يحاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إعطاء انطباع أنّ بلاده "لن تتأثر كثيراً" من تبعات حالة الركود الاقتصادي، والمتأثرة أصلاً بتراجع أسعار النفط دولياً، وبرفض تبون اللجوء إلى استدانة خارجية وطباعة النقود، ويستعرض في المقابل خطة تستهدف "مغازلة" أموال "السوق السوداء"، وتقليص نفقات التجهيز مقابل رفعها في مجال التسيير.
وتُبدي الحكومة الجزائرية في خططها نحو المرحلة الاقتصادية لما بعد كورونا اهتماماً أكبر بـ"تحسُّن وشيك" في سوق النفط الدولية، على حساب ما تصفه "ركوداً طفيفاً" في الملف الاقتصادي الداخلي، ففي تقدير الجهاز التنفيذي، فإن فترة شهرين من الحجر لم تكن ذات أثر سلبي يؤدي إلى "إفلاس القطاع الخاص"، وتبريرها لذلك أن كثيراً من الشركات "واصلت إنتاجها بشكل عادي"، إذ رخّصت الحكومة باستمرار عملية توريد المواد الأولية من الخارج.
استدانة من الجزائريين
عين الحكومة إذن على ميزانية التجهيز السنوية، بوصفها القطاع الأكثر استهلاكاً لأموال الخزانة العمومية، من هذا الباب كان أوّل قرار اتخذته الرئاسة الجزائرية "تقليص نفقات التجهيز" (موازنات الوزارات)، مقابل رفع طفيف في موازنة التسيير.
ووفق تقديرات وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإنّ "منسوب احتياطيات الصرف سينخفض من 51.6 مليار دولار، كما هو محدد في قانون المالية الحالي، إلى 44.2 مليار دولار في قانون المالية التكميلي إلى غاية نهاية العام"، فهل ستواصل الجزائر الاعتماد على هذا الاحتياطي؟
البديل كما شرح الرئيس الجزائري قد يكون عبر "الاقتراض من الجزائريين" مع مدّهم بجميع "الضمانات اللازمة"، ففي تقديرات رئاسة الجمهورية يحوز القطاع الخاص غير المُهيكّل على "ما يقارب ستة آلاف مليار دينار (الدينار الجزائري يساوي 0.0078 دولار أميركي) إلى 10 آلاف مليار دينار من الأموال القابلة الضخ". وهذه القيمة يُقصد بها الأموال المكدّسة بالبيوت خارج القطاع المصرفي، أو ما يُعرف بـ"أموال السوق السوداء"، وهي نتيجة عدم ثقة الجزائريين عادة بنظامهم المصرفيّ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول تبون، في هذا الخصوص، "أفضِّل أن نقترض من عند جزائريين عوضاً عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو من مصارف أجنبية. الأمر متعلقٌ بالسيادة الوطنية".
ويوضح المتخصص الاقتصادي لدى هيئة النقد الدولي جمال شرفي، لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجزائر تعتمد على الريع النفطي، كان وجوباً تدخل الرئيس لمعالجة الوضع الراهن، لا سيما قطاع التجارة، ثم الوضع الاقتصادي. تبون يحاول طمأنة الشارع الجزائري، الكل يتساءل عن وضعنا الاقتصادي بعد كورونا".
ويشرح شرفي، "أولاً الرئيس يؤمن أن الأزمة النفطية (ظرفية)، ربما إلى غاية يونيو (حزيران) أو يوليو (تموز)، ولن تذهب الجزائر إلى طباعة النقود، ولا إلى الاستدانة الخارجية، باستثناء المشروعات الاقتصادية العالية الجودة".
ويضيف، "خطط الرئيس تشير إلى عدم المساس باحتياطي الصرف مع استهلاك الأخير عند الحاجة فقط، مع القضاء على تضخم الفواتير التي تشكّل 20 في المئة من الموازنات السابقة في ظرف عقدين"، ويوضح أنه "عند تقييم المشروعات، الآن هناك إعادة مراقبة لقيمتها تفادياً لتهريب الأموال، أظن أن الحكومة ستراهن على تخفيض قيمة الاستيراد بنحو 30 في المئة وإعادة تقييم المشروعات، وبهذا يمكن القضاء على خسائر تراجع أسعار النفط. توجد خطة للتوجّه إلى القطاعين الزراعي والمنجمي والمواد النادرة".
الثروات النادرة
وأعلن الرئيس الجزائري التحضير لإطلاق مشروعات استغلال الثروات الطبيعية والمعدنية التي تزخر بها البلاد، ولم تُستغل حتى الآن بالشكل المطلوب. وأكد تبون، أن الجزائر تزخر بثروات هائلة "غير مستغلة"، مثل المعادن النادرة التي تحتل الجزائر فيها المرتبة الثالثة أو الرابعة عالمياً من حيث الاحتياطيات، إضافة إلى الذهب والألماس واليورانيوم والنحاس وغيرها، "أعطيت أمراً لوزارة الصناعة بإعداد إحصاء دقيق لهذه الثروات، ودفتر أعباء مع بنوك أعمال قصد الشروع في استغلالها، وإذا تطلب الأمر التشارك مع دول صديقة في هذه المشروعات سنقوم بذلك".
وأفاد الأستاذ في علوم الاقتصاد بجامعة عنابة عبد اللطيف بلغرسة، لـ"اندبندنت عربية"، بأنه "وبإعلانها أخيراً حزمة من التدابير الاقتصادية، لتنشيط الدورة التجارية، تحسباً لمرحلة ما بعد كورونا، وامتصاصاً لآثار انهيار أسعار النفط، أدركت الحكومة الجزائرية التي استقبلت عام 2020 بعجز في الموازنة العامة بلغ 1500 مليار دينار كمخلّفات الحكومات السابقة ودين داخلي وصل إلى 47 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وعجز في ميزانها التجاري، أدركت أن الأمر ليس مجرد ركود تجاري بسيط، بل بوادر أزمة مزدوجة، الأولى صحية، والثانية نفطية، ربما تمتد آثارها السلبية إلى الأمد المتوسط، فما التدابير المُتخذة اليوم؟ وما البدائل المطروحة أمام الحكومة الجزائرية غداً؟".
وقف العقود مع المكاتب
وجواباً عن هذا التساؤل، يقول بلغرسة "الرئيس الجزائري أعلن خطة تقشفية بشقين، الأول تخفيض فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار هذه السنة، علماً أن الجزائر تعتمد في إنجاز موازنتها على سعر 60 دولاراً للبرميل، واقتصادها يعاني تبعية مفرطة لعائدات المحروقات، تمثل 93 في المئة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، كما قررت الحكومة تجميد الخوض في مشروعات نفطية جديدة، وتكليف شركة النفط الحكومية (سوناطراك) تخفيض أعباء الاستغلال، ونفقات الاستثمار من 14 إلى سبعة مليارات دولار، والتوقُّف عن إبرام العقود المتعلقة بالدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية".
خطة تقشف
أمّا الشق الثاني من خطة التقشف، فيتمثل "في تخفيض نفقات موازنة التسيير 50 في المئة من دون المساس برواتب موظفي القطاع الحكومي، إضافة إلى تشجيع مزيدٍ من الاندماج المالي، والصيرفة الإسلامية، وتحسين أداء القطاع الزراعي، وزيادة على التعجيل بعملية تحصيل الضرائب والرسوم، وكذلك استرجاع القروض الممنوحة من طرف المصارف العمومية".
وعن البدائل الممكنة والمطروحة أمام الحكومة الجزائرية لتجاوز الأزمة المزدوجة، خصوصاً في جانبها النفطي، يشدد بلغرسة على "تحويل ثالوث التجديد من ساحة القول إلى العمل، وهذا لن يتم إلا باعتماد سياسة اقتصادية صارمة بشقيها النقدي والمالي، تعمل على تجفيف منابع الفساد، واسترجاع الأموال التي نُهبت جراءه، وتحصيل أموال التهرب الجبائي، وسد ثغرات التبذير والإسراف المالي الحكومي على كل المستويات أفقياً وعمودياً في الداخل والخارج".