أثار قانون "النوع" أو قانون "مكافحة العنف ضد النساء والفتيات"، الذي صادقت عليه الحكومة الموريتانية قبل أسبوع، جدلاً واسعاً ورفضاً قوياً من قبل فقهاء ونواب برلمانيين وكتاب ومدوّنين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب خروجه عن تقاليد المجتمع وأعرافه ومخالفة مواده للشريعة الإسلامية، التي ينصّ الدستور على أنها المصدر الأول للتشريع في البلد.
أفعال مجرمة وعقوبات قاسية
ويتكوّن مشروع قانون "النوع" من خمسة فصول و55 مادة، ويُعنى بتجريم "أفعال عدّة، أبرزها الاغتصاب والضرب والأذيّة وتشويه العضو التناسلي لدى الفتيات والاحتجاز والتحرش الجنسي وزواج الأطفال والابتزاز والشتم وفرض العلاقة الجنسية الشاذة ورفض تقييد الزواج أو الأبناء في الحالة المدنية".
وتؤكد المادة 24 من القانون الجديد أنه من دون المساس بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 309 من القانون الجنائي عند توفّر الشروط، يعاقَب كل من يرتكب جناية اغتصاب بالسجن من عشر إلى 20 سنة، وبغرامة مالية من دون المساس بالتعويض للضحية، الذي لا يمكن أن يكون أقل من ثمن دية كاملة، كما تعاقب محاولة الاغتصاب والتواطؤ بنصف عقوبة الحبس المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
وطبقاً للمادة 26 من القانون، يُحكم على كل من يتحرّش جنسياً، بالسجن مدة تتراوح بين شهرين إلى سنة، وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين، من دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار.
أما الضرب والجرح، فتعاقب المادة 29 من القانون مرتكبهما بحق النساء، وفقاً لأحكام المواد 285 إلى 287 من القانون، من دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار.
ثالث محاولة لتمرير القانون
ولم يعد قانون "النوع" جديداً بالنسبة إلى الرأي العام الموريتاني، فقد سبق للحكومة أن أحالته إلى البرلمان مرتين متتاليتين للتصويت عليه عام 2018، قبل أن تسحبه في وجه تصاعد قوة الرفض حينها من قبل البرلمان والقوى السياسية التي طالبت مجتمعة، بضرورة سحبه لمخالفة مواده الشريعة الإسلامية بشكل صريح لا لبس فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن الحكومة أكدت في بيان مصادقتها على قانون "النوع" أنه تشريع متكامل وفعال ضد العنف الذي تتعرّض له النساء والفتيات، إلأ أن موجة رفض واسعة للقانون شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب مطالب بضرورة سحبه من جديد وعدم تقديمه إلى البرلمان قبل إعادة النظر في مواده كافة من مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية.
وتساءلت الإعلامية أم المؤمنين بنت أزعور "لماذا مسطرو القانون في موريتانيا، أرض العلم والعلماء والنجباء، يتسكعون على قانون ماحق ساحق في أثره في الدول العربية التي سبقتهم لتبنّيه وتونس نموذجاً"؟.
وأضافت "وهم يستطيعون من خلال الشريعة جمع حقوق المرأة كاملة حيث عزتها وكرامتها وإجلالها".
وختمت "لمّا ضاعف المجتمع تكاليف الزواج انتشر الزواج السري بشكل كبير وضحاياه بالآلاف، فكيف بهالة أخرى في ظل انتشار العنوسة المرعبة؟".
إحالة العلاقات الأسرية إلى صراع
اهتم قانون "النوع" في مسودته الجديدة بسنّ عقوبات وصفتها الحكومة بـ"الرادعة" في حق المغتصبين، كما خصّص بعض مواده لسنّ عقوبات ضد الرجال في مجال الخلافات الأسرية وما ينتج منها من خصام وتراشق بالكلام بين الزوجين، معطياً الزوج نصيب الأسد من التجريم والتغريم والسجن.
واعتبرت جمعية المرأة للتربية والثقافة الموريتانية أن "قانون النوع يرسم ملامح حياة اجتماعية وثقافية تنافي الشرع، وتحيل العلاقات الأسرية إلى صراع بين الأزواج وبين الوالدين والأبناء، ما يشيع الفاحشة ويقطع الأرحام، مؤكدة أن جريمة الاغتصاب تحتاج إلى سنّ قوانين رادعة تقطع الطريق أمام المجرمين وتحمي النساء، إلى جانب إحياء القيم ونشر روح الإيمان بالله والخوف من عقابه".
وشدّدت الجمعية في بيان صحافي على أن كرامة المرأة وسعادة الأسرة في التمسّك بالنظام الاجتماعي في الإسلام وتطبيقه، بما يعنيه ذلك من تراحم وتكارم، وأن المخالفات في حق المرأة دخيلة على المجتمع الموريتاني وثقافته، ومحاربتها تكون بالاحتماء بالشريعة الغراء".
مطالب بقوانين رادعة تحمي المرأة
وعلى الرغم من الجدل الدائر، يطالب الجميع بضرورة حماية حقوق المرأة وتعزيز الترسانة القانونية للبلد، حتى تضمن حماية النساء وتحقّق لهن مكاسب كبيرة في هذا الاتجاه.
وترى الباحثة الاجتماعية زينب بنت أمحمد أنه يجب تعديل هذا القانون، بما يتماشى مع الشريعة وأعراف المجتمع، ويضمن من ناحية أخرى حق المرأة في وجود قانون رادع لجرائم الاغتصاب والتحرش والعنف الجسدي التي تعاني نساء كثيرات من انتشارها في البلد.
وتضيف أن وجود قوانين رادعة للجرائم والتجاوزات كافة التي تُرتكب في حق المرأة الموريتانية أمر لا مناص عنه، مطالبةً بتعديل قانون النوع بشكل ينهي الجدل الدائر حوله، ويضمن الوصول إلى قانون قوي يعزّز الترسانة القانونية لحماية حقوق النساء، ويغطّي مختلف جوانب العنف ضدّهن، الذي يتعدّد ويتَّخذ أشكالاً مختلفة في الفترة الأخيرة.