بالفعل، تأتي سوق العمل الأميركية على رأس قائمة ضحايا فيروس كورونا المستجد بتداعياته الخطيرة التي ضربت الاقتصاد العالمي، وتحديداً قطاع التوظيف.
البيانات الرسمية تشير إلى أن سوق العمل في الولايات المتحدة على موعد مع أزمة عنيفة خلال الفترة المقبلة، بعيداً عن الخسائر التي طالته منذ ظهور فيروس كورونا وحتى الآن، حيث كسر تقرير التوظيف الأميركي موجة مكاسب الوظائف الشهرية المتتالية التي استمرت لأكثر من 113 شهراً، لكن توقيت تجميع البيانات يعني أنه لم يأخذ في الاعتبار "مذبحة" الأسبوعين الماضيين.
حيث تشير البيانات إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة فقد نحو 701 ألف وظيفة في مارس (آذار) الماضي، لترتفع البطالة بأكبر وتيرة شهرية في 45 عامأً، بشكل أسوأ بكثير مما كان متوقعاً، ليكون أول شهر يشهد خفضا للوظائف منذ عام 2010.
ويبدو فقط أن عمليات التسريح بدأت في وقت مبكر قليلاً عن المتوقع، حيث أدت تدابير احتواء فيروس كورونا المستجد إلى إغلاق عدد كبير من الشركات، وبخاصة الحانات والمطاعم، مع تسريح الموظفين.
هذه الخسائر هي البداية فقط
في تقرير حديث لبنك الاستثمار "أي.إن.جي"، قال إن هذه الخسائر في سوق العمل الأميركية هي مجرد بداية، وإن الوضع سيزداد سوءاً. وكان الموعد النهائي لتجميع بيانات التوظيف الأخيرة هو الأسبوع المنتهي في 12 مارس الماضي، وتشير البيانات إلى أن نحو 10 ملايين شخص قد سجلوا أسماءهم للحصول على إعانات البطالة في الأسبوعين الأخيرين من هذا الشهر.
وأشار التقرير إلى أن نحو 459 ألف شخص فقدوا وظائفهم في قطاع الترفيه والضيافة، مما يعكس أوامر إغلاق المطاعم والحانات، بينما انخفضت وظائف خدمات المساعدات المؤقتة بمقدار 50 ألف شخص. لكن من غير الواضح لماذا فقد 76 ألف شخص وظائفهم في التعليم والرعاية الصحية، في الوقت الذي من المفترض أن يجري فيه دعم الموظفين الذين يُطلب منهم الوجود في المباني مع بدء التعلم عن بُعد بشكل متزايد.
وفقد قطاع الوظائف غير الزراعي في الولايات المتحدة أكثر من 700 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي بفارق كبير عن تقديرات المحللين. وارتفع معدل البطالة إلى مستوى 4.4 في المئة، بينما ارتفعت الأجور 0.4 في المئة على أساس شهري، وهو ما قد يعكس مشكلة حسابية، حيث يتم فصل العمال ذوي الدخل المنخفض في الغالب، وبالتالي فإن متوسط أجر أولئك الذين يعملون اتجه للأعلى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت سابق، حذر وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشين، من وصول معدل البطالة إلى مستوى 20 في المئة، والذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في وقت سابق بأنه "أسوأ سيناريو" مع استمرار مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد.
لكن خلال الأسبوعين الماضيين، تشير البيانات إلى أن ما لا يقل عن 10 ملايين شخص فقدوا وظائفهم، ومن المحتمل خسارة المزيد من الوظائف في الأسابيع القليلة المقبلة مع اتساع تدابير احتواء "كوفيد-19" وتكثيفها. كما أنه من المتوقع فقدان ما بين 8 إلى 10 ملايين وظيفة في الأسبوعين التاليين، مما قد يدفع معدل البطالة إلى مستوى يتراوح من 10 إلى 11 في المئة في تقرير أبريل (نيسان) الحالي، مع احتمالية وصول معدل البطالة إلى 15 في المئة في مايو (أيار) المقبل.
8 ملايين عامل ينتظرون التسريح
التقرير أشار إلى أن معدل البطالة شهد ذروته خلال الأزمة المالية العالمية عندما ارتفع إلى 10 في المئة، بينما كانت أعلى مستويات تتوقف عند 10.8 في المئة في عام 1982. في الوقت نفسه يجب مراعاة أن تقرير الوظائف لا يأخذ في الاعتبار العمال الذين تكون بياناتهم غير مسجلة ويحصلون على أجورهم نقداً، وبالتالي لا يمكنهم المطالبة بالمزايا.
وتقدر وزارة الأمن الداخلي الأميركية أن 3 في المئة من السكان هم من المهاجرين غير الموثقين، أي نحو 11 إلى 12 مليون شخص. وإذا تم الافتراض أن ثلثي هؤلاء يعملون بطريقة ما، والباقي إما أطفال أو راعون للأطفال، فإن ذلك يعني ضمنياً نحو 8 ملايين عامل سيكونون عرضة بشكل لا يصدق لخسارة وظائفهم.
التقرير أشار إلى أن عدداً كبيراً من الشركات لن يتمكن من تجاوز الأزمة بسبب الهبوط في الطلب، وستقوم شركات أخرى بإعادة هيكلة تتطلب قوة عاملة أقل، وفي هذا الصدد يكون هناك قلق بشأن متاجر التجزئة والعقارات التجارية. علاوة على ذلك، مع معرفة الشركات الآن أنه يمكن العمل وعقد اجتماعات عن بُعد، فقد يكون لها آثار طويلة المدى على عمليات السفر الخاصة بالأعمال والفنادق والضيافة. وعلى هذا النحو، يبدو احتمال وجود دعم مالي إضافي للأسر والشركات المتضررة أمراً مؤكداً تقريباً.
تحذيرات من ارتفاع أعداد العاطلين في السوق الأميركية
أمس، حذرت عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ماري دالي، من استمرار ارتفاع عدد الوظائف المفقودة في الولايات المتحدة الشهر الماضي، متوقعة أن يتسارع ويرفع معدل البطالة إلى أكثر من 30 في المئة نتيجة لإجراءات إبطاء انتشار كورونا، لافتة إلى أن إجراءات إبطاء تفشي الفيروس والتي ترفع معدل البطالة من شأنها أن تمهد الطريق لتعافي أسرع للاقتصاد.
وأضافت "سواء وضعت رقم 30 في المئة أو 10 في المئة لمعدل البطالة، فهذه أرقام كبيرة، وأكثر من 10 ملايين شخص يطلبون إعانات البطالة في الوقت الحالي. البيانات الواقعية هي نتيجة على نطاق واسع لأوامر البقاء في المنزل التي كانت فعالة في الأوبئة الماضية". وأوضحت أن "هذه الأرقام لن تبقى كبيرة إذا قمنا بهذه الأشياء بشكل جيد، مهما كان معدل البطالة، فإنه يتبدد بشكل أسرع. هذا ما نحاول تحقيقه، أن يكون ذلك مؤقتاً وغير دائم".
في الوقت نفسه، تراجع النشاط غير الصناعي في الولايات المتحدة، لكنه لا يزال يشهد توسعاً في الأداء بعكس توقعات انكماشه خلال شهر مارس الماضي، مع انخفاض الطلبات الجديدة. وأعلن معهد الإمدادات الأميركي "آي.إس.إم"، أن مؤشر مديري المشتريات غير الصناعي تراجع إلى مستوى 52.5 نقطة خلال الشهرالماضي مقابل 57.3 في فبراير (شباط) السابق له.
وكانت تقديرات المحللين تشير إلى أن النشاط غير الصناعي في الولايات المتحدة سيسجل انكماشاً عند مستوى 43.5 نقطة خلال الشهر الماضي. ولا تزال قراءة المؤشر أعلى من الحد الفاصل بين التوسع والانكماش في النشاط، حيث إنها جاءت أعلى 50 نقطة.
انكماش عنيف ينتظر الاقتصاد الأميركي
في السياق ذاته، توقع بنك "مورغان ستانلي" انكماش اقتصاد الولايات المتحدة بأكبر وتيرة منذ عام 1946 خلال العام الحالي، نتيجة لتداعيات فيروس كورونا. وأوضح أن اقتصاد أميركا سينكمش بنسبة 5.5 في المئة في عام 2020.
وخفّض البنك الأميركي توقعاته للربع الأول إلى انكماش على أساس سنوي بنسبة 3.4 في المئة من 2.4 في المئة سابقاً، بينما في الربع الثاني من المتوقع أن ينكمش 38 في المئة، بزيادة عن توقعات سابقة بانخفاض 30 في المئة.
فيما أظهرت التوقعات الصادرة عن مكتب الميزانية بالكونغرس الأميركي، أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بأكثر من 7 في المئة في الربع الثاني مع اشتداد أزمة كورونا. وأشار "مورغان ستانلي" إلى أن معدل البطالة الأميركي سيبلغ ذروته عند مستوى قياسي يبلغ 15.7 في المئة في الربع الثاني، وهو ارتفاع عن توقعات سابقة تبلغ 12.8 في المئة مع تراكم فقدان الوظائف إلى 21 مليون وظيفة في الربع الثاني.