على وقع خسائر مليارية بالعملتين المحلية والأجنبية تتكبدها شهرياً مصادر الدخل الرئيسة للاقتصاد، تمضي الحكومة المصرية في إجراءاتها الاحترازية "المخففة" لمواجهة تفشي وباء كورونا المستجد، وعينها على القطاع السياحي الذي تضرر بشكل كبير جراء توقف حركة الطيران والسفر على المستويين الداخلي والخارجي.
وتوقفت حركة السياحة بشكل شبه كامل في البلاد بحسب مسؤولين وعاملين في هذا المجال تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، ما قاد إلى تدهور القطاع الذي قُدِرت عائداته في الموازنة الأخيرة للدولة بـ16 مليار دولار، ويُعد أحد مصادر الدخل الرئيسة بالعملة الأجنبية للبلاد، حيث مُني بخسائر قدرتها السلطات الرسمية بنحو مليار دولار أميركي شهرياً، إلى أن قررت الحكومة أخيراً الاتجاه إلى "تخفيف مشروط" للقيود على السفر الداخلي المفروضة ضمن إجراءات مواجهة تفشي كورونا.
تخفيف "مشروط" لقيود السفر
وبحسب ما أعلنت الحكومة، فإنها ستسمح للفنادق بإعادة فتح أبوابها أمام السياحة الداخلية بشرط العمل بما لا يزيد على 25 في المئة من طاقتها الاستيعابية حتى نهاية مايو (أيار) الحالي، وتطبيق مجموعة من الإجراءات الصحية للوقاية من فيروس كورونا.
وقالت الحكومة في بيان لها، إن الفنادق ملزمة بتوفير عيادة وطبيب مقيم حتى يتسنى لها العودة إلى العمل وفحص درجات الحرارة بانتظام وتوفير مواد للتعقيم، كما طالبت باشتراطات أخرى شملت تسجيل الضيوف إلكترونياً وإخضاع العاملين لفحوص سريعة للكشف عن الفيروس عند دخول المنتجعات وتوفير طابق بالفندق أو مبنى صغير كمنطقة حجر لحالات الاشتباه أو المكتشف إصابتهم بالفيروس، موضحة أن الخطوة تأتي فى مسعى نحو السماح للفنادق بالعمل بنسبة 50 في المئة من طاقتها اعتبارا من أول يونيو (حزيران) المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما ألزمت الحكومة الفنادق بعدم السماح بإقامة أفراح أو حفلات أو أي أنشطة ترفيهية أو تقديم الشيشة أو تنظيم "بوفيهات" مفتوحة، وستعتمد مطاعم الفنادق بدلا عن ذلك على قوائم أطعمة معدة سلفاً وإتاحة مساحات أوسع بين الطاولات.
وبحسب وزير السياحة والآثار المصري، خالد العناني، فإن الاشتراطات تتضمن أيضاً تعقيم أمتعة النزلاء قبل دخول الفندق ولدى المغادرة، وقياس درجات الحرارة لهم، إلى جانب توفير معقم اليدين في منطقة الاستقبال ومختلف المرافق في جميع الأوقات، وتطهير كافة المناطق العامة بانتظام.
هل ينجو القطاع السياحي؟
ووفق متخصصين ومعنين بالقطاع السياحي في مصر، فإن الخطوة الأخيرة ورغم "عدم حساب تداعياتها وشكل تنفيذها النهائي في الوقت الراهن، فإنها تبقى بمثابة طوق نجاة للقطاع الذي وصل إلى حافة الوفاة السريرية خلال الأسابيع الأخيرة بسبب كورونا".
يقول باسم حلقة، نقيب السياحيين، "أوصلت كورونا القطاع السياحي في مصر إلى أزمة غير مسبوقة وجعلت من المستحيل استمراره، بسبب الضغوط الاقتصادية التي فرضها الوباء على كل العاملين في القطاع وأصحاب الأعمال أنفسهم".
وأوضح أن "الخطوة الحكومية في شكلها إيجابية لما ستقدمه من إعادة تدفق الحركة المتوقفة وإن كانت نسبتها قليلة، إذ سيسهم ذلك في إعادة الحياة إلى القطاع السياحي الذي سيتمكن من دفع رواتب العاملين، لكن يبقي السؤال بشأن مدى قدرة المنشآت السياحية على الالتزام بالاشتراطات الصحية التي وضعتها الحكومة وفق إرشادات منظمة الصحة العالمية".
وتابع، "السياحة الداخلية مرتبطة بالظروف والأوضاع الاقتصادية للأسرة المصرية التي تضررت كثيراً بسبب تداعيات فيروس كورونا خلال الأشهر الأخيرة، ومن ثم قد تختفي شريحة كبيرة من المواطنين من دائرة الفئة المستهدفة في السياحة الداخلية، لكن في الوقت ذاته هناك شرائح أخرى تبقى قادرة على تلك التكاليف الاقتصادية، ما يمثل بارقة أمل فى عودة السياحة، على حد وصفه.
من جانبه، يقول وليد البطوطي، المستشار الأسبق لوزير السياحة المصري، "لا يزال الغموض مسيطراً على شكل عودة السياحة في العالم ومصر على الأخص في الوقت الراهن وخلال الشهور القليلة المقبلة"، موضحاً "عودة السياحة كما كانت قبل كورونا صعبة المنال إلا مع اكتشاف لقاح لعلاج الوباء".
وأضاف، "القيود الجديدة التي تفرضها الحكومة لعودة السياحة الداخلية تشمل التباعد الاجتماعي في الأكل والشرب تتعارض مع التقاليد المعهودة لدى الأسرة المصرية، ومن ثم يبقى السؤال هل سيكون هناك التزام بالتباعد الاجتماعي خلال ممارسة أنشطة الترفيه وهل ستلتزم المنشآت بتوفير سبل الوقاية من الوباء؟". مؤكداً، "هذا ما سيتضح خلال الأسابيع المقبلة".
وعلى الرغم من التخفيف الذي طال حركة السفر في بعض دول العالم، فإنه وبحسب البطوطي، "الاشتراطات الجديدة على حركة السفر التي من بينها تقليل عدد المسافرين على الرحلة للالتزام بالتباعد الاجتماعي تزيد من كلفة السفر والنقل ومن ثم تستبعد معها حركة السياحة الاقتصادية رخيصة التكاليف في الوقت الرهن، وهو ما يمثل أحد ميزات مصر كوجهة سياحية، فضلاً عن الظروف الاقتصادية التي ضربت الكثير من الشرائح حول العالم".
سيناريوهات العودة الكاملة
في الوقت الذي يستبعد المتخصصون أي عودة كاملة لحركة السياحة في ظل استمرار تفشي وباء كورونا مع تأخر الجهود الدولية حتى اللحظة في اكتشاف لقاح للوباء، قال مصدر رسمي إن الحكومة المصرية وضعت عدداً من السيناريوهات لنجدة القطاع السياحي خلال الفترة المقبلة.
وهذه السيناريوهات بحسب المصدر "قائمة بالأساس على التوقعات باستئناف حركة السفر في الشهور المقبلة، والسيناريو الأكثر تفاؤلاً هو ترجيح عودة السفر في يونيو (حزيران) المقبل، بينما الأكثر تشاؤماً هو ذلك القائم على عدم القدرة على استئناف الرحلات الدولية في العام الحالي، وتأخره حتى الربع الأول من عام 2021 بالتزامن مع الترجيحات الدولية باكتشاف اللقاح في غضون عام"، مشيراً إلى أن السلطات وبالتعاون مع الغرف السياحية المختلفة، تدرس كافة السيناريوهات المطروحة من حيث الحملات الترويجية والتسويق والدعاية.
وتسبب مرض "كوفيد-19" الناتج عن فيروس كورونا، في توقف نشاط قطاع السياحة المصري الذي يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بما يتراوح بين 12 إلى 15 في المئة، حيث أوقفت الحكومة رحلات الطيران الدولية لنقل الركاب وأغلقت الفنادق والمطاعم والمقاهي وفرضت حظر تجول ليلي.
وفي وقت سابق، قالت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، إنها تتوقع أن تصل إيرادات قطاع السياحة، الذي تعافى جزئياً بعد سنوات من الاضطراب السياسي في أعقاب إطاحة الرئيس الأسبق حسني مبارك أوائل 2011 وحقق إيرادات قياسية في 2019، وصلت إلى نحو 11 مليار دولار في السنة المالية الحالية بدلا عن 16 ملياراً كانت متوقعة قبل أزمة كورونا.
وخلال شهر رمضان خففت مصر قيود الحجر الصحي، وسمحت لبعض الأنشطة التجارية بإعادة فتح أبوابها، كما قلصت مدة حظر التجول. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن البلاد ستبدأ في العودة إلى الحياة الطبيعية تدريجياً بعد نهاية رمضان.
وفي بداية الأزمة خصصت القاهرة 100 مليار جنيه مصري (6.38 مليار دولار) في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
وفي آخر إحصاءاتها، أعلنت وزارة الصحة، أمس، تسجيل 348 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا، و7 حالات وفاة لترتفع الحصيلة الإجمالية إلى 6813 إصابة، من ضمنهم 1632 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل و436 وفاة.