فيما يواصل فيروس كورونا المستجد انتشاره السريع ليضرب غالبية دول العالم، يبدو أن خطط التحفيز الضخمة لم توقف نزيف الاقتصاد العالمي، خصوصاً مع وجود ما يشير إلى تفاقم أزمة الديون وتحديداً في الدول النامية والأسواق الناشئة التي لم تتحمل الخسائر الكارثية التي خلفتها تداعيات الفيروس القاتل.
في تقرير حديث، حذّر معهد التمويل الدولي من تزايد الديون في العالم، خصوصاً في الفترة الحالية التي قد ينتج عنها تخلف دول وشركات عن سداد التزاماتها. وأوضح أن إجمالي الإصدارات من الديون الحكومية وصلت إلى مستوى قياسي عند 2.1 تريليون دولار الشهر الماضي، وهو ما يساوي مثلي متوسط إجمالي إصدرات الحكومات الشهرية من أدوات الدين خلال الفترة من عام 2017 وحتى عام 2019 والبالغ نحو 900 مليار دولار. وتصل هذه الديون إلى 3.2 تريليون دولار إذا ما أُضِيفت إليها ديون باقي القطاعات الاقتصادية.
بيانات المعهد أشارت إلى أن إجمالي استحقاقات الديون سواء السندات أو القروض في العالم خلال العام الحالي تصل إلى 20 تريليون دولار بنهاية العام منها 4.3 تريليون دولار للأسواق الناشئة التي تحتاج إلى إعادة تمويل 730 مليار دولار من ديونها بالعملات الأجنبية حتى نهاية عام 2020.
الديون... الشرارة الأولى للركود العنيف
وتطرق التقرير أيضاً إلى أزمة الركود العنيف التي ضربت الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الركود الاقتصادي بدأ يلوح في الأفق بالفعل، وستكون شرارته الأولى الديون في العالم التي تزيد حالياً بنحو 87 تريليون دولار عن مستواها خلال أزمة 2008.
وذكر أنه إذا ما بلغ إجمالي قروض الحكومات مثلي مستواها عام 2019، وإذا ما حدث انكماش قدره 3 في المئة في النشاط الاقتصادي العالمي، فإن هذا سيرفع إجمالي الديون في العالم من 322 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى 342 في المئة بنهاية العام الحالي.
وأشار إلى أن إجمالي الديون في العالم بكافة القطاعات ارتفع بنحو 10 تريليونات دولار بنهاية عام 2019، لتصل إلى 255 تريليون دولار.
في الوقت نفسه، دعت منظمات عديدة إلى ضرورة الإلغاء الفوري لمدفوعات الديون من قبل البلدان النامية استجابة للأزمة الصحية والاقتصادية نتيجة لفيروس كورونا.
وقالت حملة الـ"يوبيل" لتخفيف أعباء الديون، ومقرها لندن نيابةً عن أكثر من 150 منظمة وجمعية خيرية، في بيان حديث، إنها أرسلت خطاباً إلى حكومات مجموعة العشرين وصندوق النقد والبنك الدولي من أجل المطالبة بمجموعة من الإجراءات لإلغاء مدفوعات الديون في العام الحالي للدول النامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعت إلى الإلغاء الفوري لمدفوعات ديون 69 دولة فقيرة لبقية العام، بما في ذلك الدائنين من القطاع الخاص، وتقدر أنها ستوفر أكثر من 25 مليار دولار لتلك الدول، أو 50 مليار دولار إذا تم تمديدها حتى عام 2021. كما طالبت بأن يكون أي تخفيف للديون أو التمويل الإضافي خالياً من الشروط على السياسة الاقتصادية مثل إجراءات التقشف، وأن تدعم مجموعة العشرين قواعد الطوارئ التي تمنع مقاضاة الدائنين من القطاع الخاص للدول الفقيرة.
وذكرت أن البلدان النامية تتعرض بالفعل لصدمة اقتصادية غير مسبوقة، وفي الوقت نفسه تواجه حالة طوارئ صحية عاجلة، مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد. وتتخذ بالفعل المؤسسات الدولية العديد من الإجراءات للتخفيف عن الدول وسط هذه الأزمة، حيث يتيح صندوق النقد 50 مليار دولار من تسهيلاته التمويلية الطارئة، كما وافق البنك الدولي على حزمة استجابة لكورونا بقيمة 14 مليار دولار.
مطالب بتعليق مدفوعات الديون الثنائية على الدول الأشد فقراً
وخلال الشهر الماضي، دعا صندوق النقد والبنك الدولي، إلى تعليق مدفوعات الديون الثنائية على الدول الأشد فقراً، لتخفيف العبء عليها في ظل مكافحة فيروس كورونا، حيث أشار صندوق النقد في تقرير حديث، إلى أن وباء "كوفيد-19" دفع العالم إلى حالة من الركود الاقتصادي، وبالنسبة إلى عام 2020 فإنه سيكون أسوأ من الأزمة المالية العالمية. ويتصاعد الضرر الاقتصادي في مختلف الدول، متتبعاً الزيادة الحادة في حالات العدوى الجديدة وإجراءات الاحتواء التي تطبق من جانب الحكومات.
في السياق ذاته، أعلن البنك الأفريقي للتنمية، حزمة تسهيلات ائتمانية بقيمة 10 مليارات دولار رداً على تفشي كورونا، بهدف مساعدة القارة على التصدي للجائحة التي ألحقت ضرراً شديداً باقتصادت المنطقة. وذكر أن التسهيلات الائتمانية الطارئة تتضمن 5.5 مليار دولار لعمليات سيادية في الدول الأعضاء بالبنك و3.1 مليار دولار للدول الهشة عبر صندوق التنمية الأفريقي، ذراع البنك الأفريقي للإقراض الميسر.
وسيقدم البنك أيضاً 1.35 مليار دولار إضافية لعمليات القطاع الخاص، وبهذا التحرك ينضم إلى مؤسسات دولية أخرى متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في تقديم تمويل طارئ للدول النامية والمنخفضة الدخل حول العالم والتي تضررت بشدة من الجائحة. وخلال الشهر الماضي، باع البنك الأفريقي سندات بقيمة قياسية بلغت نحو 3 مليارات دولار لجمع تمويل للمساعدة في مكافحة الآثار الاقتصادية الناتجة عن تفشي الفيروس المستجد.
أسوأ اتجاه هبوطي للاقتصاد العالمي
في الوقت ذاته، أكد تقرير حديث لوكالة "بلومبيرغ إيكونوميكس"، أن الاقتصاد العالمي يعيش بالفعل حالة من الانكماش، وأنه آخذ في فقدان الزخم بوتيرة أسرع من الأيام المبكرة إبان الأزمة المالية العالمية.
وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي انكمش بوتيرة سنوية تبلغ نحو 0.5 في المئة خلال مارس (آذار) الماضي، مقابل نحو 0.1 في المئة المسجلة في فبراير (شباط) السابق له. ويأتي ذلك بعد أن شهد الاقتصاد العالمي نمواً بنحو 4.2 في المئة في بداية العام الحالي.
وفي حين أن التعريف الفني للركود الاقتصادي لدولة ما يعني انكماش لمدة فصلين متتاليين، فإن الركود العالمي يشير إلى اتجاه هبوطي بشكل عام في كافة الأنشطة الاقتصادية. ومع تعميق إجراءات عمليات إغلاق البلاد طوال مارس الماضي، والتي من المقرر أن تظل قائمة خلال أبريل (نيسان) الحالي، فإن قراءة مارس من المرجح أن تكون أسوأ اتجاه هبوطي للاقتصاد العالمي.
ركود... وضغوط مالية
وفي مذكرة بحثية حديثة، قال بنك "جي.بي.مورغان"، إن الاقتصاد العالمي قد يشهد ركوداً مصحوباً بضغوط مالية مماثلة لأزمة 2008. وأضاف "لا نعرف بالضبط ما الذي سيحمله المستقبل، ولكن على الأقل نفترض أنه سيشمل ركوداً سيئاً مصحوباً بنوع من الضغوط المالية المشابهة للأزمة المالية العالمية لعام 2008".
وقالت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي، جانيت يلين، إن الاقتصاد الأميركي يعيش حالة تراجع صادمة للغاية بسبب وباء كورونا لم تنعكس بعد في البيانات الحالية، وتوقعت في تصريحات حديثة، انكماش اقتصاد الولايات المتحدة بنحو 30 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي، مشيرة إلى أن معدل البطالة قد يصل إلى 13 في المئة في الوقت الحالي. وهذه الأرقام تبدو وكأنها تحدث في كسادٍ رغم أنها في شكل مختلف تماماً عن الكساد العظيم الذي بدأ عام 1929".