تسببت الخسائر العنيفة التي شهدتها سوق النفط خلال تعاملات شهر أبريل (نيسان) الماضي، في أن تواجه شركات النفط الأميركية خيارات جميعها أكثر من صعبة، فإما أن تستمر في نشاطها وتقترب من الإفلاس، أو توقف أنشطتها وتتجه إلى الترشيد والاستمرار في تسريح آلاف الموظفين والعمال.
البيانات والأرقام الرسمية تشير إلى أن أسعار النفط هوت بأكثر من 60 في المئة منذ بداية العام الحالي، كما تراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة 30 في المئة خلال شهر أبريل الماضي فقط، وهو ما يرجع بشكل مباشر إلى الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا، إضافة إلى حروب الأسعار التي بدأت منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، وانتهت باتفاق كبار المنتجين على خفض تاريخي بنحو 10 ملايين برميل يومياً.
ونظراً لأن الخام الأميركي هو الأكثر خسارة في ظل هذه الأزمة القائمة، فإن الشركات الأميركية دخلت بالفعل في أزمة عنيفة، وبدأت تعلن خسائر ضخمة مع توقعات بأن تتسع موجة الإفلاس بنهاية العام الحالي.
الشركات بدأت تواجه خللاً مالياً عند 20 دولاراً لبرميل النفط
في رؤية تحليلية أعدها موقع "أويل برايس"، المتخصص في شؤون النفط، قال إن شركات النفط الأميركية تواجه خللاً مالياً بدأ بالفعل عندما هوي سعر برميل النفط إلى مستوى 20 دولاراً.
وأشار إلى أن الشركات بالفعل أمام خيارات محدودة ما بين تقليص نشاطها أو تجميده. وبينما لجأ البعض إلى وقف توزيعات الأرباح الخاصة بالمساهمين، أعلنت أخرى إفلاسها كنتيجة حتمية للأوضاع الحالية. حيث أصبحت شركة "إيكونور" النرويجية، أول شركة نفط كبرى تخفض توزيعات الأرباح، بعد تقليصها بنسبة 67 في المئة، لكنها قد لا تكون الأخيرة.
وقبل أيام، أعلنت شركة "إيني" الإيطالية انخفاضاً بنسبة 94 في المئة في الأرباح خلال الربع الأول، وهي فترة لم تستوعب العبء الأكبر من الانهيار الحالي. كما خفضت قيمة الإنفاق بنسبة 30 في المئة وقلصت توقعات الإنتاج لهذا العام بمقدار يتراوح بين 100 ألف إلى 125 ألف برميل يومياً.
وفي بيانها، قال الرئيس التنفيذي للشركة، كلوديو ديسكالزي، إن الفترة منذ بداية مارس الماضي كانت الأكثر تعقيداً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي خلال أكثر من 70 عاماً. وأضاف، "نحن مثل الجميع، نتوقع أن يكون عام 2020 معقداً". وعندما سئل عما إذا كانت الشركة ستخفض توزيعات أرباحها أم لا، قال لوكالة "رويترز"، "سنرى كيف يتطور كورونا في الأشهر القليلة المقبلة، وفي يوليو (تموز) يمكننا أن نتحدث عن الأرباح".
وتشير بيانات "وود ماكينزي"، إلى أن أكبر شركات النفط الأميركية والأوروبية تواجه خطر الخسارة بنحو 175 مليار دولار نقداً إذا بلغ متوسط سعر خام برنت 38 دولاراً للبرميل على مدى العامين المقبلين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف تحمي الشركات الكبرى توزيعات الأرباح؟
وأشار التحليل إلى أن الشركات الكبرى عادة ما تحمي توزيعات الأرباح الأسهم بأي ثمن تقريباً، وعندما تكون غير قادرة على تغطية النفقات الرأسمالية وكذلك مدفوعات المساهمين، كما كان الحال باستمرار على مدى العقد الماضي، تلجأ الشركات الرئيسة إلى مزيج من تخفيضات الإنفاق ومبيعات الأصول وتحمل ديون جديدة، لذا فإن هذه المشكلة أكثر تحدياً في بيئة الأزمات في الوقت الحالي. ومع وجود فائض ضخم من النفط واحتمال تراجع مستمر في الطلب، فإن بيع الأصول ليست في الحقيقة استراتيجية يمكن الاعتماد عليها.
حيث سيكون هناك عدد قليل جداً من المشترين لأي شيء، على الأقل ليس بالأسعار التي تريدها الشركات الكبرى، هذا بالإضافة إلى أنه من المحتمل أن يكون المشترون المحتملون في وضع مالي أسوأ ولا يملكون مليارات الدولارات التي يمكنهم إلقاءها على الشركات الكبرى لشراء مشروعات غير مرغوب فيها. ومع صعوبة بيع الأصول يتبقى تخفيض الإنفاق والديون كأدوات رئيسة تستخدمها الشركات الكبرى.
وبالفعل اتخذت شركة "إكسون موبيل" ديوناً إضافية بقيمة 18 مليار دولار في مارس وأبريل الماضيين فقط، بعد 7 مليارات دولار من السندات الصادرة خلال العام الماضي بالكامل. كما أضافت شركة "رويال داتش شل" البريطانية ديوناً جديدة بقيمة 20 مليار دولار خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وحتى الآن، فمن غير الواضح إلى متى يمكن أن تستمر هذه الاستراتيجية، حيث شهدت "إكسون موبيل" بالفعل تخفيض ائتمانها من قبل وكالتين مختلفتين للتصنيف الائتماني منذ مارس الماضي. وكان مسار التدفق النقدي لشركة النفط الأميركية ضعيفاً نسبياً بالفعل منذ بداية عام 2020، حيث أدى الاستثمار الرأسمالي المتزايد إلى جانب أسعار النفط والغاز المنخفضة وانخفاض الأرباح في قطاع المصب والقطاعات الكيميائية إلى تدفق نقدي سالب بشكل كبير وارتفاع الدين في عام 2019.
فيما أرجأت شركة "رويال داتش شل" مشروعين ضخمين للنفط والغاز في خليج المكسيك وبحر الشمال بسبب التراجع الاقتصادي، وسيتم تعليق العديد من المشروعات أو إلغاؤها تماماً. لكن شركات الصخر الزيتي الأميركية المستقلة في وضع أسوأ من ذلك، حيث فقد ما يقدر بنحو 2500 من عمال النفط والغاز وظائفهم في ولاية "تكساس" في غضون 10 أيام فقط، كما أغلقت شركة "كونتيننتال ريسورسيز" معظم إنتاجها في "داكوتا" الشمالية بسبب انخفاض الأسعار. وأيضاً، خفضت شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" توزيعات أرباحها بنسبة 86 في المئة.
فيما تواجه شركة "أوكسيدنتال" أزمة مالية أكثر خطورة من شركات النفط الكبرى، حيث إنها غير قادرة إلى حد كبير على تحمل ديون جديدة بعد استحواذها المؤسف من حيث التوقيت على "أناداركو بيتروليوم" العام الماضي. لكن ربما تتمتع شركات النفط الكبرى بقدرة أفضل على النجاة من الأزمة أكثر من شركات النفط الصخري المستقلة، لكنها قد تقلص حجمها وتكون أكثر مديونية مقارنة بما كانت عليه قبل الوباء.
وتقول شركة "ريستاد" للطاقة، إن آثار الأزمة الحالية ستكون محسوسة على المدى الطويل، وستنخفض إمدادات النفط العالمية بنسبة 6 في المئة في عام 2030 عما كانت ستنجم عنه التخفيضات الحالية في الإنفاق، لافتة إلى أنه تم تأجيل مشروعات للنفط غير الصخري بقيمة تقارب 195 مليار دولار.
خفض حجم الإنفاق على أعمال الحفر الجديدة
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إلى 12.83 مليون برميل يومياً في فبراير (شباط) الماضي من 12.75 مليون برميل يومياً في يناير (كانون الثاني)، الذي جرى تعديله بالرفع بنحو 2000 برميل يومياً.
وبلغ إنتاج الخام مستوى قياسياً عند 12.87 مليون برميل يومياً في نوفمبر (تشرين الثاني) لكن نمو الإنتاج توقف إذ تخفض شركات التنقيب والإنتاج المستقلة حجم الإنفاق على أعمال الحفر الجديدة تلبية لطلب المساهمين بعوائد مالية أفضل. وبدأ منتجو النفط في أنحاء البلاد إغلاق الآبار منذ ذلك الحين استجابة لتراجع أسعار الخام، في الوقت الذي أثرت جائحة كورونا في الطلب العالمي، وهددت بغمر قدرات التخزين في شتى أنحاء العالم.
وذكرت في تقريرها، أنه في تكساس، أكبر ولاية منتجة للنفط، تراجع إنتاج الخام بنحو 5 آلاف برميل يومياً إلى 5.4 مليون برميل يومياً من رقم شهري قياسي مرتفع بلغ 5.41 مليون برميل يومياً في يناير. وستقوم الجهات التنظيمية لقطاع الطاقة في الولاية الأسبوع المقبل بالتصويت على مقترح بخفض إنتاج الولاية النفطي بعد تأجيله بفعل مخاوف من تحديات قانونية. ولجأت شركات النفط في الولايات المتحدة مؤخراً إلى خفض إنتاجهم من النفط مع انهيار أسعار الخام نتيجة لتداعيات كورونا.