خلال أيام فقط، تحوّل مؤشر البطالة في سوق العمل الأميركية من مستوى توقعات يتجاوز الـ30 في المئة، إلى حدود الـ13 في المئة فقط، وهو ما يعدّ من الألغاز الصعبة التي تحققت في ظل استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تسببت في انضمام ملايين الأشخاص إلى طابور البطالة والتحوّل إلى طلب الإعانات، مما يشير إلى قرب تعافي الاقتصاد الأميركي من أكبر أزمة خانقة في التاريخ الحديث.
وتسبّبت جائحة فيروس كورونا في أن يفقد ملايين العمال الأميركيين وظائفهم، مع تأثر الشركات بقرارات الإغلاق، إضافة إلى تسبب الخسائر العنيفة في سوق النفط في توقف شريحة كبيرة من الشركات عن الإنتاج، ما تسبب في تفاقم أزمة البطالة التي كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتفاخر بأنها قد وصلت إلى أقل مستوى لها في 50 عاماً قبل ظهور الوباء.
وقبل أيام، أعلنت وزارة العمل الأميركية أن عدد العمال الذين تم تسريحهم مؤقتاً بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد تجاوز 42 مليوناً، مع انضمام 1.87 مليون شخص خلال الأسبوع قبل الماضي إلى طالبي إعانات البطالة. وتشير البيانات إلى أن عدد الطلبات الجديدة المقدمة في الأسبوع المنتهي في 30 مايو (أيار) أسوأ قليلاً من المتوقع، ولكن أقل بنحو 249 ألفاً من الأسبوع السابق، مما يشير إلى أن عمليات التسريح غير المسبوقة تتباطأ.
من جهة أخرى، ارتفع معدل البطالة المؤمن عليها، الذي يشير إلى عدد الأشخاص الذين يتلقون إعانات بالفعل، بنصف نقطة إلى 14.8 في المئة في الأسبوع المنتهي في 23 مايو، مع 21.5 مليون شخص يتلقون إعانات.
سوق الوظائف تعود من حافة الهاوية
ويشير تحليل أعده البنك الاستثماري الهولندي "أي.إن.جي"، إلى أنه وبطريقة ما عادت سوق الوظائف في الولايات المتحدة من حافة الهاوية مع قفزة التوظيف، على الرغم من عدم وجود أي من استطلاعات الطلب على العمالة يشير إلى أن هذا كان أمراً محتملاً ولو من بعيد.
وأضافت سوق العمل الأمريكية وظائف بأكبر وتيرة على الإطلاق في خطوة مفاجئة لكل توقعات المحللين. وارتفعت الوظائف خارج القطاع الزراعي في الولايات المتحدة بنحو 2.509 مليون في مايو مقابل تقديرات إجماعية بانخفاض 7.5 مليون.
وكان هذا بعيداً جداً عما كان يتوقعه أي شخص، بخاصة في ظل بطء وتيرة إعادة فتح الاقتصاد وحقيقة أن أكثر من 12 مليون شخص قدّم طلبات جديدة بالبطالة خلال فترة المسح. كما جاء تقرير الوظائف في القطاع الخاص الأميركي أقوى مما كان متوقعاً، ولكن حتى هذا فقد أكثر من 2.7 مليون وظيفة، لذلك تعدّ بيانات التوظيف الشهرية واحدة من أكبر صدمات البيانات الاقتصادية في التاريخ، إن لم تكن الأكبر.
وتظهر التفاصيل أن الوظائف الخاصة ارتفعت بنحو 3.09 مليون مع زيادة 1.239 مليون في قطاع السفر والضيافة، وزيادة 368 ألف في قطاع في البيع بالتجزئة، وزيادة 464 ألف وظيفة في البناء، وارتفاع 225 ألف في التصنيع. في حين أن القطاع الوحيد الذي شهد انخفاضاً كان في الحكومة بنحو 585 ألف وظيفة.
انخفاض طفيف بأجور العاملين لكل ساعة
وكان المسح الأسري الذي يستخدم لحساب معدل البطالة أقوى بشكل أكبر، وأوضحت البيانات أن أولئك الذين قالوا إنهم حصلوا على وظائف بلغوا 3.839 مليون، ولكن هناك بعض الغرابة هنا بالنظر إلى انخفاض البطالة بنحو 2.09 مليون فقط، لذا يبدو أن العمال الجدد قد تم إضافتهم من العدم.
وكان معدل الاستجابة منخفضاً جداً على المستويات المعتادة، لذلك يمكن أن يضيف هذا أيضا شعورا متزايداً بالارتباك، بالإضافة إلى كيفية تحديد الأشخاص لذاتهم في نطاق الردود المتاحة لهم في الاستطلاع. وفي كلتا الحالتين، انخفض معدل البطالة إلى 13.3 في المئة من 14.7 في المئة وارتفعت نسبة العاملين ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و65 عاماً إلى 52.8 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حين أن متوسط أجر العاملين لكل ساعة انخفض 1 في المئة، وهو ما يعكس مرة أخرى التشوهات عندما لا تقوم بمزج البيانات وتعديلها. في الوقت نفسه، فإن الملايين من الأشخاص ذوي الأجور المنخفضة نسبياً الذين يكسبون الآن أجراً سيسحبون تلقائياً متوسط معدل الأجر في الساعة، لذا يجب تجاهل هذا الرقم.
وبطبيعة الحال، سيكون هناك بعض الشكوك العالقة حول هذه الأرقام نظراً لأنها تخبر مثل هذه القصة المختلفة مقارنة بجميع البيانات الأخرى في سوق العمل، ولكن هذه هي البيانات الرسمية وفي ظاهرها رائعة. كما تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الأميركي يمكن أن يرتد بقوة مرة أخرى ونحتاج جميعاً إلى مراجعة توقعاتنا الاقتصادية بشكل كبير.
ووفق التحليل، يجب أن يستمر التعافي في التوظيف، بخاصة مع استمرار إعادة فتح الصناعات الموجهة نحو المستهلك والصناعات المتعلقة بالضيافة. ومع ذلك، لا يزال هناك ما يبرر الحذر، فمن غير المرجح أن يحتاج معظم المطاعم وتجار التجزئة إلى العدد الذي كان يحتاجه من الموظفين قبل تفشي الوباء بالنظر إلى التباعد الاجتماعي الذي يحدّ من عدد العملاء في أي وقت.
في ما يرى العديد من الشركات أنه ليس من المجدي اقتصادياً فتحها في هذه المرحلة وتفضيل البقاء مغلقاً، لا سيما في المدن الكبيرة، حيث ستظل مجمعات المكاتب مغلقة لبعض الوقت في المستقبل وليس هناك تدفق للعملاء. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى التراجع في النشاط الاقتصادي العالمي، قد لا يحتاج العديد من شركات التصنيع والخدمات المهنية إلى عدد من الموظفين بقدر ما يواجهون البيئة الاقتصادية الجديدة المتمثلة في ضعف أرباح الشركات وارتفاع مستويات الديون.