خلال الأعوام الماضية ضُبط عدد من كبار رجال الأعمال الإيرانيين وغير الإيرانيين خارج إيران، بتهم تتعلق بتبييض أموال وفساد وتستر على تداولات تجارية للالتفاف على العقوبات الأممية والأمريكية المفروضة-حينها-على طهران. وبالتوازي مع ذلك ضبطت السلطات الإيرانية-ولا تزال تضبط-رجال أعمال إيرانيين بتهم الفساد والاختلاس من شركات تتبع قطاع النفط وغيره في البلاد، فيما يرى خبراء في الشأن الإيراني أن التهم وردت في حق رجال أعمال عملوا أصلاً مع النظام للالتفاف على العقوبات المفروضة، أو التي كانت مفروضةعلى البلاد، وأن الاتهامات تخضع للعبة التجاذبات السياسية بين الإصلاحيين والمحافظين، أو بين رجال حقبة أحمدي نجاد، ورجال الحكومة الحالية برئاسة الرئيس حسن روحاني، فيما تلجأ الحكومة في طهران-أحياناً-لإيجاد "كبش فداء" في مثل هذه القضايا الشائكة داخلياً وخارجياً، كما حصل مع بعض الصرافين الذين حوكموا من أجل قطع تتبع سير المعاملات البنكية بغية عدم كشف وسائل الالتفاف على الحظر، بعد إلزام إيران بتوضيح تفاصيل التعاملات البنكية في إطار عضويتها في "مجموعة العمل الدولية"، كما يشير المحلل السياسي الإيراني حسين شريعت مداري.
ملف شركة البتروكيماويات
السبت الماضي فتحت السلطات في إيران أحد أخطر ملفات الفساد والاختلاس وتبييض الأموال، وهو المتعلق بـ"شركة البرتوكيماويات" الإيرانية وقد بلغ حجم الفساد المنظور فيه من خلال هذا الملف ستة مليار وسبعمئة ألف يورو، حسب مصادر رسمية، فيما تتحدث مصادر أخرى عن مبلغ 38 مليار يورو مستحقة لقطاع النفط الإيراني لدى رجال أعمال-خارج البلاد-عملوا على بيع النفط الإيراني، دون أن يقوموا بتحويل العائدات للبلاد.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن مسؤولين قولهم إن "أرقام الاختلاسات التي تمت في شركة البتروكيماويات تقدر بثلاثة أضعاف ديون "بابك زنجاني"، رجل الأعمال الإيراني المحكوم عليه في إيران بالإعدام بتهم فساد، وكان مرتبطاً بقادة في الحرس الثوري والاستخبارات، قبل إدانته بتهم "الإفساد في الأرض" و"قضايا تتعلق بالفساد في صادرات النفط الإيراني"، بالإضافة إلى حكم بالغرامة المالية بسبب غسيل الأموال، وسحب مبلغ 1.9 مليار دولار من عوائد بيع النفط، كان من المقرر أن يتم نقلها عبر شركاته، غير أنه لم يقم بسدادها. وحينها وردت حينها أسماء مسؤولين مقربين من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد متورطين بفضيحة مالية تتعلق بسحب حوالي 70 مليار دولار من حساب البنك المركزي الإيراني كقروض ومنح خلال 8 سنوات.
وبالعودة إلى الملف الذي فتح يوم السبت الماضي، تجدر الإشارة إلى أن السلطات الإيرانية وجهت تهم الفساد لـ 14 شخصاً، وجاء في لوائح الاتهام أن المعنيين متهمون بـ"الإخلال الكبير بالنظام الاقتصادي، وتحصيل مال غير مشروع، عن طريق التحايل لتحويل أموال شركة البتروكيماويات الإيرانية بالعملة الصعبة، واستغلال العقوبات المفروضة على إيران، ونقل الأموال التي تحصلوا عليها لصالح شركة البتروكيماويات، لحساباتهم الشخصية".
والأشخاص المتهمون يعدون مدراء سابقين وحاليين ضمن الشركة المذكورة، حيث وجهت لوائح اتهام رسمية إلى كل من: رضا حمزة لو المدير العام السابق للشركة، والمتهم الرئيس، ومحسن أحمديان، المدير السابق للتسويق الخارجي في الشركة، وعباس صميمي، ومصطفى طهراني صفا، وعلي رضا علاني رحماني، وهم أعضاء في مجلس إدارة الشركة، بالإضافة إلى علي رضا حسيني، مدير عام فرع شنغهاي، ومعصومة دري المديرة العامة في فرع دبي، وسعيد خيري زاده، المدير المالي السابق للشركة.
ويتكون ملف الاتهام في هذه القضية من 700 صفحة، حيث اتهم حمزة لو، بتأسيس شركة دينيز، وشركة بوليكان، بالتعاون مع سيدة تدعى مرجان شيخ إسلامي "دون الالتزام بالضوابط القانونية"، حسب لائحة اتهامه، ما أدى إلى تحصيله أرباحاً غير مشروعة تقدر بسبعة مليون وستة وخمسين ألف يورو، بالإضافة إلى سبعة مليون وعشرة آلاف يورو، حسب الادعاء العام.
واتهم محسن أحمديان بالحصول على خمسة عشر مليون وخمسمئة ألف يورو، وعباس صميمي المتهم بالحصول على 318 مليار 637 مليون و275 ألف ريال إيراني.
صحافية أصبحت سيدة أعمال
ومن بين أشهر المتهمين مرجان شيخ إسلامي المديرة العامم لشركة "دينيز وهترا تجارت"، والتي أوردت صحيفة "شرق" الإيرانية الإصلاحية أنها كانت المديرة العامة لوكالة أنباء "تراث"، وكذلك عملت مراسلة برلمانية لصحيفة "همبستكي". وكانت إلى جانب عملها في الصحافة، قد دخلت في لوبيات تجارة الفساد العائد لمسؤولين سابقين في فريق أحمدي نجاد، منهم حميد بقائي، أحد كبار مساعدي نجاد، حسب لوائح الاتهام.
وتذكر المصادر الإيرانية أن مرجان شيخ إسلامي تتمتع بقوة الشخصية والقدرة على الوصول إلى عدد كبير من الشخصيات، وقد تقدمت للترشح في الانتخابات البرلمانية عام 2009 وصادق على ترشيحها مجلس صيانة الدستور، قبيل انتخابات الدورة الخامسة، وفي الدورة الثامنة كانت مرجان شيخ إسلامي ضمن قائمة واحدة مع عدد من رجال الدين المتشددين.
وكشفت التحقيقات تزوير شيخ إسلامي هويات مختلفة، أثناء سفرها إلى أكثر من عشرين دولة، بينها بريطانيا وكندا، وأنها كانت تفتح حسابات بأسماء وهمية لغرض تبييض أموال. وذكرت المحكمة الإيرانية أن المتهمة مرجان شيخ الإسلامي تقيم حاليا في كندا.
وامتلكت السيدة التي كانت تغير من مظهرها خارج إيران ملايين اليوروهات في أوروبا وكندا، حيث لم تعد إلى إيران منذ فترة، الأمر الذي راكم ديونها للحكومة الإيرانية، ويرجح فرصة هروبها بالأموال التي كانت تتاجر بها لصالح قطاع النفط الإيراني، للالتفاف على العقوبات.
وتعهد الحكومة الإيرانية إلى رجال أعمال وشركات للقيام بأعمال تساعد طهران على الالتفاف على العقوبات الأممية وغيرها من العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، ولكن عدداً من رجال الأعمال الذين يساعدون على الالتفاف على العقوبات يحتالون لاختلاس الأموال التي تحصلوا عليها من عائدات تجارة النفط الإيراني، وغالباً ما يكون رجال الأعمال هؤلاء على علاقة بمسؤولين كبار في الحكومة والحرس الثوري.
عصابات تتصارع
يقول المحلل السياسي الإيراني المقيم في ألمانيا، حسن شريعت مداري في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" إن "هناك عصابات تتصارع مع بعضها، في نظام الجمهورية الإسلامية، وتضم جميع أجنحة الحكم في البلاد، بمن فيهم مقربون من مرشد الجمهورية، وأئمة الجمعة والحرس الثوري"، ويشير إلى أن المحاكمات الحالية لبعض رجال الأعمال والمسؤولين "هي في الواقع نتيجة للتنافس بين هذه العصابات".
ومما يعزز هذا الرأي دفاع رضا حمزة لو المتهم الرئيس في القضية المتعلقة بشركة البتروكيماويات عن أفعاله وأفعال زملائه المتهمين، مؤكداً-في قاعة المحكمة-أنهم كانوا يخدمون النظام الإيراني. يقول حمزة لو إن "شركة تسويق البتروكيماويات تقبلت المخاطر خلال فترة الحظر وهؤلاء الأعزاء (المتهمون) الذين أصبحوا مطاردين حاليا لم يحصلوا على أرباح، بل إنهم أقدموا على ذلك لصالح النظام."
وفي إشارة إلى مسؤولية النظام الإيراني في مثل تلك الأعمال التي تتهم السلطات القضائية بها شركات ورجال أعمال، يقول المحلل السياسي الإيراني حسن شريعت مداري إن "العصابات التي كانت تقوم بالالتفاف على العقوبات قد تغيرت حيث كانت مجموعات مرتبطة بالرئيس السابق محمود أحمد نجاد تتولى مهمة الالتفاف على العقوبات وقبلها كان منافسهم علی نقی خاموشی من أعضاء حزب المؤتلفة الإسلامي"، مشيراً إلى أن النظام بدأ مواجهة العصابات العائدة الى أحمدي نجاد مثلما نشهده في المحاكمات الجارية".
وفي سياق الفساد والاختلاس على خلفية تجارة المشتقات النفطية الإيرانية، تذكر وسائل إعلام نقلاً عن مصادر رسمية إيرانية أن ما يزيد على 38 ملياراً، مازالت عالقة لدى أشخاص اعتمدتهم الحكومة الإيرانية ووزارة البترول لبيع المنتجات، وتحويل العائدات إلى البلاد، غير أنهم لم يحولوا العائدات إلى المؤسسات والشركات المعنية داخل إيران.
ومع دخول القضاء على الخط وعلى وقع العقوبات القاسية المفروضة على إيران، يبدو أن التوظيف السياسي لملفات الفساد في إيران سيتصاعد، مضفياً المزيد من الغموض على ملفات مرت عليها سنوات طويلة، وتداخل فيها العام والخاص، وتضاف فيها الملفات القديمة إلى ملفات جديدة متشابكة.