إذاً، لم يغيّر مجلس العموم عادته بالتصويت ضد المقترحات. لكن هامش الخيارات التي يواجهها أعضاء البرلمان صار أضيق في هذه المرحلة. ويزيد حجم الهزيمة من صعوبة محاولة رئيسة الوزراء تمرير صفقتها للمرة الثالثة. صحيح أنها تمكنت من إقناع 41 نائباً فقط بتغيير تصويتهم منذ الهزيمة الأكبر التي تلقتها في يناير (كانون الثاني)، لكنها الآن ما زالت في حاجة إلى أن يقوم 75 نائباً آخرَ بتغيير موقفهم كي تتمكن من تمرير صفقتها.
يعني هذا الأمر أن البرلمان يتجه نحو مطالبة الاتحاد الأوروبي بتأجيل مغادرة بريطانيا، بريكست، وهو في الواقع، طريقة أخرى لعدم حسم القرار، كما قالت رئيسة الوزراء بحدة بعد التصويت.
وعدت تيريزا ماي بتصويت جديد حول مغادرة الاتحاد من دون اتفاق. وهذا ما لا تريده، إلا أنها لا تغامر بشيء في هذا التصويت، فهو خيار آخر سيصوت مجلس العموم ضده. وأكدت أنها ستسمح لنوابها بالتصويت بحرية، لكنها لم تذكر ما ستفعله بصوتها. أعتقد أنها ستمتنع عن التصويت، لمعرفتها أن مقترح بريكست من دون اتفاق سيخسر بهامش كبير، إذ يسانده أقل من 100 نائب من أصل 600 في مجلس العموم.
والأهم من ذلك، كررت ماي وعدها بالتصويت يوم الخميس على طلب تمديد الجدول الزمني للمادة رقم 50 من معاهدة لشبونة.
قبل قيام مجلس العموم بالتصويت على تأجيل بريكست قد تجري محاولات أخيرة لتوفير الدعم لاتفاق مختلف.
التغيير الجوهري الوحيد في الصفقة قد يكون ممكناً إذا قبلت الحكومة باتحاد جمركي دائم. يمكن إدراج هذا الأمر بسهولة ضمن الإعلان السياسي غير المُلزم في صفقة الخروج، إذ يجب التفاوض على التفاصيل بعد مغادرتنا للاتحاد الأوروبي.
قد تميل تيريزا ماي إلى قبول اتحاد جمركي في محاولة يائسة إذا كان هذا السبيل الوحيد للخروج، لكنني لا أستطيع أن أتصور كيف يمكن رئيس حزب العمال، جيريمي كوربين، أن يؤيد رئيسة حكومة من حزب المحافظين، حتى لو كان ذلك في صالح سياسته الخاصة.
ولكن في الأحوال كلها، يُفتقر إلى دعم كافٍ في البرلمان والوقت نفد أمام خيارات أخرى مثل تنظيم انتخابات عامة أو اختيار رئيس حكومة جديد.
الطريقة الوحيدة لتفادي تأجيل بريكست ستكون في تمرير مجلس العموم نسخة ثالثة من صفقة رئيسة الوزراء في محاولة ثالثة أو حتى رابعة. قد يجبر اقتراب موعد الخروج 75 نائباً على تغيير موقفهم. لكن لا يبدو أن الأمور ستسير على هذا المنوال. ولا يُرجح أن تقدم دول الاتحاد الأوروبي الـ27 تنازلات في اللحظة الأخيرة إذا استُبعد إقرار بريكست من دون اتفاق، ربما نمتحن صبرهم حالياً لكن تأجيل بريكست لا يخيفهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالتالي فإن المرجح هو أن يقرر مجلس العموم الخميس طلب تمديد للجدول الزمني. ولو صوت المجلس ضد هذا الخيار كذلك، سيتوجب عليه تكرار التصويت للاختيار بين الصفقة أو التأجيل حتى ترجح كفة أحدهما. وإذا بقي النواب على حيرتهم، يبقى الخروج من دون اتفاق من غير مسوغ قانوني. بإمكان مجلس العموم أن يصوّت ضد الخروج من دون اتفاق كما يحلو له، لكن يبقى هذا مجرد تعبير عن الرأي ريثما يصوّت لصالح خيار آخر.
في خطابها التاريخي في 26 فبراير (شباط) قبلت رئيسة الوزراء بأن يقرر مجلس العموم المراحل التالية من بريكست، حتى لو كانت تخالفه الرأي. وليس مألوفاً أن تتعهّد رئيسة الحكومة بتمرير قوانين مناقضة لسياسات حكومتها. لكن هذا ما قالته ماي.
ووعدت بتقديم "التشريعات اللازمة" لتغيير موعد الخروج في القانون. خطوتها التالية هي التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول مدة التمديد وشروطه. وأشار رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى أن مدة التمديد القصير الأجل لا يسعها أن تتجاوز تاريخ 23 مايو (أيار)، حين تُنظم انتخابات البرلمان الأوروبي. يقتضي التمديد لمدة أطول أن تشارك المملكة المتحدة في تلك الانتخابات، وقد يكون هذا الأمر مربكاً لكنه ممكن.
على الرغم من كل العقبات التي تقف في طريقها حالياً، قالت تيريزا ماي أمراً حقيقياً بصوت أجش خافت عندما افتتحت النقاش. واشتكى نواب من كل الأحزاب أنها تعاملت مع موضوع الخروج في شكل سيء للغاية وقدّموا شرحاً للطريقة التي كان ينبغي على ماي أن تعالج فيها الأمر، ذاكرين أكثر من عشرة مقترحات مختلفة ومتعارضة.
وقالت ماي "تعود المسؤولية إلى هذا المجلس". وهي محقة. فإن فشل مجلس العموم في اتخاذ قرار إيجابي يعني أنه يميل إلى عدم اتخاذ قرار. يعارض مجلس العموم مغادرة الاتحاد الأوروبي وفقاً لصفقة رئيسة الوزراء، وسيؤكد أنه ضد المغادرة من دون صفقة. ما يعني أن مجلس العموم لا يريد الخروج بواسطة صفقة أخرى أو أنه لا يريد الخروج على الإطلاق.
حجم التصويت اليوم يدير الدفة باتجاه عدم المغادرة نهائياً، مع ذلك وكما أشارت رئيسة الحكومة، فإن كثيراً من النواب يرفضون تحمل مسؤولية ما كان، فعلياً، قرارهم.
© The Independent