منذ دخول فرنسا المرحلة الثانية من تخفيف قيود الحجر الذي فرض نتيجة وباء كورونا، عادت البلاد لتشهد قدراً من الحيوية التي غابت عنها طوال ثمانية أسابيع.
ففتحت المتاجر أبوابها مجدداً وسمح للمقاهي والمطاعم بمزاولة نشاطها وفقاً لإجراءات صحية صارمة.
لكن الأجواء السائدة، لا سيما في باريس وضواحيها التي تعد من المناطق التي سجلت أعداداً مرتفعة من الإصابات بكورونا، تبدو أقرب إلى الرتابة والقنوط، منه إلى الارتياح لنجاح الجهاز الطبي في احتواء الوباء الذي تسبب بوفيات فاقت 29 ألف شخص.
في المقابل، يدرك المعنيون أن تهديد الوباء تراجع، لكنه لم يزل قائماً واحتمال التعرض للإصابة لا يزال ممكناً، ما يحمل على توخي الحذر في الحياة اليومية.
لكن الأهم من التخوف من الوباء، القلق حيال المستقبل المهيمن على الفرنسيين بمعزل عن أعمارهم وانتماءاتهم الاجتماعية.
فالحجر الكلي الذي اعتمد في فرنسا أدى إلى شلل شبه تام لمجمل المرافق الاقتصادية، وإلى خسائر طائلة لا تزال الحكومة الفرنسية منكبة على تقديرها.
وعلى الرغم من الطابع الكوني لوباء كورونا الذي عطل مجمل النشاط الاقتصادي العالمي الذي تراجع بنسبة 25 في المئة، تبدو فرنسا من الدول الأكثر تأثراً مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية.
في هذا السياق، صرح وزير المالية الفرنسي برونو لومير إن البلاد مقبلة "على أزمة اقتصادية غير مسبوقة" وستؤدي إلى ركود "أسوأ من الركود الاقتصادي الذي شهده العالم غداة الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وحرص لومير الذي تحدث خلال جلسة استماع أمام اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي على رسم صورة واقعية للوضع الاقتصادي القاتم، لافتاً إلى أن التراجع في النمو لعام 2020 الحالي سيبلغ نسبة قياسية تقدر بحوالى 11 في المئة، وأن الناتج القومي سيسجل انخفاضاً بمعدل 8 في المئة في ظل عجز مستمر في التفاقم يقدر حالياً بـ52.2 مليار يورو.
والواضح من كلام لومير، أن وباء كورونا أتى في غضون شهرين تقريباً على كل ما تسنى إنجازه من تحسن على صعيد معدل النمو وتقلص البطالة خلال السنوات الثلاث التي مضت على تولي الرئيس إيمانويل ماكرون للحكم.
وفي ظل هذه الأجواء، من البديهي عودة هاجس البطالة ليسيطر مجدداً على الفرنسيين، خصوصاً أن التداعيات الاقتصادية لكورونا لم توفر أياً من القطاعات الإنتاجية.
وتفيد تقديرات المصرف المركزي الفرنسي بأن الآثار الاقتصادية السلبية متفاوتة من قطاع إلى آخر، لكنها تتساوى جميعاً من حيث ارتفاع معدلات الخسائر التي تهدّد قدرة عشرات الآلاف من المؤسسات الإنتاجية على النهوض وتجنب خطر الإفلاس.
وبالأرقام، أشار المصرف المركزي إلى أن قطاع البناء مثلاً، سجل انخفاضاً في الإنتاج بلغ 75 في المئة، وأن إغلاق المقاهي والمطاعم وكذلك الفنادق أدى إلى تراجع في المردودية بلغت 65 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، لم توفر الخسائر قطاعات النقل المختلفة، وقطاع الخدمات والتجارة باستثناء تلك المتخصصة بالمواد الغذائية والمنتجات الأساسية، علماً أن رفع الحجر والعودة التدريجية إلى النشاط في الدورة الاقتصادية لن يؤديا إلى نتائج إيجابية قبل أوائل العام المقبل.
ولا تشجع هذه التوقعات والأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام الفرنسية الفرنسيين على الاستهلاك والإنفاق خصوصاً أنهم معروفون بميلهم إلى الادخار تحسباً للمستقبل.
في الوقت ذاته، فإن السخاء الذي أبدته الحكومة الفرنسية منذ حلول الوباء على فرنسا واعتمادها سلسلة من المساعدات والتقديمات لتعزيز قدرة المؤسسات والأفراد على الصمود مادياً، ترافقا مع تخوف مبرر من أن تترتب عليها لاحقاً أعباء ضريبية تزيد من أثقال الأوضاع المعيشية.
لكن التخوف الأكبر الذي يجمع بين الفرنسيين هو البطالة على ضوء الأرقام التي كشفتها وزارة العمل، وأشارت إلى أن الحكومة تسدد حالياً وبنسبة 80 في المئة أجور حوالى3. 6 مليون شخص أحيلوا على ما سمي البطالة الجزئية بسبب إقفال مؤسساتهم.
والمعطيات المتوفرة لا تحمل على الثقة بأن جميع هؤلاء سيستعيدون أعمالهم ووظائفهم الاعتيادية عندما ستكف الدولة عن اعتماد نظام تمويل البطالة الجزئية الذي يمتد في قطاعات معينة حتى سبتمبر (أيلول) المقبل.