فيما تسعى تونس إلى تطويق تفشّي فيروس كورونا، وتنجح، حتّى الآن، في الحدّ من تداعياته، تواجه انتشار مرض التيفوئيد، أو الحمّى التيفية، خصوصاً في الجنوب.
اكتُشفت الحالات الأولى المصابة بالتيفوئيد في قرية تنبيب في محافظة قبلي جنوب تونس، التي تعاني وضعاً بيئياً هشّاً جعلها عرضة للأمراض. وتفيد التحقيقات الأولية بأنّ سبب انتشار هذا المرض هو تلوّث المياه التي تُباع إلى المستهلكين، بطريقة عشوائية من دون إخضاعها للمراقبة الصحية.
وقد حذّر وزير الصحة عبد اللطيف المكي، الخميس 28 مايو (أيار) 2020 من استعمال المياه مجهولة المصدر، ومن البيع العشوائي للمياه غير الخاضعة للرقابة الصحيّة، مؤكداً أنّ هذه المياه تسبّبت في إصابات بالتيفوئيد.
وتوضح الدكتورة ريم عبد الملك، الأستاذة في الأمراض الجرثومية في مستشفى الرابطة في العاصمة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "التيفوئيد مرض جرثومي ينتقل من الإنسان إلى الإنسان عبر مياه أو أطعمة ملوثة، أو نتيجة تآكل شبكات تصريف مياه الصرف الصحي وتسرّبها إلى شبكات مياه الشرب". وتصاحب الإصابة بالتيفوئيد أعراض عدّة، منها آلام البطن والصداع والغثيان، إضافةً إلى الإسهال الحادّ وضعف في أداء عضلة القلب.
وفيما يمكن أن يقتل هذا المرض المصاب، تؤكد عبد الملك أن العلاج بالمضادات الحيوية فعال، ويحتاج المصاب إلى المعالجة في المستشفى. وتلفت إلى أنّ تونس تُسجل سنوياً حوالى 60 إصابة بهذا المرض. وسبق أن سجلت مدينة غنوش التابعة لمحافظة قابس (جنوب تونس)، في 2016، حوالى 60 إصابة بالتيفوئيد.
46 حالة والغالبية من الأطفال
يؤكد جوهر مكني، مدير الصحة في قبلي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن عدد المصابين بلغ 46 حالة (منها 27 طفلاً) وأن 18 شخصاً ما زالوا في المستشفيات (بينهم طفلان). لكنه يجزم أنّه تمّت السيطرة على البؤرة وعدد المصابين مستقر ولا يمثل خطراً، مشيراً إلى أنّ التحاليل التي أُجريت على العيّنات التي أُخذت من مياه الشرب، من الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، أثبتت خلوّها من جرثومة السلمونيلا المسبّبة للمرض، إلّأ أنّ مياه التحلية، التي تُباع بطريقة عشوائية من دون إخضاعها للمراقبة الصحية، هي التي تحمل الجرثومة وتسبّبت بالعدوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من ذلك، فإن الفرق الصحية، وفق مكني، "تقوم دورياً بعمليات مراقبة وأخذ عينات من مياه الشرب، ويتم تحليلها في المختبرات المتخصّصة"، نافياً أن تكون السلطات الصحية تعمد إلى التعتيم على نتائج التحاليل.
وكان أهالي المنطقة، قد عبّروا عن سخطهم وغضبهم من تقاعس السلطات المحلية في شأن العناية اللازمة، مطالبين برفع النفايات بشكل دوري وإحداث مصبّات مراقبة وتجديد قنوات الصرف الصحي وتوزيع مياه الشرب، إضافةً إلى تحسين البنية التحتية في القرية.
تدخل طبي عسكري
في غضون ذلك، أعلن مدير الإسناد الصحي في الإدارة العامة للصحة العسكرية في وزارة الدفاع الوطني، العقيد الطبيب المكي بن صالح، تفعيل المستشفى الميداني العسكري المتنقل، الذي تم تركيزه في ولاية قبلي، ابتداءً من 11 مايو ومشاركته في جهود القطاع الصحي العمومي، في معالجتها حالات الإصابة بالتيفوئيد.
وأُخذت عينات من محطات بيع المياه المحلّى ومحطة التطهير من أجل مزيد من التدقيق في مصدر العدوى.
وتعاني مناطق عدّة في تونس من هشاشة البنية التحتية الصحية وتردّي المرافق الأساسية، ما يجعل منها جيوباً حاضنة للأمراض، تتطلّب عناية فائقة من الدولة بغية صون صحة وكرامة الإنسان فيها.