كي تتمكّن المملكة المتحدة من استعادة ما يشبه الحياة الطبيعية، لا بد من الحدّ من قدرة فيروس كورونا على الانتشار، بعدما تفشّى عبر المدن والبلدات البريطانية. وقد أدّى الإغلاق المفروض، وإن كانت له عواقب وخيمة على الاقتصاد، إلى كبح جماح العدوى والحدّ من عدد الإصابات اليومية.
لكن الإغلاق لا يمكن أن يكون حلاً دائماً، والخيار الوحيد في غياب اللقاح المضاد للمرض، هو اعتماد نظام اختبار ناجع ونظام تتبّع للمصابين وعزلهم، من أجل القضاء على العدوى عند ظهورها.
وقد كشف أمس نظام الاختبار والتتبّع حديث الولادة الذي بدأت تطبيقه هيئة "خدمات الصحة الوطنية" NHS، عن بعض البيانات الأولية المستمدّة من أول أسبوع كامل لوضعه قيد العمل. يأتي ذلك بعد الإحباط الكبير الذي عبّر عنه الأسبوع الماضي نواب لجنة الصحة المختارة في مجلس العموم لمتابعة الموضوع، الذين لم يتلقّوا أي بيانات عن عملية الاختبار والتتبّع من البارونة ديدو هاردينغ، المسؤولة عن قطاع التطوير في هيئة "خدمات الصحة الوطنية".
البارونة هاردينغ كانت قد وعدت بتقديم مزيد من البيانات، لكنها لم تفِ بتعهّدها حتى كتابة هذا المقال، بالتالي قد يكون من الصعب أن نحكم على ما إذا كان نظام الاختبار والتتبّع فاعلاً.
وبحسب الإحصاءات، أُحيل نحو 8117 شخصاً ثبُتت إصابتهم بفيروس "كوفيد - 19" في الفترة الممتدّة ما بين 28 مايو (أيار) و3 يونيو (حزيران)، إلى نظام الاختبار والتتبّع. لكن ليس لدينا في الواقع أي فكرة عن عدد الأفراد في إنجلترا الذين جاءت نتائج اختبارهم إيجابية خلال ذلك الأسبوع. لذلك لا نعرف ما إذا كان جميع الذين ثبُتت إصابتهم بالعدوى قد أُدخلت بياناتهم في النظام.
البروفيسور جون نيوتن، المسؤول في "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" أشار إلى أن أرقام الاختبارات اليومية التي أعلنتها الحكومة، شابتها بعض الأخطاء، وتضمّنت عدّاً مزدوجاً.
وقد تمكّن النظام الجديد للاختبار والتتبّع الذي وضعته هيئة "خدمات الصحة الوطنية" NHS Test and Trace من التواصل مع 5407 فقط من أصحاب تلك الحالات الإيجابية، لكن هذا النظام لم يستطع بعد التحقّق من عدد الحالات التي اختُبرت، وتلقّي النتيجة في غضون 24 ساعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الخبراء قد أكّدوا أنه كي يكون نظام الاختبار والتتبّع فاعلاً، يتوجّب أن يعمل بسرعة لمنع الأشخاص المصابين من نشر الفيروس. وأوضحت البارونة هاردينغ أنها كانت تتعاون مع "هيئة الإحصاء البريطانية" ONS من أجل ضمان صحة البيانات منذ لحظة استخدام النظام حتى ظهور النتائج، على مدار 24 ساعة، ومعرفة عدد الحالات الإيجابية التي تمّ التحقّق منها بشكل صحيح.
واستخدمت المسؤولة في "خدمات الصحة الوطنية" الذريعة ذاتها عندما مثُلت أمام نواب لجنة الصحة المكلّفة متابعة تطورات الوباء. وكان رئيس اللجنة جيريمي هانت قد نبّه البارونة هاردينغ إلى أنه بحاجة إلى تلك البيانات، مطالباً إياها مرة جديدة بإرسالها إلى اللجنة قبل نهاية هذا الأسبوع. وحذّر من أن غياب الشفافية يمكن أن يضرّ الثقة بالنظام الجديد المستخدم.
وتشير الإحصاءات التي صدرت أمس إلى أن 33 في المئة من تلك الاختبارات الإيجابية، إما لم يتمكّن "نظام خدمات الصحة الوطنية للاختبار والتتبّع" من الاتصال بها، أو في حال حصول ذلك، فهو لم يقدّم في المقابل تفاصيل عن الأشخاص الذين كانوا على تماس معهم.
ويعمل هذا النظام على الاتصال بالأفراد قرابة 10 مرات في محاولة للوصول إليهم، من هنا إنّ الفشل في بلوغ ثلث عدد الذين ثبُتت إصابتهم بالفيروس يشكّل مصدر قلق جدّي.
ويمكن القول في الإجمال إن "نظام خدمات الصحة الوطنية للاختبار والتتبّع" نجح في التواصل مع نحو 27 ألف شخص كانوا على اتصال وثيق مع شخص مصاب، لكن 4800 شخص إما لم تتمكّن هذه الخدمة من الوصول إليهم، أو رفضوا التزام إجراء العزل الذاتي.
البارونة هاردينغ لم تشأ في هذا الإطار أن تفصح عن عدد الذين رفضوا عملياً التعاون. ومن دون معرفة عدد الاختبارات الإيجابية الموجودة في إنجلترا، وكم من أصحابها تلقّوا نتائج الاختبار في غضون 24 ساعة بعد الاتصال بهم من "نظام خدمات الصحة الوطنية للاختبار والتتبّع"، لا يمكننا الحكم على مدى نجاعة هذه الخدمة الجديدة.
وإضافةً إلى ذلك، يشكّل آلاف الأشخاص المصابين الذين لم يتم الاتصال بهم، خطراً حقيقياً يوازي في أهميته عدد جهات الاتصال التي لم يتم التحدث معها. وعلى الرغم من أن "نظام خدمات الصحة الوطنية للاختبار والتتبّع" قد شهد انطلاقة جيدة، فإنّ الواقع يشير إلى أن فيروس كورونا أظهر مدى سهولة انتشاره بين الناس.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنه مع عدم الاتصال بآلاف المصابين بالعدوى، فإنّ الحقيقة هي أن الفيروس سينتشر بسهولة لأن الأشخاص يخرجون من الإغلاق، وقد لا تظهر أعراض المرض على كثيرين من المصابين.
في النهاية، كي تتمكّن المملكة المتحدة من التغلّب على الوباء، سيحتاج نظامها للاختبار والتتّبع إلى إدخال تحسينات كبيرة عليه.
© The Independent