"إنّه أمر مقرف ولكنّها القوانين، سأمكث مع صديقي. عليّ البقاء في المنزل بينما يُضطرّ هو للعمل، ولكن لا بأس بذلك في الوقت الحالي". هذا ما قالته صوفي من النرويج التي وصلت (يوم الاثنين الماضي) إلى مطار هيثرو بعد رحلة مضنية عبر أوسلو وستوكهولم.
لو أنّها تمكّنت من إتمام رحلتها قبل 13 ساعة فقط، لكانت انضمّت إلى الشعب البريطاني الذي يشهد تخفيفاً تدريجياً في قيود الإقفال التام. ولكنّها عوضاً عن ذلك، كانت من بين أوّل الواصلين الذين سيبدأون بتطبيق قواعد العزل الذاتي التي دخلت حيّز التنفيذ في المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد أصدرت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل الأوامر بأن يلتزم جميع الوافدين إلى مطارات إنجلترا ومرافئها ومحطات القطارات الدولية فيها الحجر الصحي الذاتي لمدّة 14 يوماً في عنوان محدّد يبلّغون عنه.
وعلى غرار الركاب كافة على متن الرحلة SAS 531 الآتية من العاصمة السويدية، ستُضطرّ صوفي للبقاء في منزل صديقها حتّى منتصف ليل 23 يونيو (حزيران) الحالي وهو تاريخ انتهاء فترة العزل الذاتي التي تمتدّ لأسبوعين بدءًا من اليوم الذي يتبع وصولها. وفيما يمكنها استخدام "الحديقة أو الفناء الخلفي أو الممرّ أو السلالم أو المرآب أو الباحة الخارجية أو أيّ ملحقٍ آخر بالمنزل الذي اتّخذت منه مكاناً لإقامتها، يحقّ لها أيضاً الخروج لزيارة الطبيب أو للمثول أمام المحكمة أو لحضور جنازة أو للتبضّع بالحاجات الاساسية فقط.
في السياق، أُنشىء هذا القانون التشريعي الجديد على فرضيّة أنّ كلّ وافد يصل إلى المملكة المتحدة هو حامل للفيروس، بالتالي يتوجّب عليه عزل نفسه عن باقي السكان علماً أنّ نقل المسافرين مجاني ويتمّ عبر وسائل النقل العام كما اختارت صوفي.
يُشار إلى أنّ حلفاً ثلاثياً مضاداً مؤلّفاً من شركات طيران بينها في الأساس عداوة ضارية هي الخطوط الجوية البريطانية وإيزي جيت وراين إير، ضمّت جهودها في مسعى لإسقاط قانون العزل الذاتي أمام المحاكم.
وفي هذا الإطار، يبدأ مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لراين إير يومه بتوجيه سهام الانتقاد الحادة إلى هذه السياسة عبر أكبر عدد من الشبكات الإعلامية التي بوسعه بلوغها قبل أن يتناول فطوره.
وفي حديث مع برنامج "توداي" على القناة الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية، صرّح رئيس شركة الطيران الأيرلندية أنّه "مع وصول الوافدين من الخارج الاثنين، سيتحتّم عليهم المرور عبر محطة أنفاق لندن وغاتويك إكسبرس وهيثرو إكسبرس حيث بوسع أيّ وافد يحمل الفيروس أن يصيب آلاف البريطانيين".
وبالعودة إلى صوفي من النرويج، قيل لها إنّه يتوجّب عليها ملء "استمارة تحديد موقع المسافر" فور وصولها إلى مطار هيثرو. بيد أنّ القوانين تلحظ بأن يتمّ ملء هذه الاستمارة قبل 48 ساعة من الإقلاع باتجاه المملكة المتحدة تحت طائلة تغريم المخالفين بمبلغ 100 جنيه إسترليني (126 دولاراً) أو عدم السماح لهم بدخول بريطانيا.
أمّا غرامة عدم الالتزام بقرار العزل، فتصل إلى ألف جنيه إسترليني، حوالى 1200 دولار أميركي (أو 480 جنيهاً إسترلينياً في اسكتلندا). ولكن مع الطلب من مسؤولي الحدود البريطانية التحقيق في استمارات المسافرين الذين يعطون أسماء مستعارة مثل "ميكي ماوس" ومكان إقامة مثل "قصر باكنغهام"، أُثيرت الشكوك بشأن مدى فعالية التأكد من تطبيق هذا العزل الذاتي.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني "إن جميع المؤشرات حتى الآن تدلّ على أن هناك "مستوى جيداً من الامتثال (لإجراءات العزل)". وأوضح يقصد بذلك المسافرين الوافدين الذين ملأوا الاستمارات حول مقرّ الإقامة الذي سيتّخذونه لحجرهم الصحي، مضيفاً أنّه من المبكر جداً تقييم مستويات الالتزام بأوامر الحجر.
وعجز المتحدث الرسمي عن الإفصاح عمّا إذا كانت أيّ غرامات قد فُرضت على الذين رفضوا الالتزام بقيود الحجر.
في المقلب الآخر، أصرّ أوليري أنّه "بإمكانكم أن تكونوا في متاجر ساينزبوري Sainsbury’s أو على الشاطئ أو في مضمار الغولف إذا صودف واتّصل بكم أحد من وزارة الداخلية هذا الأسبوع وهو أمر مستبعد. إنّ ما سيقومون به هو بمثابة دمار لا يوصف، ليس على شركات الطيران فقط بل على قطاع السياحة البريطانية برمّته، وعلى آلاف الفنادق والمعالم السياحية والمطاعم على مدى الشهرين المقبلين".
وسرعان ما بدأت العصي توضع في دواليب خطط العطلات الصيفية مع إلغاء طيران جيت 2 رحلاتها خلال الأسبوعين الأوّلين من يوليو (تموز)، ملقيةً اللوم على "قيود السفر المستمرّة"، علماً أنّ قلّة من المصطافين البريطانيين سيرغبون في السفر إلى الخارج إذا توجّب عليهم التزام العزل الذاتي لأسبوعين فور عودتهم إلى بريطانيا. وستتّصل الشركة التي تتّخذ من مدينة ليدز مقراً لها مسبقاً بالعملاء المتأثرين بهذه التغييرات وستقدّم إليهم فرصة حجز عطلتهم في تاريخ لاحق أو الاستعاضة عن ذلك باستعادة كامل المبلغ المدفوع.
في هذه الأثناء، كرّر بعض الوزراء مقولة وزارة الداخلية إنّ "هذه الإجراءات مثبتة علمياً ومدعومة من الشعب وهي ستبقينا جميعاً بأمان". ولكن مع مرور الوقت، تثبت كلّ هذه المقولات عدم صحّتها. فلم يظهر في المؤتمر الصحافي في داونينغ ستريت أيّ عالم على حدّ علمنا لشرح جدوى الإجراء الجديد.
وفي هذا الإطار، أجرت صحيفة "اندبندنت" استطلاع رأي على موقع تويتر شمل حوالى 4 آلاف مستخدم اختاروا الإجابة بشكل تلقائي وأظهرت نتائجه أنّ 73 في المئة من المستطلَعين يعارضون الحجر الصحي.
كما أنّ وزارة الداخلية اختارت ألّا تناقش تحليلاً يشير إلى أنّ إبقاء البريطانيين الأصحّاء في المملكة المتحدة عوضاً عن السماح لهم بزيارة بلدان تشهد معدّلات متدنّية من الإصابات بكوفيد-19 هو تدبير سيزيد الحالات المصابة.
وعلى الرغم من ذلك، أصرّ المتحدّث باسم بوريس جونسون بأنّ "العلم واضح في هذا الخصوص. فإذا قمنا بالحدّ من أعداد الحالات الجديدة الوافدة من الخارج، بوسعنا خفض تأثيرات الموجة الثانية من فيروس كورونا". وأكّد أنّ المحادثات المتعلّقة بإنشاء ممرّات جوية بين البلدان الأقلّ تأثراً بالفيروس مستمرّة ولكنّه رفض الإفصاح عن البلدان التي تتواصل معها المملكة المتحدة. يُشار إلى أنّ هذه المحادثات لا تتمّ بالتأكيد مع الاتحاد الأوروبي ككيان موحّد.
هذا وكان وزير الخارجية البرتغالي قد سبق أن وصف الحجر الصحي بـ"عدو السياحة".
وفي معرض الردّ على اقتراح مقدّم من زعيم حزب العمّال كير ستارمر لإجراء فحوصات في المطارات كبديل عن العزل الذاتي، أجاب المتحدّث باسم رئيس الوزراء أنّ ظهور عوارض الإصابة بفيروس كورونا وتحديد المرضى المصابين يمكن أن يستغرقا وقتاً. وأضاف أنّه "بوسعهم الخضوع لاختبار عند الحدود يظهر نتيجة سلبية للإصابة بكورونا ولكنهم قد يطوّرون عوارض بعد بضعة أيام ويكونون بذلك قد نشروا الفيروس خلال تلك الفترة".
وخلُصت أديل سنيدون وهي من محبّي السفر بالقول عبر راديو اسكتلندا التابع لهئية الإذاعة البريطانية أنّه "لا يزال هنالك الكثير من الأشياء المجهولة حالياً. أعتقد أنّنا نودّ ضبط الأمور أكثر قبل أن نرغب في السفر مجدداً".
© The Independent