ربما تكون لافينيا ستينيت من بين قلة من الناس في المملكة المتحدة ممن لا يدلون اليوم برأي في موضوع التماثيل.
اللندنية، ابنة الـ23 سنة، هي واضعة "المنهاج الدراسي لتاريخ السود"، الذي يشكّل مبادرة اجتماعية انطلقت في حملة لفرض التعليم الإلزامي لتاريخ الشعب الأسود في مناهج المدارس الوطنية البريطانية.
وتلقى المبادرة اليوم، وفق ما تقول ستينيت، إقبالاً على دعمها إثر أسابيع من التظاهرات المناهضة التعصّب العرقي في أنحاء البلاد. وقام ما يقارب مئة ألف شخص بتحميل وقراءة رسالتها المفتوحة إلى وزير التربية البريطاني غافين ويليامسون، التي تطالب فيها بأن يحظى الطلبة برؤية أشمل في تناول التاريخ.
وحين سألتها عن رأيها في إسقاط تمثال إدوارد كولستون في بريستول خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بدت منفصلة عن الموضوع بعض الشيء، إذ قالت "كي أكون صريحة، ليس لديّ رأي في هذا". وأضافت "لو كان الناس يدرسّون تاريخ تجارة العبيد في المدارس بطريقة أكثر نقدية، لما احتجنا إلى أن نكون هنا برأيي (نناقش مسألة التماثيل). وربما كنا لنحظى بأشخاص أكثر في موقع القرار يناقشون الموضوع من أساسه".
وترى ستينيت أنه لو أبدت المدارس فهماً أعمق لمسألة العرق في المجتمع البريطاني على مدى السنوات التي قادت إلى هذه اللحظة، لما انتهى الناشطون وأصحاب الحملات إلى سجالٍ في ما إذا كان ينبغي تدمير أو تكريم تماثيل لشخصيات مضى زمن طويل على رحيلها. إذ، حسب قولها، "إن اتخاذ قرار في ما ينبغي القيام به في هذه المسألة، كان سيتسم بتوافق أكبر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحتل قضايا التلاحم الاجتماعي موقع القلب مما يحاول تحقيقه "المنهاج الدراسي لتاريخ السود"، الذي أنجز في الصيف الماضي بعد أسابيع قليلة فقط، تلت تخرج ستينيت في "مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية" SOAS. ويشكّل المشروع منهجاً يتضمّن، مثلاً، إضاءات على حياة السود في بريطانيا قبل القرن العشرين، وهذه، إضافة إلى آراء الأفارقة بالاستعمار، لن تعزز مستوى المعرفة للتلامذة السود وحسب، بل تُسهم أيضاً في الحد من مظاهر التمييز العرقي المؤسساتي بالمملكة المتحدة على المدى الطويل.
وقالت ستينيت في هذا السياق، "لو وسّعنا نطاق ما يُعلّم كي نُضمّنه سرديات مختلفة، فالأمر من شأنه أن يخلق حواراً سلمياً يمكن عبره مواجهة مظاهر التحيز اللا واعي، التي تدعم بُنى التمييز العرقي القائمة". إذ إن "ما شهدناه من وضع على مدى الأسابيع الماضية يُغذيه التقصير في فهم الآخر"، حسب رأيها، وما التعليم والثقافة في هذا الإطار "إلا أداة جوهرية في التعامل مع هذا الأمر".
وترى ستينيت أن المنهاج الدراسي الراهن "لا يعكس تنوّع المجتمع" الذي يخدمه هذا المنهاج. و"تؤدي هذه الصلة المفقودة مع المجتمع"، وفق رأيها، إلى "نقص في الهُوية والسخط، وذاك يفسر وجود كثير من المسائل والقضايا العالقة عند الجماعات. فالأمر لا يعني أننا مشاكسون بطبيعتنا. بل يوجد أوجه انحياز ممنهجة تمنعنا من تحقيق إمكاناتنا الكاملة".
وكانت ستينيت، التي تعيش في بريكستون، التي قررت محاولة التغيير بعد إتمامها دراستها، تقدّمت للحصول على منحة من أجل إعداد "المنهاج الدراسي لتاريخ السود"، وانضمت إليها في مشروعها شريكتان من زملائها، هما بيثاني ثومبسون وليزا كينيدي، وخصصت الأشهر الـ12 الماضية لتطوير منهاج جاهز لدراسة تاريخ السود، يمكن إدماجه في منهاج الدراسة الحالي، وضمن مواضيع عدة للتلامذة بين سن الـ8 والـ16.
ومن بين الموضوعات التي يتضمّنها المنهاج (التي تقوم المبادرة سلفاً بتعليمها ضمن ورشات عمل) ثمة موضوع عن "الموسيقى بوصفها هُوية ثقافية"، وآخر عن قوانين "سوس" (أو قوانين "المشتبه بهم")، وموضوع عن "الهجرة في القرن العشرين"، وهذه كلها تسهم، وفق ستينيت، في "تعزيز حسّ الانتماء".
والآن، عقب التظاهرات التي عمّت البلاد ضد التمييز العرقي، التي استدعاها مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت حملة لافينيا ستينيت الهادفة إلى فرض تعليم موضوعات كهذه تلقى الدعم والإطراء.
وهي تعتقد في هذا الإطار "أننا اكتسبنا زخماً مهمّاً"، وتروي أنه قيل لها ولزملائها خلال اجتماع مع مسؤولي وزارة التربية البريطانية، ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن ما تقترحه حملتهم "قابل جدّاً للتحقق"، وما ينقص فقط يتمثل بـ"الإرادة السياسية". وتقول أوساط الوزارة إن تاريخ السود يمثل "موضوعاً مهمّاً، ولجميع المدارس الحرية في تعليمه". ويمكن القول إنه لم تسنح فرصة من قبل بهذه الأهمية لجعل الموضوع إلزامياً.
وأظهر انتشار التظاهرات قابلية للتغيير، بينما كشفت جائحة كورونا على الملأ مقدار اللا مساواة في المملكة المتحدة، إذ بلغت نسب احتمالات الموت جراء "كوفيد 19" في أوساط السود والأقليات الإثنية ضعف مثيلاتها في أوساط البيض، حتى لو احتُسبت عوامل الحرمان وما شابه.
وتناقش ستينيت المسألة، قائلة "توجد طرق كثيرة ينبغي من خلالها معالجة مظاهر اللا مساواة هذه"، بيد أنها ترى "وجوب تغيير نظام التعليم كي نحول دون تأبيدها". وفوق ذلك تشير ستينيت إلى ما يضمه تاريخ السود من حكايات مذهلة، معظم الناس لم يسمعوا بها من قبل.
ومع بلوغ حديثنا خواتمه تستحضر ستينيت نموذج جون بلانكي، عازف البوق الملكي، الأفريقي الأصل، الذي كان واحداً من مئات السود الذين يعيشون في لندن إبان عصر تيودور (القرن السادس عشر). إذ توجد رسالة كتبها بلانكي إلى الملك هنري الثامن يطلب فيها زيادة راتبه. وتشرح عن ذلك قائلة: "كان بلانكي يتقاضى ثمانية بنسات في اليوم، أي ما يعادل 600 جنيه إسترليني اليوم. أي أنه من دون شك كان شخصاً يدرك مدى أهميته". وهذه حكاية تأمل ستينيت أن يعرفها بالمستقبل القريب آلاف التلامذة بالمدارس البريطانيين، ويستلهمونها، سوداً كانوا أم بيضاً.
© The Independent