أكثر ما يثير الدهشة في شمال سوريا هذه الأيام هو سباقات عربات "الهامر" الأميركية و"التايغر" الروسية العسكرية على الطرقات. وقد انتشر بكثافة مقطع فيديو يوثّق حادثة وقعت في 11 يونيو (حزيران)، يُظهر توقف عربة أميركية جرّاء خلل فني أصاب محركها خلال سباق مع دورية روسية ناورت لتتجاوزها.
لم يمضِ وقت حتى علّق الرئيس السابق في إدارة التعاون العسكري الدولي العقيد ليونيد إيفاشوف، واصفاً الحادث بـ"العرضي ويشكّل استفزازاً لأميركا، ما يُبقي المنطقة في حال توتر، في ظل استمرار الصراع على الطرقات، وهذا ما تبتغيه واشنطن".
في غضون ذلك، تلتزم دمشق الصمت حيال هذه التطورات، ولم يصدر عن العاصمة السورية أي تعليق رسمي في شأن ما يحدث على أراضيها، أو حول حوادث الدوريات المسيّرة والمتكرّرة.
مقابل ذلك، تعترض حواجز الجيش النظامي الدوريات الأميركية بين الفينة والأخرى، بأعمال يصفها مصدر أهلي كردي بـ"الفردية" من قبل عناصر حواجز الجيش السوري في القامشلي والحسكة.
ويضيف "هذه التصرفات مستفزّة للدوريات الأميركية الحليفة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما يجعل المنطقة أكثر توتراً، حتى إنّها دفعت في وقت سابق إلى وقوع اشتباكات".
في الأثناء، أشار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، إلى ما وصفه بـ"استراتيجية الخروج من سوريا"، إذ لا تعتزم بلاده البقاء بشكل دائم.
عودة الأجواء المشحونة
ويتحدث مصدر ميداني في منطقة الحسكة لـ"اندبندنت عربية" عن عودة التوتر بين دوريات الجيشين الروسي والأميركي، على الرغم من تسيير دوريات مشتركة بينهما في شمال شرقي البلاد في 27 مايو (أيار).
ويلاحظ المصدر ذاته أن الأجواء مشحونة والتوتر آخذ بالتصاعد، مرجّحاً "استمرار تلك الاستفزازات بين الدوريات، ما لم تتوقف واشنطن والكرد عن استجرار النفط والقمح لصالحهما".
وعلى الرغم من ذلك، يصف المصدر الميداني في الحسكة المكان بـ"الصفيح الساخن"، "علماً أن المنازعات والمشاحنات بين عربات البلدين تراجعت ولم تعد كما كانت في السابق، إلّا أنّ عودة التوتر وضعت الأطراف العسكرية كافة في حال تأهب".
وتُرجَّح عودة المشاحنات إثر انفجار عبوة ناسفة يوم الثلاثاء 9 يونيو الحالي بعربة روسية في منطقة عين العرب (كوباني) الواقعة شمال شرقي مدينة حلب وتبعد عنها 150 كيلومتراً، لكنه لم يسفر عن إصابات.
الاتفاق الغائب
لا تعوّل الأوساط السياسية في دمشق على مخرجات اتفاق سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أو على وصول قواتها النظامية إلى مناطق الجزيرة، شرق الفرات.
ويرى مراقبون سياسيون أن العاصمة السورية لا تملك كل الأرض بعدما تقاسمتها قوى دولية ومحلية، منها "قسد". وعلى الرغم من ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية حضورها بـ33 آلية عسكرية وبنحو 270 من رجال الشرطة العسكرية.
في المقابل، رسّخت واشنطن حضورها في الشمال الشرقي بإرسال تعزيزات إلى قواعدها المحيطة بحقول النفط السوري، قُدّرت بوصول 50 إلى 100 شاحنة كل أسبوع.
إزاء ذلك، يراقب الأكراد عدم إمكانية السلطة السورية بسط سيطرتها على كامل أراضيها، على الرغم من حضورها في القامشلي- الحسكة، بفرق عسكرية رمزية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبات المكوّن الكردي أكثر جسارة عسكرياً ومدعوماً أميركياً، عدا عن انشغال النظام بقضايا اقتصادية وتأثيرات العقوبات الأميركية والأوروبية في وضعه المالي، إذ ارتفع الدولار متخطّياً عتبات 3 آلاف ليرة قبل أسبوع.
في الأثناء، طالب النائب الكردي في البرلمان السوري عمر أوسي، باستقالة الحكومة وفتح حوار بين دمشق والأكراد.
ودعا عضو مجلس الشعب خلال مداخلة في جلسة علنية إلى "استئناف الحوار بين الكرد والحكومة السورية، وقيام الطرفين بتنازلات متبادلة وبالمرونة الكافية لإنجاحه" وفق ما نقلت شبكة "رووداو".
إلّا أنّ الفرق الكردية ومنها "قسد"، الفصيل المسيطر في الشمال الشرقي، لا تتفق على إجراء تفاهمات مع الحكومة السورية، ما لم تعترف بالحكم الذاتي والفيدرالية في إقليم كردستان.
الطريق إلى النفط
وعلى الرغم من دخول الدوريات الروسية حلبة السباق في الشمال في أكتوبر 2019، وحضور العربات الأميركية منذ الحرب على تنظيم "داعش" في 2018، إلّا أنّ لهما دوراً في وقف الزحف التركي، لا سيما عملية "نبع السلام".
ويستعرُ السباق سخونة، متحوّلاً إلى صراع مستفزّ بين العربات، بعد أن تكرّرت الحوادث، إذ قطعت موسكو بآلياتها طريقاً في القامشلي (القحطانيةـ رميلان)، حيث هناك مواقع غنية بالنفط، ومنعت وصول عربات أميركية إليها لساعات عدّة.
ولا تتردد القوات الأميركية في قطع طرق عربات "التايغر" الروسية، ومنعتها مراراً من الوصول إلى رميلان وتل تمر والقامشلي.
وتفضل الإدارتان الروسية والأميركية وصف ما يحدث بـ"التصرفات الفردية"، أو ضعف التنسيق. لكن أنظار الطرفين ترنو إلى تقاسم مناطق النفوذ. وفي الأجواء، يتردّد حديث عن اتفاق غير معلن.