أصول الملاذ الآمن هي الأصول التي يحتمي بها المستثمرون عندما ترتفع حالة عدم اليقين في الأسواق المالية، وعند حدوث الأزمات وارتفاع مخاوف موجات بيع الأصول عالية المخاطر، عندها تنتقل السيولة في الأسواق إلى أصول تسمى ''أصول الملاذ الآمن'' لتفادي الخسائر، بغرض الاحتفاظ بالقيمة أو تعظيمها، ويحدث ذلك غالباً عندما تضرب الاضطرابات أسواق المال. هذه العملية في إدارة الأصول تسمى حماية المحفظة "portfolio protection"، والغرض من اللجوء إلى الملاذ الآمن في الأسواق المالية هو محاولة تقليل التعرّض للمخاطر أثناء هبوط الأسواق الشديد.
السندات السيادية وسندات الشركات
وتأتي السندات على قمة الأصول التي يطلق عليها أصول الملاذ الآمن لحفظها للقيمة وتوفيرها عوائد إضافية للضمان السيادي، كما أن الموثوقية أيضاً من العوامل المهمة التي مكّنت السندات في أن تتبوأ هذه المكانة من حيث سهولة التسييل العالية.
في العقود الثلاثة الماضية كانت السندات الحكومية الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه المستثمرون لأنها كانت توفّر عائداً بجانب المحافظة على القيمة، فبعد الأزمة المالية العالمية في 2008 اتّجهت البنوك المركزية لتحفيز الاقتصاد عبر شراء السندات السيادية، وتراجعت عوائدها، ثم توسّع نطاق مشتريات البنوك ليشمل الأوراق المالية برهون عقارية (بعد أزمة الرهن العقاري في 2008)، أخيراً توسّعت البنوك وبدأت تشتري سندات الشركات التابعة للمقاطعات الأميركية.
وفي أحدث تصريح للفيدرالي الأميركي الاثنين الماضي، صرح أنه سيقوم بشراء سندات الشركات الأميركية في السوق الثانوية التي تستوفي الحدّ الأدنى من التصنيف.
وتوسع بنك اليابان المركزي أكثر واشترى الصناديق الاستثمارية المتداولة في البورصات "ETF"، وتسببت هذه الإجراءات من البنوك المركزية في انخفاض عوائد السندات في بداية هذا العام، وبلغ إجمالي السندات ذات العائد السلبي 17 تريليون دولار.
الذهب من أشهر أصول الملاذ الآمن
المعدن الأصفر يلعب دوراً بارزاً ضمن أصول الملاذ الآمن لما يتمتع به من ثبات أثناء تقلبات الأسواق، وسهل التسييل ويقوم بدور حفظ القيمة منذ آلاف السنين عند معظم الشعوب، وبدأ يلعب دور الملاذ الآمن في الأسواق المالية خلال العقود الأربعة الماضية، حيث ارتفع سعر أوقية الذهب من 35 دولاراً في عام 1971 إلى 1750 دولاراً في عام 2020، وتتنوع الأصول المالية المقومة بالذهب من عقود فورية إلى عقود آجلة إلى صناديق استثمارية، ثم يتم التحوط بالذهب عبر الانكشاف على أسهم شركات التنقيب، هذا بالإضافة إلى الأسواق التقليدية للذهب العيني والمشغولات الذهبية والسبائك، ويرتفع الطلب على الذهب عند ارتفاع الخوف من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية، مثلاً مؤشر الخوف "VIX" في 2 يناير (كانون الثاني) 2020 كان عند مستوى 12 وفي 16 مارس (آذار) 2020 ارتفع إلى 82.
وهذا المؤشر يقيس عدد عقود البيع في سوق عقود الخيارات لمؤشر الـ"إس أند بي 500". ويعني هذا الارتفاع في المؤشر أن مخاوف المستثمرين على مؤشر الخوف تسببت في ارتفاع سعر الذهب، ويرتبط المعدن النفيس بعلاقة عكسية مع الدولار الأميركي، فمنذ منتصف مايو (أيار) 2020 تعرّض الدولار الأميركي لموجة بيع، في المقابل كان المستثمرون يشترون الذهب مما دفع أسعاره للارتفاع فوق مستوى 1700 دولار للأوقية، وهذا يؤكد العلاقة العكسية بينهما، ومعلوم أن الذهب يُسعّر بالدولار، وتتم تسويته أيضاً بالعملة الخضراء. ودور آخر يلعبه الذهب كأداة مالية للتحوّط مقابل ارتفاع معدلات التضخم، وعندما تقوم البنوك المركزية باتخاذ قرار زيادة طباعة النقود الورقية بالأسواق، تتوقع انخفاض القوة الشرائية للعملة وارتفاع الأسعار وتفاقم التضخم وتتسبب هذه التوقعات في زيادة تدفق السيولة نحو الذهب.
مع أزمة كورونا التي بدأت أزمة صحية في الصين في بداية العام، وسرعان ما تحوّلت إلى جائحة عالمية في غضون شهور، ولها تداعيات اقتصادية عميقة دفعت الاقتصاد نحو الركود، مما دفع بالبنوك المركزية والحكومات إلى صخ كثير من الأموال لاحتواء التأثيرات الاقتصادية عبر شراء السندات السيادية وسندات الشركات الخاصة والصناديق الاستثمارية المتداولة في البورصات.
هذا التحرك سيتسبب في محدودية خريطة الملاذات الآمنة في الأسواق المالية، وربما تظهر أصول جديدة مثل العملات المشفرة الثابتة وسندات بعض القطاعات التي تعمل في مشروعات البنية التحتية التي ستشتري سنداتها البنوك المركزية.