يحذر عدد من العلماء المرموقين والمستقلين من أن نظام الاختبار والتعقب لمخالطي المصابين بفيروس كورونا غير صالح لتحقيق هذا الغرض، وأن بريطانيا لن تتمكن من التعافي اقتصادياً من أزمة "كوفيد 19" إلا إذا تبنت نهجاً مغايراً بشكل جذري [عن النهج السائد حاضراً].
وسيكون من المستحيل في ظل النظام الممركز الذي قدمه مات هانكوك وزير الصحة البريطاني ووصفه بوريس جونسون رئيس الوزراء بأنه أفضل نظام على المستوى العالمي، النجاح في تعقب وعزل المعرضين للإصابة، بدرجة تكفي للتخلص من فيروس كورونا. وشكّل ذلك رأياً خلصت إليه مجموعة "سَيج المستقلة" ("المجموعة العلمية الاستشارية المستقلة للطوارئ) Independent Sage التي يترأسها ديفيد كينغ، رئيس المستشارين العلميين السابق للحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، حذّر ذلك الفريق المستقل من العلماء من أن "اضمحلال الثقة" بالحكومة خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصاً بين الكيانات المجتمعية الإثنية، سيقوّض في الغالب الالتزام بالبرنامج الذي يعتمد على التزام من يُشخصون بوصفهم مُخالطين لمُصابين، بأن يعزلوا أنفسهم طواعية أسبوعين كاملين.
وجاء في تقرير مجموعة "سَيج المستقلة" Independent Sage أن وجود برنامج فاعل للاختبار والتعقّب يعتبر أمراً "أساسيّاً إذا أردنا تعافي اقتصادنا، وحماية سبل العيش وتأمين الرخاء والخدمات الصحية للجميع لأمد بعيد"، لكنه يستنتج إنه من الواضح "عدم تحقق ذلك الآن".
ويرى التقرير أنه من الضروري كي ينجح نظام الاختبار والتعقب، تزويد الأشخاص الذين يُعتبرون من مخالطي المُصابين، بالطعام والمال كي يعزلوا أنفسهم، إضافة إلى إعطائهم ضمانات من قِبَل أصحاب العمل بشأن تمكنهم من العودة إلى أشغالهم. وكذلك يعتبر التقرير أن تحقيق كل هذه الأمور سيجعلهم [المُخالطين] يشعرون بأنهم على استعداد لقبول التقييدات على تنقلاتهم طيلة أسبوعين.
وكذلك يحذر التقرير من أن المملكة المتحدة ستبقى في مرحلة "حرجة" في معركتها ضد فيروس كورونا، مع استمرار الجائحة بالتنامي في بعض أجزاء البلد.
وفي صورة عامة، يبدو التقرير لاذعاً في انتقاده نظام الاختبار والتعقب الذي تترأسه عضوة حزب المحافظين الليدي ديدو هاردينغ، ويتضمن تزويد 25 ألف متعقب بعقود عمل كي يتصلوا بمخالطي المصابين ويطلبوا منهم عزل أنفسهم في بيوتهم.
إذ يستنتج العلماء المستقلون في تقريرهم إنه في الإمكان احتواء الفيروس حين يجري تعقب 80 في المئة أو أكثر، من الذين اتصلوا بمصابين، وضمان أن يعزلوا أنفسهم بأنفسهم في بيوتهم، وهذا "من الواضح أنه غير متحقق تحت مخطط هاردينغ".
كذلك يدين التقرير نظام الاختبار والتعقب الحكومي باعتباره "غير مُجَرَّب ويدار من قبل شركات تنقصها الخبرة في هذا المجال"، مشيراً إلى أن الليدي هاردينغ نفسها أخبرت البرلمان بأن هذا النظام لن يكون فاعلاً بشكل كامل حتى شهر سبتمبر(أيلول) المقبل. ويدعو التقرير إلى إعادة هيكلة النظام بشكل جذري، مع نقل مسؤولية إدارته إلى مديري الصحة العامة المحليين.
وعلى نحوٍ مماثل، ينتقد أولئك العلماء "الفشل الواضح" في تطبيق "أن أتش أس أكس" الرقمي المخصص للهواتف الذكية، وقد صُمّم لتنبيه الأشخاص عندما يصبحون على مسافة مترين من مُصابين بفيروس "كوفيد 19"، لكنه لم يوضع موضع التطبيق على المستوى الوطني بعد تعثر التجربة التي أجريت عليه في جزيرة "وايت" الإنجليزية.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن "من المهم أن يشكّل هذا "التطبيق واحداً من مجالات عدّة تتبعتها المملكة المتحدة كنهج خاص بها، ويكون مختلفاً جداً عما تتبعه البلدان الأخرى".
ويتبنّى التقرير انتقاداً جاء من طرف الفريق الاستشاري للحكومة المعروف باسم "المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ" ("سَيج") SAGE حول عدم دقة برنامج [الفحوصات المعتمدة على أخذ] المسحات [من الأنف والحلق، بهدف تقصي وجود فيروس كورونا] التي تؤخذ في المنازل، وكذلك الحال بشأن العدد الكبير من النتائج السلبية التي انتجها البرنامج.
إذ يرى التقرير أن ذلك البرنامج يكون فاعلاً في ظل وجود تسهيلات كافية لإجراء الفحوصات بشكل سريع، لكن ثمة "مخاوف متعددة" من عدم توفر هذا الجانب في إنجلترا، بحسب التقرير.
وفي هذا السياق، تدعو مجموعة " سَيج المستقلة" SAGE الحكومة إلى الاستفادة من تجربة نيوزيلندا التي نجحت في التخلصت من فيروس كورونا، كي تطوّر نموذجاً أكثر تكاملاً يشمل عناصر البحث والاختبار والتعقب والعزل والمساندة. واستطراداً، فإن برنامجاً كهذا يجب أن يُدمَج ضمن شبكات الرعاية الصحية الموجودة فعلاً، ويستند إلى السلطات المحلية والمهنيين العاملين في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS مع آليات محاسبة صارمة.
وبذلك، سيتمكن البرنامج المقترح من تقديم حزمة دعم شاملة لمعارف (المصابين) سيطلب منهم عزل أنفسهم، تشمل الدعم المادي، ومكاناً للإقامة وضمانات بأنهم سيكونون قادرين على العودة إلى العمل بمجرد انقضاء أسبوعَي العزل المنزلي.
وفي ذلك الصدد، يذكر البروفيسور ديفيد كينغ إن "الحكومة ركّزت بشدّة على نظام الاختبار والتعقب والمتابعة خلال الأسابيع الأخيرة، حتى أطلقت عليه لقب "أفضل نظام على مستوى العالم".
ويرى كينغ أنه "من الواضح بموجب بحثنا أن هذا النظام ليس كما وصفته الحكومة، بل إنه في وضعه الحالي غير صالح للغرض (الذي طّور من أجله").
ويضيف، "هذه لحظة حرجة بالنسبة إلى الحكومة كي تتحرك الآن أو أنها ستخاطر بتصاعد الإصابات مرة أخرى. نحن نرى أنه من الضروري تبني نهج جديد، يبتعد عن ذلك النظام الممركز، ويستخدم نهجاً يعطي الأولوية للمعطى المحلي. وكذلك ندعو الحكومة وبشكل ملح، إلى إعادة النظر في مسارها بهدف ضمان أن يكون لدينا نظام يساعد في تعافي هذه البلاد، ولا يعرقله".
وبشأن تقرير "سَيج المستقلة" Independent Sage، يوضح ناطق بلسان "دائرة الصحة والشؤون الاجتماعية"، أن "تطبيق "الاختبار والتعقّب" الرقمي الذي طوّرته هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS، يمثّل خدمة جديدة تقدّم على مستوىً لم تشهده البلاد قبلاً. ويساعد التطبيق في السيطرة على الفيروس واحتوائه، وينقذ بالتالي أرواحاً كثيرة. ويفشل هذا التقرير [لمجموعة "سيج المستقلة"] في ملاحظة أن التوصيات التي يتضمنها إما إنها نُفّذت أو قيد التنفيذ. لقد عملنا على إنشاء صناعة كاملة في الفحوصات [المتعلقة بكورونا] خلال أسابيع محدودة. وحاضراً، نعمل على مساعدة آلاف الناس في التسجيل لإجراء الفحوصات، ومشاركة المعلومات عن مُخالطيهم المقربين، وعزلهم. وكذلك يستطيع كل من يحتاج إلى فحص الحصول عليه. ونعمل باستمرار على تطوير تطبيق "الاختبار والتعقب" الذي طوّرته "الخدمات الصحيّة الوطنية" NHS ، ويشمل ذلك زيادة مشاركة المعلومات مع السلطات المحلية ونظمها في الرعاية الصحية. وبهدف توسيع الدعم لذلك البرنامج، نقدم 300 مليون جنيه إسترليني، إضافة إلى الدعم الشامل، سعياً منا إلى مساعدة المجالس المحلية في تطوير خططها بشأن السيطرة على الوباء في مناطقها".
© The Independent