعد الاستيلاء على شحنة طبية كانت في طريقها إلى إسبانيا لإنقاذ مرضى كورونا، في وقت تتكاتف دول العالم لمواجهة الجائحة الأعظم خلال قرن.
وكان النظام التركي قد أفرج الأسبوع الماضي عن الجزء الخاص بشحنة الأقنعة الواقية والمطهرات الطبية، إلا أنه ما زال يحتجز الجزء الأهم في الشحنة وهي أجهزة التنفس الصناعي.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات الإسبانية متمثلة في وزارتي الخارجية والصحة لاستعادة الشحنة الطبية؛ فإن نظام أردوغان يتعنت بشكل مثير للاستفزاز، حيث تطالب أنقرة حكومة مدريد بالتنازل عن الأجهزة لعدة أسابيع، بحجة أنها تواجه أزمة في المعدات الطبية اللازمة لمواجهة انتشار كورونا في تركيا.
معاناة قبل كورونا
وفي هذا الصدد، قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة "في اي ماركتس" في مصر، إن الاقتصاد التركي كان يعاني من قبل أزمة كورونا بانخفاض في قيمة الليرة التركية وأيضاً بارتفاع في معدلات البطالة ولكن مع تفاقم كورونا وبارتفاع حالات الإصابة فوق 20 ألفاً حتى الآن أصبح الاقتصاد التركي في وضع أكثر خطورة حيث انخفضت الليرة التركية بأكثر من 10 في المئة ليرتفع الدولار الأميركي أمام الليرة التركية إلى 6.7310 ليرة.
وأوضح معطي أن القطاع الأهم والأبرز في تركيا قطاع السياحة، إذ تجاوزت العائدات 35 مليار دولار ويعمل به حوالي مليون تركي، أصبح في حالة شلل الآن وهو ما أثر بدوره في عائدات الخطوط الجوية التركية التي كانت تأمل في تحقيق إيرادات تقترب من 15 مليار دولار ولكن مع وقف تركيا رحلات الطيران أصبح هذا القطاع متوقفاً ويضغط بقوة على الاقتصاد التركي وعلى رفع معدلات البطالة في تركيا.
وأضاف معطي أنه وفقاً لتصنيفات الوكالات العالمية ستكون تركيا الأكثر تضرراً من بين مجموعة العشرين، مع تعرضها لانكماش تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني والثالث بنحو 7.0 في المئة في عام 2020.
وتوقع بنك جي بي مورغان، انهيار النمو السنوي في تركيا على أساس فصلي بنسبة 17.2 في المئة رغم أن وزير المالية التركي صرح بأن معدلات النمو في تركيا ستصل إلى 5 في المئة برغم جائحة كورونا، وفقا لـ"معطي".