"لم يمر رمضان كهذا من قبل"، عبارة يتداولها الناس في تعبيرهم عن حزنهم لما آلت إليه الأمور بسبب انتشار فيروس كورونا، إذ عليهم إعادة ترتيب يومهم الرمضاني من دون كثير من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية، في محاولة للتأقلم مع الوضع الراهن، الذي فرض عليهم نتيجة حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين منذ ما يقارب الشهرين، والقيود على الحركة، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
فعلى الرغم من اكتظاظ مدينة نابلس خلال ساعات ما قبل الإفطار، فإن الحركة الاقتصادية ضعيفة. ويقول أحد الباعة هناك إن الصائمين يتوجهون إلى شراء السلع الغذائية كالحمص والفلافل والخبز والحلويات فقط، أما إقبالهم على بقية البضائع فضعيف، عدا عن أن نسبة كبيرة منهم لا تقصد البلدة القديمة بدافع التسوق، بل رغبة في التجوال والتقاط الصور.
ويذكر بأن "هذا الاكتظاظ لا يقارن بالسنوات الماضية، فالعام الماضي مثلاً كانت الشوارع لا تتوقف حركتها خلال ساعات الصوم أو الإفطار، وكانت الزينة متدلية في كل زاوية سواء في الأماكن العامة أو نوافذ المنازل".
اجتماعيات وطقوس منقوصة
"رمضان مميز بالاجتماعيات"، تقول لارا. فهو فرصة للقاء أخواتها وإخوتها المتزوجين وتمضية الوقت معهم، إضافة إلى اجتماع العائلة الممتدة من أعمام وعمات وأبناء وأحفاد وتأدية صلاة التراويح جماعة، لكن الوضع الآن أصبح بلا عزائم أو جمعات عائلية، ولا أحد يجلس إلى طاولة السفرة في منزل أسرتها، إلا هي ووالديها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة إلى السبعينية فاطمة، فإن رمضان هذا العام "حزين ومختلف جداً"، فهي معتادة على السفر إلى الأردن سنوياً لتمضية الشهر مع عائلتها والأقارب والخروج إلى المنتزهات، وتعتبره فرصة للاجتماع بأخيها الذي يأتي من الخليج العربي كل عام إلى عمّان، لكنها هذه السنة ملتزمة منزلها، ولا تخرج إلا قليلاً إذا احتاجت إلى شراء شيء ما، ما أثر بشكل كبير في صحتها النفسية.
ومن الطقوس الدينية المهمة للصائمين صلاة التراويح، فهي بالنسبة إلى البعض تشكل روح الشهر، وإعلان بدء النشاطات الليلية. فالعشريني أحمد، كانت حياته تبدأ بالتراويح وتنتهي عند الفجر، إذ كان يجلس ورفاقه في مقهى قريب يتبادلون الحديث أو يدخنون الشيشة ويلعبون ألعاباً شعبية، أو ربما يسهرون في منزل أحدهم، لكن فرصة اجتماعهم الآن لا تتعدى لعبة فيديو مشتركة تربطهم من بُعد عبر الإنترنت.
"القدس خالية هذا العام"
"رمضان في القدس مختلف عن كل شيء آخر"، تقول المقدسية سارة. فكل عام يصنع شبان البلدة القديمة بشكل تطوعي زينة يدوية وأضواءً يعلقونها في كل مكان، وتتنافس كل حارة في امتلاك وإعداد الزينة الأجمل، التي تبهر زوار المدينة خلال الشهر، فالقدس تعج بالزائرين من المصلين والسيّاح خلال رمضان، لأنه وبحسب سارة هذه الفرصة الوحيدة للكثيرين للقدوم والصلاة، بخاصة لمن يحملون هوية الضفة الغربية أو قطاع غزة، ويحتاجون تصريح دخول.
وفي داخل المسجد الأقصى عادة ما تقوم وزارة الأوقاف الفلسطينية بتغطية الساحات بمظلات وتزيين بعض المناطق، ونشر متطوعيها لمساعدة المصلين الذين يأتون بعشرات الآلاف من كل مكان، وتنظيم وجودهم. وتوضح سارة أن المسجد الأقصى وشوارع البلدة تكتظ بالناس ولا تهدأ، فالناس تسهر أمام محالها، أو خلف عرباتها، وتفتح من الصباح الباكر، حتى أن بعض الزوار ينامون في الأزقة أو المسجد، وجزء آخر يتجول في الساحات ليلاً، ولكن لم يحدث شيء من ذلك في رمضان هذا العام.
تتابع سارة أن عمليات التزيين هذه المرة اقتصرت على أضواء خفيفة هنا وهناك، أما الأجواء العامة فمفقودة تماماً، فلا مظلات في المسجد الأقصى، ولا محال مفتوحة طيلة الوقت، ولا حتى زوار، ولا يدخل البلدة سوى سكانها، وصلاة التراويح يؤديها ما يقارب الخمسة أشخاص من المسؤولين عن المسجد كمديره وإمامه، وهو أمر بالنسبة إلى المقدسيين وغيرهم ممن ينتظرون رمضان لزيارة المسجد مزعج جداً.
أما جاد، وهو أحد الناشطين في القدس، فيوضح أن أبرز ما يفتقدونه هو الحياة المكتظة المنعشة للمدينة، والحكواتي الذي كان يتواجد بين الحين والآخر، وقيام البعض بتوزيع الحلويات على المتوافدين عند أبواب السور.
كانت صفحات التواصل الاجتماعي تحتشد خلال رمضان بصورٍ وفيديوهات لشبان وشابات يتطوعون لتنظيم موائد الرحمن أو توزيع التمر والماء على المتأخرين في العودة إلى منازلهم وقت الإفطار، لكن رمضان في فترة كورونا ألغى المبادرات والموائد والأمسيات الرمضانية والحفلات الشعبية وفعاليات الصغار والكبار.
وعلى الرغم من أن كورونا أثر في الحياة العامة، فإن الازدحامات في الأسواق ومحال الحلويات لا تزال ظاهرة للعيان، فبيع الحلويات الرمضانية من القطايف والكلاج والكنافة يشكل أحد أعمدة الحياة الاجتماعية للبعض. وفي المقابل، تستمر عادة مشاهدة المسلسلات الرمضانية والبرامج الكوميدية بشكل طبيعي من دون تغيير.