Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولايات الأميركية "الجمهورية" قد تستنجد بالديمقراطيين

احتاجت ولايات كنيويورك التي ضربتها الجائحة بشدة، إلى المساعدة على المدى القصير لكن ذلك كله على وشك أن يتغير

أمام مقر بورصة نيويورك، خواء قد لا يطول لكن الاقتصاد الأميركي كله موشك على انعطافة خطيرة (أ.ف.ب.)

خربت جائحة فيروس كورونا اقتصادات الولايات المتحدة، ما يثير سلفاً قدراً كبيراً من النقاش حول الحاجة إلى بدء الحكومة الفيدرالية بتنسيق "عمليات إنقاذ مالية". وبالفعل أخذت عناصر التدعيم الأوتوماتيكي للاقتصاد، مثل مدفوعات البطالة الفيدرالية، تتوفر سلفاً علماً أن هناك 26 مليون طلب جديد للحصول على إعانات البطالة.

وعلى المدى القصير، ستحتاج الولايات التي تضررت أكثر من غيرها من هذا الفيروس، مثل نيويورك، إلى القدر الأكبر من الدعم. لكن على المديين المتوسط والبعيد، وبينما يدخل اقتصاد الولايات المتحدة ككل في حالة سُبات متعمدة، ستحتاج الولايات الأميركية كلها على الأرجح إلى المساعدة. لطالما دعمت الولايات الزرقاء (الديمقراطية) ميزانيات الولايات الحمراء (الجمهورية)، بغض النظر عما يقوله ميتش ماكونيل. وهذا يمثل تحدياً لادّعاء الجمهوريين التقليدي بأنهم حزبٌ قادرٌ على تحمّل المسؤولية المالية، بينما تغطي حكمة السياسيين الديمقراطيين المالية تكلفة معدلات ضريبة الدخل المنخفضة التي يطرحها المشرعون الجمهوريون. ولذلك فإن البنية الضريبية للولايات الحمراء والزرقاء ستفاقم هذه المسألة مع استمرار حالات الإغلاق التام.

فبين الولايات "الأربع الكبرى"، وهي كاليفورنيا وفلوريدا ونيويورك وتكساس، ستشهد الولايتان ذواتا اللون الأحمر، تكساس وفلوريدا، على الأرجح اضطراباً شديداً في أوضاعهما المالية. ويعود السبب في ذلك إلى أن ميزانية كل منهما تأتي من ضرائب المبيعات (والآن ليس هناك من يشتري أي شيء) في حين أن كاليفورنيا ونيويورك تعتمدان على ضريبة الدخل، التي ستتضاءل خلال تفشي فيروس كورونا، لكنها لن تنهار بالكامل، لأن أكثر أصحاب المداخيل العالية قادرون على العمل من بيوتهم.

وتتجّه بعض الولايات المتهورة مالياً صوب الولايات المقتصدة، التماساً لمساعدات مالية لإنقاذ اقتصاداتها، وهذا يذكّر بأزمة منطقة اليورو أوائل سنوات العقد الثاني من هذا القرن. ولعل الفارق الأساسي بين الحالتين هو أن دول جنوب أوروبا كانت مثقلة بديون ضخمة غير قابلة للاستمرار راكمتها الحكومات لتمويل الإنفاق العام، بينما استعملت الولايات التي يحكمها الجمهوريون، الإعانة المالية الفيدرالية، لخفض معدلات الضرائب من دون تقليص كبير للإنفاق المالي على الخدمات العامة. وإذ لا تستطيع الولايات الاستدانة (وهذا يعني أنها لا تستطيع إعلان إفلاسها، على الرغم من مقترح ماكونيل الحالي) فإن الردّ على قصور مشرّعي  الولايات وحكامها الجمهوريين سيكون شبيهاً بالإعانة التي قُدّمت لدول جنوب أوروبا خلال أزمة منطقة اليورو.

من المرجّح أن الفارق الحقيقي بين الحالتين سيكمن في كيفية وصف عملية الإنقاذ المالي هذه في الولايات المتحدة. ففي حين تحمّلت اقتصادات دول جنوب أوروبا مقارنات سلبية باقتصادات بلدان شمال أوروبا، لطالما ادّعى الجمهوريون زوراً أن الولايات الحمراء هي التي تموّل التهور المالي للولايات الزرقاء. وظلّ منحى هذا الخطاب فترة طويلة من دون تفنيد، غير أن الأوضاع الحالية، جعلت الديمقراطيين، خصوصاً أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك، يشنون علناً هجمات مضادة كلما كان هناك عزف على وتر التفوق المزعوم للسياسات المالية الجمهورية لاسترضاء أو تحريض الناخبين الجمهوريين. وثمة احتمال بأن يبدأ الناس برؤية التضليل الإعلامي على حقيقته، وأن ينهار السرد التقليدي عن الحصافة المالية للحزب الجمهوري بشكل كامل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا بدأ الديمقراطيون بالادعاء بأنهم حزب التعامل المسؤول مع الملفات المالية، فإن هناك عدداً من الدروس المستقاة من أزمة منطقة اليورو التي يمكنهم أن يتعلموها. أول هذه الدروس ذات العلاقة هو أن الإنقاذ المالي الذي قدِّم لدول جنوب أوروبا جاء مشروطاً بأن تنظم الدول التي تتلقى الإعانة شؤونها المالية، وذلك بالدرجة الأولى من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي. وإذا طالب الديمقراطيون الجمهوريين بترتيب بيتهم المالي، وهو طلب يبدو معقولاً، فإن من المرجح أن يخفّض المشرعون الجمهوريون النفقات على الخدمات العامة بدلاً من فرض ضرائب الدخل.

ومن شأن خفض الإنفاق على مستوى الولاية أن يحمّل السكان الأكثر فقراً عبء الاستقرار المالي، في حين سيكون مشرعو الولاية في مأمن لمعرفتهم أن بإمكانهم إلقاء اللوم على الكونغرس لحصول خفض كهذا. إضافة إلى ذلك، فإنّ خفض الإنفاق المطبق في كل دول الاتحاد الأوروبي بعد الركود الاقتصادي الأخير زاد من تعميق تلك الأزمة.

من هنا، فالدرس الأساسي الذي ينبغي أن يتعلمه الديمقراطيون من أزمة منطقة اليورو، لا يتصل بإجراءات الإنقاذ المالي لدول جنوب أوروبا، بل في الرد على إجراءات التقشف التي ترافقت معها. ففي النصف الثاني من العقد الماضي حلّ الرفض الكامل لمشروع الاتحاد الأوروبي ككل محل مشاعر الامتعاض السابقة.

والحق أن الإحباط أدّى تدريجياً إلى تقليص القيود المالية التي فرضتها ألمانيا وبلدان شمال أوروبا. ويبدو أن جائحة فيروس كورونا قوّضتها تماماً. وبينما قد يكون من الحكمة المالية أن يربط الديمقراطيون في واشنطن إجراءات الإنقاذ بطلبات إجراء إصلاحات مالية، فإنّ ذلك سيقود على الأرجح إلى إصلاحات قصيرة المدى، إذ إنّ سياسيي الولايات الحمراء سيقفون حتماً ضد إجراءات كهذه.

وبدلاً من ذلك، على الديمقراطيين أن يسعوا لتغيير السرد السائد حول الشؤون المالية الخاصة بالولايات. فالديمقراطيون بحاجة إلى أن يقدّموا أدلة قوية على أن البنى الضريبية للولايات الزرقاء تفضي إلى استقرار أكبر من النظام الذي تحبذ اتباعه الولايات الحمراء. وعليهم كذلك استغلال هذه الفرصة لإظهار أن النظام الذي يُفضّل تمويل الخدمات العامة بواسطة ضرائب الدخل ليس فقط ممكناً، بل هو عملي أيضاً، خصوصاً في الأوضاع غير المتوقعة وحالات الطوارئ.

وحين تأتي الولايات الحمراء بخشوع إلى الكونغرس خلال الأشهر المقبلة طالبة المساعدة، فإنّ على الديمقراطيين أن ينتهزوا تلك الفرصة لإبراز الأمن المالي الذي يوفره نظام تقدمي. وبهذه الطريقة، ستستفيد البلاد كلها، وربما سيكسب حزبهم دعماً إضافياً في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية.

© The Independent

المزيد من تحلیل