حتى يومنا هذا، لا يزال "أحفاد العبيد" يُعانون من النظرة الدونية، ويُمنع الزواج منهم بسبب لون بشرتهم السمراء، وهم يواجهون بشكل يومي ودائم مشكلة العنصرية والتنمّر في بعض الأحيان.
"أشعر بالإهانة"
"عندما ينعتوني بالرجل الأسود، أشعر بالإهانة... إحساس لا يُمكن وصفه، لكن دائماً أتجنب الرد بطريقة عنيفة، لأنه لا يُمكن أن أواجه العنصرية بسلوك يشبهها، وأحاول أن أتقبّل ذلك وأن لا أمارسها بدوري على أصحاب البشرة البيضاء"، يقول مراد الركي، فاعل جمعوي مناهض للعنصرية والتمييز.
ويُتابع "هذه العنصرية ناجمة عن اعتبار البعض أن السود عبيد و"حراطين" وأنّ البيض كانوا ينتمون إلى مجتمع الأسياد. أعتقد أنّ مواقع التواصل الاجتماعي وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة، أسهما في تغيير هذه التقسيمات والتصنيفات بحسب العرق واللون".
"عدم الزواج من غير عرقهم أو لونهم"
ويردف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "إنّ هناك قبائل ما زالت تعمل بوصايا الأجداد التي تدعوهم إلى عدم الزواج من غير عرقهم أو لونهم، معتبرين أنّ خرق هذه القاعدة بمثابة لعنة ستُلاحقهم مدى حياتهم".
ويرى مراد الركي الذي يعيش في مدينة كلميم جنوب المغرب أنّ "أخطر أنواع العنصرية، تُعدُّ العرقية التي ينجم عنها التمييز بحسب اللون".
ويُكمل "أحياناً عندما أتسوّق، أجد شخصاً ينظر إلي على أني رجل أسود أقل قيمة، ويُعطي الأولوية لشخص أبيض البشرة".
الأولوية لصاحب البشرة البيضاء
ويُشدد على أنّ "هذه الأمراض الاجتماعية مترسّخة لدى البعض في اللاوعي الاجتماعي، لأنهم يعتبرون أنّ صاحب البشرة البيضاء لديه الأولوية في كل شي".
ويُضيف الركي، "عندما يتعلّم رجل بشرته سمراء، أو يُصبح ميسوراً اجتماعياً، دائماً يُنظر إليه على أنه أقل قيمة من الآخرين، ويُنعت بالرجل الأسود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُؤكد أنه "في بعض المجتمعات القبلية، تنتعش العنصرية والتصنيفات الاجتماعية بحسب العرق واللون".
"يجب أن ننشر ثقافة الاختلاف والتضامن مع بضعنا بعضاً، وأن نرسّخ فكرة أن جوهر الحياة في التعدّد والتنوع، وأن لا نطلب من الآخر أن يشبهنا ويكون نسخة عنّا"، يقول الركي.
وتحظى موسيقى كناوة برمزية خاصة لسود المغاربة، لأنها تُؤرّخ معاناة العبيد الذين استُقدموا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء للعمل في المغرب، وتُعدُّ وسيلة للتعبير عن آلامهم، وأصبحت اليوم جزءًا من الفن والتراث الوطنيَّيْن ويصل صيتها إلى مختلف دول العالم.
رفض العائلة
وعن منع الزواج مِمَّن يُوصف في بعض القبائل بـ"أحفاد العبيد"، يتحدث علي البالغ من العمر 35 سنة عن تجربته، قائلاً "لم ترغب عائلتي في أن أرتبط بإمرأة تنتمي إلى مجتمع الحراطين، باعتبار أن أصولي من عائلة شريفة تابعة للمرابطين".
"الحراطين" مصطلح يُطلق على الأشخاص الذين عانوا من العبودية، وهم من أصحاب البشرة السمراء، وما زالت بعض القبائل في المغرب تعتمد التراتبية الاجتماعية والتقسيم الاجتماعي بحسب اللون والعرق.
ويُضيف علي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "لا يُمكن أن أحتقر امرأة بسبب لون بشرتها ولأنّ أجدادها كانوا عبيداً، لذلك ارتبطت بها على الرغم من معارضة عائلتي، وكان ذلك حدثاً استثنائياً في القرية".
"ما زالت تنظر إليهم باعتبارهم عبيد"
وينحدر علي من مجتمع قبلي في نواحي مدينة ورزازات جنوب المغرب، تمنع الأعراف القبلية فيه الزواج من ذوي البشرة السمراء.
وهو يرى أنّ المجتمع بدأ يتغير وهناك نساء ورجال سود أثبتوا أنفسهم في مجالات مختلفة، لكن بعض القبائل ما زالت تنظر إليهم على أنهم عبيد".
بعد زواجه، ترك علي قريته ليستقرّ وزوجته في مدينة الدار البيضاء، ويُضيف في هذا الصدد، "لم يقبلوا زواجي، وما زالوا يعتقدون أنّ لعنة الأجداد والشرفاء ستُلاحقني... أنا مقتنع بزواجي ولا يُمكن للون بشرة زوجتي أو تاريخ أجدادها أن يمنعني من الارتباط بها".
على رغم نجاحهم... يُنظر إليهم باحتقار
أما نعدي الحسين، رئيس فرع جمعية "أفريكا" لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز العنصري في مدينة كلميم في جنوب شرقي المغرب، فيقول "إنّ مجموعة من العائلات لا تزال تعتبر نفسها من أعيان المنطقة، ودائماً يرجعون إلى التاريخ، عندما كانوا يُشغّلون العبيد السود. وعلى الرغم من نجاح أبناء مَن يصفونهم بمجتمع "الحراطين" في الترقّي اجتماعياً بفضل التعليم، لكن هذه القبائل ترفض تقبّل ذلك وتنظر إليهم باحتقار".
ويُضيف في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، "رصدنا حالات تمييز بسبب اللون بلغت درجة العنف، وهم يحرمون أصحاب البشرة السمراء من التعبير عن أرائهم".
وتنشط الجمعية في مدينة كلميم وتُناهض التمييز والعنصرية بشتى أنواعها.
"كان أجدادنا يعملون في بيوت الأسياد"
ويقول الحسين، "في ما يخصّ الزواج، لا يُمكن لصاحب بشرة سمراء أن يتزوج امرأة بيضاء، لأن الانتماء العرقي ولون البشرة عاملان مهمان في هذه المناطق. ونحن نعمل على إيجاد نقاشات ومناظرات لطرح هذه القضايا والمساهمة في التوعية".
وفي شمال المغرب نواحي مدينة شفشاون، يعيش محمد، الذي يوضح "لقد وصلنا إلى شمال المغرب بسبب تجارة العبيد التي كانت منتشرة قديماً، وكان أجدادنا يعملون في بيوت الأسياد، لكن بعد زوال العبودية، استقر أجدادنا في هذه المناطق".
"العنصرية للأسف أصبحت جزءًا من حياتنا"
ويُضيف "العنصرية للأسف أصبحت جزءًا من حياتنا، هناك من يمزح ولكن الأمر يُؤثر فينا نفسياً، إلّا أنّنا نُحاول التعايش مع الوضع".
ويُؤكد "لا يزال البعض يتذكّر تاريخ أجدادنا، وللأسف هناك من يرفض ارتباط ابنته بشخص أسود لأنه يعتبره أقل قيمة منه".
ويرى عبد السلام أولاد حميدو، رئيس "جمعية بوجعاد" للتنمية والتعاون، في قرية بوجعاد نواحي شفشاون، "أنّ العنصرية في هذه القرى غير مقصودة، وأنّ السود تعايشوا معها واعتادوا على أن ينعتهم البعض بالسود كمزحة".
ويعتبر أنّ "هناك حالات لمَن ارتبطوا بزوجة لديها بشرة بيضاء. هذه القرى تعيش تحوّلات مهمة في السنوات الأخيرة".
"هناك استثناءات ويجب أن لا نعمّم"
ويُشدد على أنّ "حالات رفض الزواج يجب أن لا نربطها باللون، هناك استثناءات ويجب أن لا نُعمّم. النظرة الدونية بسبب اللون تم تجاوزها، لأن هناك شباباً سود في القرى يشغلون وظائف مهمة ونجحوا أكاديمياً".
ويذكر عبد السلام الذي ترعرع إلى جوار السود في قرية بوجعاد أنّ العنصرية ضعيفة في هذه المناطق.