عاد الفنان غسان مسعود إلى الدراما بعد غياب من خلال مسلسل "مقابلة مع السيد آدم"، للكاتب والمخرج فادي سليم، الذي عرض في رمضان 2020، وشاركت فيه مجموعة من نجوم سوريا منهم رنا شميس ومحمد الأحمد، والممثلة المصرية منة فضالي. وقد اعتذر عن عدم المشاركة في مسلسل "حارس القدس"، الذي تناول سيرة المطران هيلاريون كابوجي، لأسباب تتعلق بعدم اتفاقه على شروط التعامل، مع المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وليس لأسباب مادية كما تردد في بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية.
مسلسل "مقابلة مع السيد آدم" هو دراما بوليسية، يلعب فيه مسعود شخصية خبير في الطب الجنائي، تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يتورط في تجارة بيع الأعضاء بطريقة غير قانونية. وحقق العمل نجاحاً عند عرضه.
مسعود، الذي برز اسمه في الأعمال التاريخية، يرى أن الفنان مؤهل لتقديم كل الأدوار بمختلف تلويناتها، سواء أكانت تاريخية أم معاصرة، وعندما تتوفّر شخصية مكتوبة ومركبة بنص ومعالجة جيدين، يستهويان الممثل لكي يقدمهما للناس. ويشير إلى أنه أحب فكرة مسلسل "مقابلة مع السيد آدم"، "عندما عرضها عليّ الكاتب والمخرج فادي سليم، فتولى الأخير كتابتها وبدآ في تنفيذها معاً".
هوى غربي
عرض مسعود بداية هذه السنة مسرحية "هوى غربي" في دمشق، عن نص لابنته لوتس، يتحدث عن وضع المسرح في سوريا مقارنة مع الفنون الأخرى، قائلاً، إنه "يحاول جاهداً أن يُبقي المسرح ضرورة للحياة في المدينة. لا يمكن أن أتخيل مدينة بلا مسرح، بلا مقهى، بلا مكتبة، وبلا قاعة سينما. هذه أماكن يجتمع فيها الناس، كل الناس، لينتجوا شكلاً اجتماعياً بوجه مدني".
وعمّا إذا كان المسرح هو المفضل عنده ويحقق فيه ذاته أكثر من المجالات الفنية الأخرى، يجيب مسعود من دون تردّد "نعم، أشعر بمتعة التعب الذي أبذله في البروفة، ونعم أشعر بالانتماء الحقيقي للفضاء المسرحي بكل ما يحدث فيه. أما السر وراء ذلك، فلا أشغل نفسي كثيراً بالسؤال عنه، ولا أهتم لمعرفة السبب. لكني درست هذا الفن لسنوات طويلة، وتعلمته لسنوات طويلة أيضاً. ربما هذا النوع من الحب، من الأفضل ألا أُتعب نفسي في شرحه أو البحث في أسبابه. ولكني ألخصه بكلمة أو اثنتين: الحلم والحرية، فأنا أمارس حريتي الشخصية في ترجمة حلمي من خلال تركيب مشهد مسرحي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مسعود، الذي حظيت تجاربه في السينما العالمية بالتقدير والاحترام، كيف يقارن بين تجربته وتجارب بعض الممثلين من جذور عربية، الذين برزوا في السينما العالمية في السنوات الماضية، وهل يؤمن بأن المحلية هي جسر الوصول إلى العالمية؟ يوضح "ليس بالضرورة أن تكون المحلية هي طريق الوصول إلى العالمية. أذكر فضل التلفزيون الذي أتاح لمن دعوني إلى السينما العالمية، أن يروني في أحد مسلسلاتي التي كانت تُعرض في بعض البلدان العربية، فحصل أن جاء إليّ مَن يحدثني عن فرصة كبيرة لأكون في السينما العالمية، وهي السيدة نشوى الرويني. يومها، كانت شركة (فوكس) تبحث عن ممثل يلعب دور صلاح الدين الأيوبي. طبعاً، قدمت أدواراً عديدة في السينما العالمية، وما زلت أعمل، وصحيح أنني لم أسعَ إليها، وبقيت في بلدي، فهل هذا له علاقة بالمحلية أم لا! أنا لا أهتم بمثل هذه التفاصيل".
السينما والسوق المحلية
السينما، في رأي مسعود "تعاني مشكلة السوق، ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة كلها، ولا توجد سوق داخلية تذكر باستثناء مصر ربما. وغياب السوق الداخلية يعني غياب الجدوى المادية للمنتج. وهذا ما يجعل السينما تراوح مكانها. أما مؤسسات القطاع العام، فتقوم بدورها كواجب ثقافي، تهتم به مؤسسات الثقافة وهذا لا يكفي. هناك من يعتقد أن السينما وغيرها من الفنون ترف لا لزوم له. وهذه مشكلة حقيقية. ما هو الحل؟ لا أعرف".
ويعلّق على الإشكال الذي حصل عند رفضه تسلم جائزة أفضل ممثل ثانٍ في "مهرجان القاهرة السينمائي"، إذ كان بطل العمل، فيقول "لقد تكلّمت عن هذه المشكلة مرات عدة وانتهى الأمر. وأكتفي بالقول إن سوء فهم حصل في مكان ما. أما حول الجوائز فقلت ما قلته. وفعلاً، أنا غير معنيّ بها، وهي لا تقلقني كثيراً، سواء حصلت على الجائزة أم لم أحصل".
ويلاحظ مسعود أن الدراما السورية "في تراجع كمّاً وإنتاجاً، وقد لا يكون السبب الإنتاجات المشتركة. هناك أسباب تراكمية أخرى. ومن حيث المبدأ، لا مشكلة في الإنتاجات المشتركة، لكنها ينبغي ألا تكون بديلاً عن الإنتاج المحلي الوطني، لأن غيابه يؤدي حتماً إلى نتائج سلبية لجهة الهوية الثقافية الخاصة بكل بلد على حدة، أو بكل جماعة بشرية لها خصوصياتها الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والحضارية. باختصار، لست متأكداً من الناتج الذي تقدمه الأعمال المشتركة ومدى فائدتها بالنسبة إلى الناس، وإذا ما استثنينا جانب التسلية، يكون السؤال هل مهمة الدراما التسلية فحسب أو الترفيه فحسب؟". وعلى الرغم من ذلك، يؤكد أن مستوى الأعمال الدرامية السورية لا بأس به قياساً على الواقع القاسي الذي يعيشه المواطن السوري اليوم". يتابع "هل لا بأس هي المطلوب؟ أقول للأسف كلا".
سدير ولوتس
ابن مسعود وابنته اتجها نحو العمل الفني تأثراً به، فابنه سدير يعمل في مجال الإخراج، وقدّم برنامجاً تلفزيونياً عن السينما، بينما اختارت ابنته لوتس مجال الكتابة. أما هو فله رأي في الأمر، يكشف "أنا حذر جداً في التعامل مع ولديّ، خصوصاً أنني حاولت إبعادهما عن الفن، إلى درجة أنني منعتهما من دخول المعهد العالي للفنون المسرحية، فاتّجه سدير إلى العلاقات الدولية وتخرج فيها، وعندما انتقلت إلى بيروت فاجأني بأنه يدرس الإخراج وتخرج بدرجة امتياز أيضاً، وبدأ يشتغل في الإخراج السينمائي. أما لوتس فكانت تدرس الحقوق، ثم درست الإعلام في بيروت، وتخرجت بدرجة شرف، وهي تكتب اليوم للمسرح والسينما. ونصيحتي لهما كانت دائماً الانتماء المطلق لعملهما والصبر. وطالما أنهما اختارا هذا الطريق القاسي فعليهما أن يدفعا ثمن خياراتهما مهما كانت من دون تذمر".
يعرف عن مسعود ابتعاده عن الصحافة والإعلام والوسط الفني، الذي يقول عن نظرته إليها، "أحتفظ بأسباب ابتعادي لنفسي. ويكفي أن أقول إنني اخترت الابتعاد عن الإعلام منذ زمن بعيد، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي أنا غائب عنها. أما نظرتي للوسط الفني، فلعل الجواب موجود في السؤال نفسه".
أخيراً، لمسعود نظرة خاصة إلى كورونا، لا خوفاً منه إنما أرقاً، ولديه العديد من الأسئلة، تنطلق من أن "في هذه الأزمة كثيراً من ضرب الأكتاف لزعامة العالم بين الدول العظمى. فحتى الآن لست مقتنعاً، وأسأل لماذا 400 ألف شخص فقط ضحايا كورونا خلال 7 أشهر، في حين أن منظمة الصحة العالمية نشرت تقريراً بعد شهرين ونصف من أول هذه السنة يحصي عدد ضحايا الإنفلونزا العادية، وهم عدد ضحايا كورونا نفسه، مع أن الفترة الزمنية هي أقل من النصف! لديّ شكوك كبيرة في شأن كورونا. ونحن لسنا سوى تفاصيل صغيرة في الطريق. أما بالنسبة إلى تأثيره في الفن، فإذا بقي الكوكب محبوساً وأظن أنه لن يبقى، فسيكون شأن الفن شأن أي شيء آخر في الحياة، وإذا أُفرج عن الناس من هذا الحظر، فإن الدراما ستعود، وربما تعود بتثاقل أو ببطء ولكنها ستعود".