تسبب القتال الدائر حول طرابلس والفشل اللاحق للمنافسين السياسيين وإخفاق المجتمع الدولي في تهدئة الصراع القائم والتوصل إلى اتفاق سلام دائم، في خسائر اقتصادية فادحة يزيد من تفاقمها تفشي جائحة كوفيد-19 في البلاد.
توقف تصدير النفط الليبي منذ 18 يناير (كانون الثاني) 2020 بسبب إغلاق موانئ ومحطات النفط. وعلى افتراض بقاء الانقطاع بسبب الصراعات العسكرية المحتدمة في البلاد، ومع الاستئناف البطيء لإنتاج النفط، يتوقع البنك الدولي أن يصل إنتاج ليبيا من النفط بنهاية العام الحالي إلى متوسط مستوى إنتاجها المسجّل في العام الماضي، أي متوسط إنتاج بنحو 0.67 مليون برميل يومياً، ونتيجة لذلك سيكون نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سلبياً هذا العام (-19.4 في المئة)، ولكنه مرشح للانتعاش بنسبة 22.2 في المئة في 2021 قبل أن يستقر عند نحو 1.4 في المئة بعد ذلك.
وقال البنك الدولي إن تأثير انخفاض صادرات البلاد من النفط على عائدات ليبيا بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط يخلق عجزاً متزايداً في الميزانية والحساب الجاري للبلاد (36.7 و29.3 في المئة) من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط 2.5 و8.6 في المئة خلال 2021-2022. ونتيجة لذلك، يمكن أن تنخفض الاحتياطيات إلى 81 مليار دولار أميركي في عام 2020 وما بعد ذلك إلى 77 مليار دولار أميركي بحلول نهاية عام 2022.
أخطر أزمة سياسية ركعت الاقتصاد الليبي
وقال البنك الدولي إن انتعاش الاقتصاد الليبي ظل مجمداً منذ أوائل العام الماضي، بسبب أخطر أزمة سياسية تواجهها ليبيا منذ عام 2011.
وأضاف في تقريره أن اندلاع الحرب حول طرابلس في أبريل (نيسان) 2019 منع ليبيا من مواصلة توسيع اقتصادها القوي، لافتا إلى أنه بعد الركود العميق الذي شهدته ليبيا خلال الفترة 2013- 2016 مدفوعاً بإنتاج محدود للنفط (0.6 مليون برميل يومياً في المتوسط مقابل إمكانات 1.6 مليون برميل في اليوم)، تمكّن الاقتصاد الليبي من زيادة إنتاج النفط بشكل كبير فوق مليون برميل يومياً في المتوسط خلال 2017-2019. ونتيجة لذلك، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المتوسط 21 في المئة خلال 2017- 2018، لكنه تباطأ بانخفاض حاد إلى 2.5 في المئة في عام 2019، ومن المتوقع أن يكون سلبياً في عام 2020.
6 سنوات من العجز
بعد أربع سنوات من ارتفاع معدل التضخم، انخفض مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في عام 2019، مدفوعاً بشكل رئيس بانخفاض التبادل الموازي لسعر السوق، بفضل الرسوم على معاملات العملة الصعبة (183 في المئة في سبتمبر 2018، انخفض إلى 163 في المئة في عام 2019)، وسهولة الوصول إلى العملات الأجنبية الموازية وتقارب أسعار الصرف الرسمية. وفي هذا السياق، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين 2.7 في المئة عن أول 9 أشهر 2019. ويقدر الانكماش بمتوسط 3 في المئة عام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الرغم من ارتفاع عائدات النفط ورسوم الفوركس، ظلت الميزانية العامة للبلاد في عام 2019 تحت الضغط مقيدة بتزايد النفقات.
وحققت الميزانية الليبية، بحسب البنك الدولي، فائضاً صغيراً (1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) بعد ست سنوات من العجز. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للحكومة، وكذلك الدين قليلاً، ولكن لا يزال مرتفعاً عند 144 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
في عام 2019، استمر الحساب الجاري في ليبيا في تسجيل الفوائض للسنة الثالثة، وهذا يرجع إلى استمرار سياسة التقنين للبنك المركزي الليبي، التي تحدّ من المعروض من العملة الصعبة باستثناء الواردات الأساسية. بينما أسهمت رسوم الفوركس في كبح الطلب على الواردات من القطاع العام.
31.7 مليار دولار إيرادات الكربوهيدرات
أسهم ارتفاع إيرادات قطاع الكربوهيدرات بـ 31.7 مليار دولار أميركي، في تحقيق الفائض. ومع ذلك، كان الفائض أقل من ذلك المسجل في عام 2018 (11.6 مقابل 21.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).
سمح الفائض للبنك المركزي بتعزيز مزيد من الاحتياطيات الأجنبية بمقدار 3.6 مليار دولار أميركي، لتصل إلى 86.2 مليار دولار أميركي في نهاية 2019 (124 مليار دولار أميركي في عام 2012).
وقد سلط مسح حديث لبرنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، الضوء على الوضع المتردي للليبيين، حيث إن نصف المستجيبين للمسح قالوا إنهم لم يستطيعوا الوصول إلى الغذاء المدعوم من الحكومة ويعيشون في منطقة كان فيها ما لا يقل عن خمسة قتلى في توقيت إجراء المسح. علاوة على ذلك، أكثر من نصف المشاركين في المسح أشار إلى غياب حقهم في الوصول إلى حساب مصرفي أو لم يتمكنوا من سحب الأموال خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
مخاطر وتحديات
قال تقرير البنك الدولي إن الصراع القائم في ليبيا من أجل السلطة والثروة، سيؤخر الانتعاش والاستقرار. وسيعطّل إنتاج النفط وتصديره، ويمدّد العواقب الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة على البلاد، وأضاف أن الانتشار المستمر لعدوى وباء كورونا في أوروبا يعطّل كلا من العرض والطلب على السلع. وأشار التقرير إلى أن ليبيا قد تعاني من انخفاض الطلب على النفط، مما سيتسبب في تراجع العوائد النفطية للبلاد، التي قد تواجه أيضاً انخفاض المعروض من المعدات والسلع الاستهلاكية، التي من شأنها أن تعطل مزيداً من تقديم الخدمات الأساسية وزيادة معاناة السكان.