سقط مرة جديدة إقرار قانون تقييد تحويل رؤوس الأموال، أو ما يعرف بمصطلح " Capital Control"، في الهيئة العامة لمجلس النواب اللبناني بعد أن أسقطت عنه صفة "العجلة"، ليُحال إلى اللجان النيابية، لإعادة صياغته وإدخال التعديلات المطلوبة عليه.
ومشروع قانون تقييد التحويلات المصرفية كان قد أُسقط في مجلس الوزراء على وقع التنازع على تعديله، لتخفق القوى السياسية مجدداً في تسجيل إنجاز يحدّ من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة على اللبنانيين، ويرسل إشارات إيجابية إلى صندوق النقد الدولي.
وطُرِح المشروع أولاً في المجلس النيابي أواخر العام الماضي بعد ثورة الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) مباشرة، وسُحِب ليعود ويُطرح على طاولة مجلس الوزراء في نهاية مارس (آذار)، ويُسحب في ظل خلافات احتدمت على تعديله، ليعود مرة أخرى إلى المجلس النيابي، لكن من دون أن يبصر النور، ويهدُف قانون تقييد رؤوس الأموال، الذي تلجأ إليه الدول المتعثرة، إلى مواجهة شحّ السيولة وهروب رؤوس الأموال، ومن ثمّ أصبح لبنان في حاجة مُلحة إليه، لحماية المصارف وحقوق المودعين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمن جهة تواجه المصارف دعاوى متعددة، بعدما لجأت إلى تقييد الودائع لمواجهة شحّ السيولة، ليصبح من الصعب على العميل تحويل أمواله إلى الخارج أو حتى سحبها إلا بقيمة محددة، ومن جهة أخرى، اُتهمت المصارف بالاستنسابية في تعاملها مع الزبائن، إذ جرى تحويل أموال البعض، ورُفضت طلبات البعض الآخر، لينظّم القانون المقترح آليات التعامل مع المودعين بطريقة عادلة.
ضوابط على التحويلات المصرفية
أبرز بنود اقتراح قانون وضع ضوابط على التحويلات المصرفية في المجلس النيابي يتمثّل بما يلي:
طرح مشروع القانون المقترح مادة وحيدة لتقييد التحويلات من الحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية إلى خارج لبنان إلا بحالات استثنائية هي:
أولاً: تسديد نفقات المعيشة والطبابة والتعليم بموجب مستندات ثبوتية.
ثانياً: إيفاء قروض ناشئة قبل نفاذ القانون وضرائب أو رسوم مستحقة لسلطات أجنبية.
ثالثاً: شراء مواد صناعية أو تجارية أو زراعية أو طبية.
وحدد القانون سقوفاً للمبالغ المحوّلة لا تتجاوز 50 ألف دولار سنوياً، واُستثني من التقييد رؤوس أموال الدولة ومصرف لبنان وأموال المؤسسات المالية الدولية والبعثات الدبلوماسية والسفارات والمنظمات الدولية، وكذلك بوالص التأمين العائدة لشركات إعادة التأمين، وأعطيت لجنة الرقابة على المصارف صلاحية تلقي الشكاوى والمراجعات حول مخالفة المصارف أحكام هذا القانون، كما حدد الاقتراح مدة سنة واحدة لنفاذ تقييد رؤوس الأموال.
الإجماع المفقود بين الكتل السياسية أسقط القانون
كما في مجلس الوزراء كذلك في النواب، اختلفت الكتل السياسية حول مشروع القانون الذي وُصف من المعارضين بـ"غير المكتمل وغير القابل للتطبيق بالصيغة التي طُرِح بها"، فالنائب عن حزب "القوات اللبنانية" ورئيس لجنة إدارة العدل النيابية جورج عدوان قال لـ"اندبندنت عربية"، "القانون فولكلوري، ويعالج التداعيات، بينما المشكلة بمكانٍ آخر"، وسأل عدوان عن رؤوس الأموال قبل الكلام عن تقييدها، وطالب بمعرفة مصير أموال المودعين والسحوبات المحلية قبل الحديث عن التحويلات الدولية.
والقانون المقترح، حسب عدوان، "ناقص"، بينما المطلوب "حلّ شامل وليس جزئياً"، واعتبر أن ما تقدّم يشكل "إطاراً عاماً غير دقيق في مقاربته، ولا يلحظ الإطار النقدي في لبنان حاليّاً".
رفض "حزب الله"
ومن الثغرات يفصّل عدوان:
- عدم لحظ أي مخصصات، كما عدم درس الإمكانات والأرقام والتداعيات على القطاع المصرفي المعنيّ أولاً بهذا القانون، الذي لم يُستشر أو يُؤخذ برأيه.
- على القانون أن يدرَس في لجنة الإدارة والعدل من الناحية القانونية والدستورية، كونه يتعارض مع النظام الليبرالي الحر القائم في لبنان.
- يجب أن يكون قانون تقييد رؤوس الأموال جزءاً من حلّ وخطة اقتصادية شاملة، وليس طرحاً وحيداً، في وقت الخطط والمشاورات مع الأطراف المعنية بالإنقاذ المالي ما زالت قائمة.
وعبّرت كتلة "حزب الله" عن رفضها القانون الذي رأت فيه أنه "يحرر الودائع لا يقيدها"، وسيشكل "خطراً أكبر على النقد الوطني إذا لم يُعدَّل بضابطة أكثر صرامة".
المصارف تحذّر من التسرع وتسأل عن التمويل
وحذّرت جمعية مصارف لبنان من التسرّع في إقرار قانون غير متكامل وغير قابل للتطبيق يأتي قبل التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في هذا الإطار، ورفعت عبر "اندبندنت عربية" سؤالاً هو الأهمّ: "من سيؤمّن التمويل؟".
وتعاني المصارف في لبنان، بعد تعثر الدولة في سداد مستحقاتها والأزمة الاقتصادية الخانقة، شحّاً في السيولة، دفعها إلى تبني إجراءات مُشددة حول السحوبات لضمان عدم انهيار أي مصرف، ما يدفع بودائع الناس إلى الضياع، وأكدت جمعية المصارف أنها "لا تستطيع تحمّل تكلفة تمويل هذا المشروع"، المُقدّرة في حدّها الأدنى بمليار ونصف المليار دولار سنوياً، في وقت تعاني مركزاً سلبياً بموجوداتها في الخارج بقيمة 2.5 مليار دولار، لذلك طالبت بتدخل "المركزي" على خط التشريع، ليكون الضامن لتمويل القانون كما مراقبته، فتحديد الجهة التي ستتبنّى التمويل أهم من كامل التشريع الذي لن يطبّق إذا لم يؤمّن تمويله.
وعلى خط صندوق النقد الدولي، وفي وقت الاجتماعات مستمرة مع الجانب اللبناني، وتطال بجزء كبير منها موضوع تقييد تحويلات رؤوس الأموال، استغربت جمعية المصارف التسرّع في الذهاب إلى إقرار قانون، بينما لم تتضح بعد متطلبات واتجاهات المجتمع الدولي المُلزمة للوصول إلى المساعدات المالية.
تعديلات بالجملة على القانون تعيده إلى اللجان النيابية
وفي سياق متصل، أوضح المحامي ورئيس مؤسسة "جوستيسيا" بول مرقص أن نص قانون تقييد حركة رؤوس الأموال يجب أن يُطرح باعتباره مشروعاً من قِبل الحكومة أُحيل إلى المجلس النيابي، وليس اقتراحاً تقدّم به بعض النواب، كونه يشكل هدفاً من أهداف الخطة الاقتصادية، لذلك اقتراحه في المجلس النيابي "يعتبر مجتزأ"، ويأتي "تسوية سياسية بعد ما سقط المشروع في مجلس الوزراء".
والقانون بالصيغة التي طُرِح بها يحتاج إلى "كثيرٍ من التعديلات" يوضح مرقص، وقد وضع النائب ياسين جابر "صيغة معدّلة"، كما أبدى مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي "ملاحظات عليه"، ما يعني تلقائياً "عودة الاقتراح إلى لجنة المال والموازنة لتطويره".
وبيّن مرقص أن من أهم التعديلات المطروحة "خفض قيمة التحويلات السنوية من 50 ألف دولار سنوياً إلى 25 ألفاً"، لخفض التكلفة الإجمالية للقانون، خصوصاً أنّ المصارف تطالب بتحرير حساباتها الجارية الدائنة لدى مصرف لبنان لتطبيق القانون، بما يقابل القيمة التي ستُحوّل بإجراء سيتعذّر على المركزي تطبيقه، كما ستُقلّص القطاعات التي تستفيد من الاستثناءات وتحديد، بشكل واضح، الآليات التنفيذية والسلطات المعنية بمراقبة حسن تطبيق القانون.
وعن التكلفة المتوقعة، لفت مرقص إلى أن "المستفيدين بين 50 و100 ألف حساب مصرفي بقيمة تحويلات سنوية تتحرّك بين 2.5 مليار دولار وخمسة مليارات (للصيغة الأساسية للقانون)".
وعلى الرغم من إعادته إلى اللجان النيابية، فإنّ إقرار قانون تقييد تحويلات رؤوس الأموال لا مفرّ منه، كونه من المتطلبات الرئيسة لصندوق النقد الدولي التي يطالب بها منذ فترة لوضع حدّ لنزيف العملات الأجنبية إلى خارج لبنان.